العدسة_ هادي أحمد وأحمد عبد العزيز

ما بين سجن العقرب شديد الحراسة في مصر، وبين فندق “ريتز كارلتون” ذي الخمس نجوم في السعودية، تختلف الأماكن والإمكانيات، ولكنها تتفق في شيء واحد فقط هو القمع وفجر الخصومة.

فتباين شديد يمكن ملاحظته، بين المكان الذي اختاره ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ليضع فيه الأمراء والوزراء الذين يتهمهم بالفساد، بهدف إزاحتهم من طريقه كي يصل إلى كرسي العرش، وبين المكان الذي اختاره نظام عبدالفتاح السيسي ليضع فيه قيادات ووزراء الحكومة في عهد الدكتور محمد مرسي عقب الانقلاب عليه.

فالأول، فندق خمس نجوم، والثاني، واحدا من أسوأ أماكن الاحتجاز في مصر وربما في العالم أجمع، وفي السطور التالية، مقارنة بسيطة بين المكانين، لنرى حجم المفارقة الصادمة:

“ريتز كارلتون”.. “زنزانة الأمراء

احتجزت السلطات السعودية العشرات من الأمراء والوزراء ورجال الأعمال بتهم فساد، في فندق “ريتز كارلتون” بالعاصمة الرياض.

وهو فندق من فئة الخمس نجوم، تم تدشينه قبل 6 سنوات وتحديدا في 24 أكتوبر 2011، على مساحة 52 فدانا، ويضم 493 غرفة، ويقع بجوار الحي الدبلوماسي وبمحاذاة مركز الملك عبدالعزيز للمؤتمرات، أحد أكبر المراكز في المنطقة لاستضافة القمم والمؤتمرات العالمية. وصمّم المبنى ليكون قصر ضيافة ملكيا لإقامة الشخصيات البارزة ورؤساء الدول.

وتعكس هندسته المعمارية المذهلة تصاميم القصور التقليدية والمنازل العربية الأنيقة، وتتناغم واجهاته بذوق مع الحدائق المحيطة الغنية بأشجار النخيل المحلية وأشجار الزيتون اللبنانية والتي يعود عمرها إلى 600 سنة و نوافير المياه ليبدو المكان كواحة غناء في قلب المدينة.

يعتبر مدخل الفندق المذهل هو أول دليل لزوار الفندق على تفرده فهو لا يشبه أيا من فنادق الريتز-كارلتون الأخرى، ويتميز بموقع فريد في العاصمة السعودية ويقع على مساحة 213500 متر مربع من الأرض الغنية بالحدائق المنسقة.

وتم إنشاء الفندق بواسطة شركة أوجيه العالمية، (المعروفة باسم سعودي أوجيه) والمملوكة لكل من عائلة رئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري وعبد العزيز بن فهد آل سعود.

وقبل وصول المتهمين إلى محبسهم الفاخر، كانت إدارة الفندق قد أجبرت جميع النزلاء على التجمع في بهو الفندق بحقائبهم دون إبداء أسباب، وجهزت لهم حافلات للمغادرة والتوجه إلى فنادق أخرى في العاصمة الرياض، وبعد عملية الإجلاء تلك، تم إلغاء جميع الحجوزات بشكل طارئ، وأبلغ وكلاء السفر أن الفندق الفاخر خصص لتنفيذ إجراءات حكومية غير معلومة.

ونشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، الثلاثاء الماضي، مقطع فيديو تم تصويره من داخل الفندق، في قاعة B، المحتجز فيها المتهمون.

وتعد القاعة السابقة إحدى القاعات المتواضعة التي تبلغ مساحتها 20 ألف قدم مربع، ويمكن استخدامها كقاعة مأدبة الجلوس لحوالي 1400 شخص أو حفل استقبال تستوعب 2000 شخص.

وأظهر المقطع أشخاصا يرقدون على السجاجيد المغطاة ببطانيات زاهية الألوان بزخارف وردية، في حين يظهر الحراس في الزي الداكن في الخلفية.

وفي زاوية تظهر بندقية أمريكية الصنع طراز “إم-4” القصيرة، تستخدم كسلاح أساسي في الجيش الأمريكي.

وقال مسؤولون بارزون إن اختيار الفندق، بدلا من السجون لوضع المتهمين رفيعي المستوي قيد الاعتقال كان الحل الأكثر حفظا لكرامة المتهمين، فضلا عن محاولة القيادة تجنب وتقليل العواقب الوخيمة لاحتمال ردة فعل ذوي المعتقلين الذين سرعان ما تحولوا من  أمراء مدللين إلى  سجناء رفيعي المستوى.

