العدسة – باسم الشجاعي
مازال الغموض يكتنف نشاط ولقاءات وفد حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، المتواجد في القاهرة منذ 9 فبراير الجاري، والذي ألحق به وفد آخر، “الاثنين” الماضي، والتي تعتبر أطول مدّة في تاريخ زيارات وفود الحركة إلى مصر، مما يرفع بورصة التكهنات، وخاصةً مع شُح الأخبار؛ حيث تؤكد الشواهد أن هناك ضغوطا كبيرة تمارس على الحركة في الفترة الحالية، وخاصة فيما يتعلق بسلاح المقاومة وصفقة القرن.
ولعل أبرز هذه الشواهد هو استمرار زيارة وفد حركة “حماس” للقاهرة، لليوم الثالث عشر على التوالي، وذلك بعد أن رفضت القاهرة دخول عضو المكتب السياسي للحركة “موسى أبو مرزوق” قبل عشرة أيام، ثم عادت وسمحت له، ومعه كل من “عزت الرشق ومحمد نصر”، بالالتحاق بالوفد، بعد طلب وإصرار من قادة الوفد الذين يريدون استغلال قدومهم لإجراء ثاني اجتماع موسع للمكتب منذ انتخابه، كما تفيد مصادر مواكبة للزيارة.
ويضم الوفد الموجود في القاهرة قيادات من الجناح العسكري للحركة، على رأسهم نائب القائد العام لـ”كتائب القسام”، “مروان عيسى”، وثلاثة آخرون عرف منهم “رائد سعد”، وهؤلاء يتواصلون مع القيادة الجديدة لـ”المخابرات العامة”، اللواء “عباس كامل”، مدير مكتب قائد الانقلاب “عبد الفتاح السيسي”، في ملف الأسرى وصفقة التبادل.
فالشكوك التي تثار حول أن قيادة حركة “حماس” والذين يشكلون أغلب قادة المكتب السياسي يواجهون ضغوطًا مصرية لثنيها عن مواقفها في العديد من الملفات، تزامنت مع تصريحات رئيس السلطة الفلسطينية “محمود عباس”، “الثلاثاء” 20 فبراير، في كلمة أمام مجلس الأمن.
“عباس”، قال في مداخلته الطويلة والنادرة أمام أعلى هيئة في الأمم المتحدة “مجلس الأمن”: إن السلطة ستتوجه للانتخابات الشاملة بعد تحقيق “السلطة الواحدة والسلاح الشرعي الواحد”، في إشارة واضحة لنزع السلاح من المقاومة في قطاع غزة، وخاصةً حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، وهو ما أكد عليه أكثر من مناسبة منذ توقيع اتفاق المصالحة في أكتوير الماضي، ما يؤكد أن هناك خطة محكمة تحاك ضد الحركة لتفكيك جناحها العسكري؛ كتائب الشهيد “عز الدين القسام”.
ولكن عمليًا يبدو أن الأمر ليس سهلاً قياسًا على واقع الضفة الغربية التي يسيطر عليها؛ حيث يسهل اعتقال المقاومين ومصادرة سلاحهم بالتناوب مع الاحتلال.
فواقع قطاع غزة مختلف تمامًا لأن المقاومة فيها ليست أفرادًا متفرقين، بل كتائب وتشكيلات منظمة، وهي ليست تابعة لـ”حماس” فقط، بل لمختلف الفصائل الفلسطينية، بمعنى أن محاولة هدم هذه الحالة ستفضي بالضرورة إلى اقتتال داخلي وإلى عواقب كارثية على المشهد الفلسطيني.
دون المستوى
وتعليقًا على كلام “عباس”، وصفت “حماس”، خطاب رئيس السلطة أمام مجلس الأمن دون المستوى المطلوب، مؤكدةً أنه لا يعكس الموقف الوطني الداعي إلى إنهاء أوسلو والرافض للعودة إلى المفاوضات مع الاحتلال، منوهة أن ما قدّمه من مبادرة لا تمثل الموقف الوطني، وتكرس سياسة التفرد في القرار.
“حماس”، طالبت في بيان لها، “الأربعاء”، 21 فبراير، بوضع حد لحالة الاستفراد والتدهور الخطير الحاصل في المسار السياسي للقضية الفلسطينية من خلال الإسراع في توحيد الصف الداخلي الفلسطيني وتقويته، والتوافق على إستراتيجية وطنية ترتكز إلى خيار المقاومة تحمي حقوق شعبنا وثوابته، نواجه بها التحديات كافة.
