العدسة – منصور عطية

لم تمر الأيام الماضية من شهر فبراير، والتي شهدت تطورات متسارعة على السودانيين كسابقاتها، فكانت حبلى بالأحداث بين نظام يحاول إرضاء المعارضة ويجري تغييرات أمنية وعسكرية، وتهديدات من قبل المعارضة بالسعي لإسقاط هذا النظام.

فهل ترى السلطة في توجهها حلا للأزمة الاقتصادية المتفاقمة؟ ولماذا لا تجد المعارضة في الخطوات الإيجابية منها مدخلا للتهدئة لا التصعيد؟.

تسلسل مثير للأحداث

التسلسل الزمني للأحداث، ينتهي في 27 فبراير، بقرارات من الرئيس السوداني عمر البشير، تم بموجبها إجراء تغييرات واسعة في القيادات العليا بالقوات المسلحة، لكن أبرزها كان تعيين الفريق دكتور ركن “كمال عبدالمعروف الماحي” رئيسًا للأركان المشتركة للجيش، خلفًا للفريق أول مهندس ركن “عماد الدين مصطفى عدوي”.

قبلها بيوم واحد، أعلنت قوى المعارضة عودتها لتنظيم تظاهرات الاحتجاج ضد غلاء الأسعار، إضافة إلى اعتصامات ومظاهرات، تمهد لإسقاط النظام، وفق تصريحات الأمين العام لحزب الأمة القومي “سارة نقدالله” التي خرجت لتوها من السجن بقرار رئاسي.

وأضافت أمام المؤتمر: “قوى المعارضة سياسية ومدنية توحدت إرادتها واتفقت لأول مرة حول موقف موحد تجاه قضية التغيير وإزالة النظام لصالح نظام جديد.. سنمضي في تنفيذ برامج الندوات والمذكرات والمسيرات والاعتصامات والتظاهرات وكل الأنشطة السلمية”.

لكن المفارقة، أن تهديدات المعارضة بإسقاط النظام، جاءت بعد أقل من أسبوع واحد على إطلاق سراح أكثر من 80 من الناشطين السياسيين والطلاب، كدفعة أولى للإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين الذين احتجزوا على خلفية الاحتجاجات ضد الغلاء والسياسات الاقتصادية.

“عبدالرحمن الصادق المهدي”، مساعد الرئيس السوداني، قال إن إطلاق سراح السجناء كان بأمر من الرئيس، مؤكدا أن الإجراءات مستمرة لإطلاق جميع المعتقلين، دون أن يحدد عددهم، وأضاف: “سنعمل على إزالة الأسباب التي تؤدي إلى الاحتجاجات والاعتقالات”.

البعد الدولي والضغوط الخارجية كانت حاضرة في قرار الإفراج، حيث جاء بعد 3 أيام من إبداء السفارة الأمريكية في الخرطوم قلقها لاحتجاز سياسيين وناشطين، كما سبق أن طالبت سفارات دول الاتحاد الأوروبي في الخرطوم، في بيان مشترك، السلطات السودانية بالإفراج عن الموقوفين.

وشهدت الخرطوم ومدن سودانية أخرى، منذ مطلع العام الجاري، احتجاجات عدة تنديدا بغلاء المعيشة وسوء الأوضاع الاقتصادية، بعد إقرار الحكومة إجراءات اقتصادية تقشفية، تبعها ارتفاع في أسعار السلع بالأسواق.

وبين هذا وذاك، أدى “فيصل حسن إبراهيم”، نائب البشير في حزب المؤتمر الشعبي الحاكم، اليمين الدستورية، مساعدا للرئيس السوداني.

بداية القرارات الرئاسية الساخنة والمثيرة كان في 11 فبراير، بتعيين الفريق “صلاح قوش” مديرا عامًّا لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، وذلك بعد إعفائه من هذا المنصب عام 2009، قبل أن يعتقل ويسجن سبعة أشهر، بتهمة المشاركة في محاولة انقلابية ضد الرئيس البشير.

وقالت تقارير إعلامية إن “قوش” يتفرد بعلاقات وثيقة مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي أي) في مكافحة الإرهاب، رغم أن السودان على قائمة واشنطن التي تضم “الدول الراعية للإرهاب”، كما سلّم “قوش” كثيرا من قادة الحركات الإسلامية على مستوى العالم للولايات المتحدة.

حل أمني لأزمة الاقتصاد

تبدو الأزمة الاقتصادية في مقدمة ما يشغل السلطات السودانية، والتي ربما دفعت “البشير” إلى بعض قراراته سالفة الذكر، خاصة المتعلقة منها بالناحية الأمنية، رغم أن المنطق يشير إلى مسؤولية وزارات أخرى مختصة بالأزمة.

ورفعت الحكومة سعر الدولار الجمركي من 6.9 إلى 18 جنيها، لتنخفض قيمة العملة السودانية مقابل العملات الأخرى إلى أرقام غير مسبوقة، حيث تجاوز سعر الدولار الأمريكي حاجز الـ 40 جنيها للمرة الأولى، مطلع فبراير الجاري.

تعيين مدير جديد لجهاز المخابرات والأمن، جاء كحل ربما يسعى من خلاله “البشير” إلى إنهاء جزء ليس باليسير من الأزمة الاقتصادية، ولعل هذا تفسره تهديدات الرئيس وأعضاء حكومته “بالضرب بيد من حديد” على المتلاعبين بقوت الشعب والمتاجرين في السوق السوداء، فضلا عن التلويح باستخدام عقوبات أشد صرامة في مواجهة هؤلاء بتهم الإرهاب وغسيل الأموال، وتصل عقوباتها إلى الإعدام.

ولعل الحل الأمني لأزمة الاقتصاد، ينطلق من اعتقاد السلطات السودانية بأن ما تشهده الأسواق من ارتفاعات قياسية في أسعار السلع، مؤامرة مدبرة من المعارضة التي تسعى لتأليب الرأي العام ضد النظام بهدف إسقاطه.

السودانيون غاضبون

هذا الحراك المعارض، فاقم معاناة السودانيين، وأشعل غضبهم في شوارع البلاد؛ الأمر الذي واجهه النظام بحل مشابه للحل الذي اعتمده في مواجهة الأزمة الاقتصادية المسببة لهذا الغضب.

“البشير” قال في أحد خطاباته في 8 فبراير: إن “الحكومة عازمة على قطع الطريق أمام المتربصين والمتاجرين ومروجي الأزمات بين الشعب السوداني”، في وقت تصاعدت الاتهامات الرسمية بشأن سعي “مخابرات دول إلى إثارة الفتن في البلاد”، وأن “المعارضة تريد استغلال الغلاء لإسقاط النظام”.

ويبدو أن “البشير” كان يدرك أهمية تصدير أجهزة الأمن في مواجهة الأزمة الاقتصادية، فعقب توليه منصب مدير عام جهاز الأمن والمخابرات، توعد “قوش” بملاحقة المضاربين في الأسواق ومهربي السلع المدعومة إلى الخارج، وقال إن البعض “يعبث بمقدرات البلاد ومقوماتها ونظامها الإداري، ويشوهون دولاب العمل المدني، ويسعون أيضا إلى إضعاف العملة الوطنية والنيل من سمعة الجهاز المصرفي”.

وبينما لاقت هذه الخطة الأمنية الواسعة تأييدا من الحزب الحاكم والأحزاب المشاركة في الحكم، رأى آخرون أن هذا المنهج سيؤدي إلى مزيد من الفشل ويدللون على ذلك باستمرار ارتفاعات الأسعار دون ضوابط كافية لها حتى الآن.