قبل شهور وتحديدا في مايو الماضي، كان الفندق على موعد مع استضافة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فى أول زيارة خارجية له وشملت السعودية عدة دول بالمنطقة، واستضاف الفندق سلفه باراك أوباما عام 2014.

وقد نشرت مراسلة بلومبرج بالبيت الابيض صورا من داخل الفندق خلال زيارة ترامب.

صورتي “الملك سلمان” و الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” على الفندق

وقبل أسبوعين من واقعة الاحتجاز استضاف الفندق على مدار 3 أيام، فعاليات مؤتمر “مبادرة مستقبل الاستثمار” والذي أطلق عليها البعض اسم “دافوس الصحراء” وضم نحو 3500 مدعو من كبار المستثمرين والسياسيين في العالم، على رأسهم وزير الخزانة الامريكية ورئيسية البنك الدولي.

سجن العقرب.. مقبرة المعارضين

اسمه الرسمي “سجن طرة شديد الحراسة 992“، بينما كلمة “العقرب” أطلقها عليه نزلائه بسبب ما يتعرضوا له من مآسي.

يقع السجن سيء السمعة، داخل منطقة سجون طرة، على بعد 2 كيلو متر من البوابة الرئيسية، محاط بسور ارتفاعه 7 أمتار، وله بوابات مصفحة من الداخل والخارج، تمنع حتى مجرد مرور الصوت، وله جدران بنيت بكميات ضخمة من الخرسانة المسلحة.

أنشئ السجن عام 1991 في عهد وزير الداخلية الأسبق حسن الألفي، ويقال إن الذي اقترح فكرة إنشاء السجون شديدة الحراسة في مصر، هم مجموعة من ضباط الشرطة كانوا في بعثة تدريبية في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الفكرة التي لاقت استحسان مساعد وزير الداخلية لشؤون أمن الدولة حينها، حبيب العادلي.

صمم السجن على شكل حرف H، ويضم 320 زنزانة، موزعة على أربعة طوابق، بينها 20 زنزانة، هي الأسوأ على الإطلاق، وهي التي يطلق عليها “التأديب”، حيث تستخدم في معاقبة النزلاء التي ترى إدارة السجن أنهم شديدي الخطورة، وهي زنازين لا يمكن التواصل بين النزلاء داخلها على الإطلاق.

استغرق بناء السجن قرابة عامين، حيث تم الانتهاء منه في منتصف عام 1993، وكانت بداية افتتاحه الفعلية، عبر عملية نقل سجون ليمان واستقبال طرة وأبو زعبل إليه، وفي يوم واحد، تم ترحيل 1500 سجين من منطقة طرة القديمة وخارجها، وإدخالهم إلى زنازين السجن شديد الحراسة، يوم 26 يونيو من العام ذاته، في حضور حبيب العادلي.

أما الخدمات التي تصل إلى الزنازين، فيتم التحكم فيها بحسب الأوضاع العقابية المفروضة في السجن، حيث تستطيع الإدارة قطع المياه والإضاءة وغلق الشبابيك لتحول الزنازين إلى أشبه ما تكون بمقابر حقيقية.

و كشف العديد من النزلاء الذين مروا على هذا السجن، أن إدارته تمارس عملية تجويع المساجين بشكل منظم، وتمنع عنهم الدواء مهما كانت الحالات المرضية حرجة، بالرغم من انتشار الأمراض بين النزلاء نتيجة الأوضاع غير الصحية التي يعيشونها بالسجن، وهو ما ولد لديهم أمراض مزمنة تستوجب إجراء جراحات وعمليات عاجلة ومتابعة طبية، وهو ما تتعنت فيه إدارة السجن.

كما تمنع الزيارات عن المساجين، وهو ما دفع أسر النزلاء الحاليين بالسجن، لرفع قضية أمام القضاء الإدارية تطالب فقط بالسماح لهم بزيارة نزلاء السجن بشكل أسبوعي.

أما حول عمليات التعذيب، فتتم داخله بشكل ممنهج ومدروس، حيث بات من الطبيعي إعلان وفاة أحد نزلاء السجن بين الحين والآخر، تحت وطأة التعذيب، نتيجة ضرب المساجين بشكل مبرح بالهراوات والعصي والصعق الكهربائي، والتحرش بهم واغتصابهم، حتى أن منظمة “هيومن رايتس ووتش” أصدرت تقرير قالت فيه إن نزلاء السجن يتعرضون للموت البطئ بسبب عمليات التعذيب التي يتعرضون لها، والتي منها التعليق لساعات طويلة من اليدين.