ضغوط مصرية
لم تكن تصريحات “عباس”، مجرد “صدفة”، بل تأتي مع تواتر الحديث في وسائل إعلام عربية وعالمية، عن السلطات المصرية تضع “حماس” بين خيارين، بحسب ما أشارت مصادر مرافقة لوفد الحركة الموجد بالقاهرة، بحسب ما قالت صحيفة “الأخبار” اللبنانية.
الخيار الأول هو الموافقة على طلبات السلطة “كافة”، بالدخول إلى “منظمة التحرير” مع تعديلات طفيفة على ميثاقها، ومن ثم “تشريع سلاح” الفصائل تحت كنف المنظمة.
أما الثاني، فهو الإقرار بانهيار المصالحة وتشكيل إدارة منفصلة بالقطاع يشارك فيها تيار القيادي المفصول من “فتح”، “محمد دحلان”، مع من يرغب من الفصائل، على أن تحظى بغطاء سياسي أمريكي وعربي (تتكفله مصر) وتمويل خليجي (يتكفله دحلان).
ولكن “حماس” ردّت ضمنيًا على ما يثار؛ حيث قال نائب رئيس الحركة في غزة، “خليل الحية”: إن “الوفد عبر عن رفضه كل الحلول التي تنتقص من حقوق الشعب الفلسطيني، وإن الوفد أكد خلال اللقاء مع رئيس المخابرات العامة المصري، “عباس كامل” أن فلسطين للفلسطينيين ومصر للمصريين”.
وحدّد “الحية”، بحسب البيان الذي نشر منذ أيام، متطلبات الحدّ الأدنى التي تريدها “حماس” من القاهرة خلال الأيام المقبلة، “إنهاء أزمة معبر رفح بشكل كامل، والعمل على إنهاء المعاناة التي يعيشها سكان غزة، وتحسين الأوضاع الإنسانية والاقتصادية”، دون التطرق لمزيد من التفاصيل، وخاصة سلاح المقاومة.
كما عبرت الحركة عن رفضها، أيضًا، عبر تصريحات، “موسي أبو مرزوق”، على موقع “تويتر”، الذي قال فيها، “لن يمر أي مشروع مادام الشعب الفلسطيني يرفضه، ورغم كل محاولات إلغاء الهوية بالتهجير والتجنيس، والضغط والملاحقة للمجاهدين والمقاومين، وإشغال اللاجئين بلقمة عيشهم وتعليم أبنائهم، والحصار والتضييق على من يكسر المعادلة، تخرج عهد وأجيال تفاجئهم”.
غزة تتنفس مؤقتا
ويبدو أن إصرار “حماس”، على مطالبها، والثبات على موقفها، دفع السلطات المصرية، إلى فتح معبر رفح البري جنوب قطاع غزة لمدة أربعة أيام، بدءًا من اليوم “الأربعاء”، وحتى السبت المقبل في كلا الاتجاهين، بعد أن أغلقته بشكل مفاجئ في التاسع من فبراير الجاري بعد فتحه ليومين فقط في كلا الاتجاهين، بدعوى تدهور الأوضاع الأمنية في سيناء وإعلانها شن عملية عسكرية واسعة هناك.
وفتحت القاهرة يوم الاثنين المعبر استثنائيا لعبور 69 فلسطينيا إلى قطاع غزة، كانوا عالقين في الأراضي المصرية منذ 11 يومًا بالتزامن مع بدء العملية العسكرية المصرية الشاملة في سيناء، وفق ما أفادت به الهيئة العامة للمعابر والحدود في قطاع غزة.
ويربط معبر رفح البري قطاع غزة بمصر، وتغلقه السلطات المصرية بشكل شبه كامل منذ يوليو 2013 لدواعٍ تصفها بالأمنية، وتفتحه على فترات متباعدة لسفر الحالات الإنسانية.
ويدير المعبر في الوقت الحالي حكومة الوفاق الفلسطينية، بعد أن تسلمته مطلع نوفمبر الماضي من حركة المقاومة الإسلامية “حماس” تطبيقًا لاتفاق المصالحة الموقع بالقاهرة في 12 أكتوبر الماضي.
اضف تعليقا