عاشت لبنان على مدار عقود حالة من عدم الاستقرار السياسي، الأمر الذي أزَّم حياة الشعب اللبناني، وأثر سلبًا على كل قطاعات الدولة اللبنانية تقريبًا، ما جعل حياة المواطنين تنتقل من سيء لأسوأ. وعلى ذلك، انتفض الشعب اللبناني وقام بسلسلة من الاحتجاجات الشعبية بدءًَا من يوم 17 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019، وامتدت الاحتجاجات حتى عام 2020.

ويمكن القول أن انتفاضة الشعب اللبناني لم تصل إلى أهدافها بعد، لا الأهداف العامة التي نادى بها الثوار، ولا المطالب المحددة لهم، والتي كان على رأسها رحيل كل الطغمة الحاكمة في لبنان بكافة أشكالها وتوجهاتها. وقد تجلى هذا المطلب في أشهر هتافات الانتفاضة ” كلّن يعني كلّن”.

Image result for مظاهرات لبنان

حيث لم يترك أي من المسؤولين اللبنانيين مناصبهم باستثناء رئيس الوزراء سعد الحريري، الذي قدم استقالته، وكرر مطالب المحتجين بتشكيل حكومة من المتخصصين المستقلين، قبل أن يعود بنفسه منذ أسابيع يبدأ مشاورات تشكيل حكومة جديدة.

حكومة حسان دياب..

وبعد أن قدم الحريري استقالته في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019، كلف الرئيس عون، حسان دياب – الذي كان وزيرًا للتربية والتعليم في حكومة نجيب ميقاتي – بتشكيل حكومة جديدة في ديسمبر/ كانون الأول من نفس العام. لكن “دياب” لم يأت بجديد فيما يخص حياة المواطنين، بحيث تختلف حكومته عن الحكومات السابقة، فيما يخص القبول الشعبي لها. لذلك استمر السخط الشعبي على الحكومة الجديدة، إلا أن انتشار فيروس كورونا حال دون استمرار احتجاجات الشعب اللبناني ضد حكومة دياب.

لكن كارثة انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/ آب الماضي كانت كفيلة بالإطاحة بالحكومة الجديدة، حيث راح نحو 200 شخصًا ضحية للانفجار، وأصيب حوالي 6 آلاف آخرين، هذا فضلًا عن دمار مادي هائل في الأبنية السكنية والمؤسسات التجارية. ووفق مراقبين، فإن الأضرار الناجمة عن الانفجار امتدت على مسافة 8 كلم، وطالت نحو 62 ألف وحدة سكنية ونحو 20 ألف مؤسسة تجارية.

محاولة فاشلة لتشكيل حكومة جديدة..

استقالة “دياب” تبعها في أواخر شهر أغسطس/ آب، تكليف من الرئيس عون للسفير مصطفى أديب، بتشكيل الحكومة الجديدة، على أن تكون أبرز مهامها إنجاز الإصلاحات التي يدعو إليها المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية، وذلك بهدف تأمين سياسات تنقذ لبنان من الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة التي تعصف بها.

Image result for مظاهرات لبنان

ظل رئيس الوزراء المكلف يعقد مباحثات مكثفة بهدف تشكيل الحكومة واستلام مهامه بشكل رسمي، إلا أن الساحة السياسية اللبنانية التي تتسم بالتعقيد، لم تسمح له بإنجاز هذا التشكيل، الأمر الذي اضطره إلى تقديم استقالته، واعتذاره عن تشكيل الحكومة.

العودة للحريري مرة أخرى..

وكان من الواضح قلة الشخصيات الوطنية اللبنانية التي قد تجتمع عليها أطراف الحكم في لبنان، هذا فضلًا عن أن تكون مقبولة شعبيًا. لذلك عاد ميشال عون، في 22 أكتوبر/ تشرين أول الماضي، ليكلف سعد الحريري بتشكيل الحكومة مرة أخرى، وبذلك ترجع الأمور إلى نقطة الصفر مرة أخرى.

لكن الغريب هو أن هذه الخطوة أيضًا لم تستطع النخبة الحاكمة في لبنان إنجازها. فعقب شهرين من المشاورات واللقاءات التي عقدها الحريري، قدم الأخير إلى عون “تشكيلة حكومية تضم 18 وزيرًا من الاختصاصيين غير الحزبيين”. إلا أن الحكومة الجديدة لم تخرج للنور بسبب اعتراض عون على ما سماه آنذاك بـ”تفرد الحريري بتسمية الوزراء، خصوصا المسيحيين، دون الاتفاق مع الرئاسة”.

ومؤخرًا، أعلن الحريري بعد لقاء جمعه بـ”عون” أن جهوده الرامية لتشكيل حكومة اختصاصيين “لم تسفر عن تقدم حتى الآن”، وأكد ذلك بيان للرئاسة اللبنانية التي قالت إن “الرئيس المكلف (الحريري) لم يأت بأي جديد على الصعيد الحكومي”.

نظام سياسي أساسه الطائفية..

رجوعًا إلى أسباب التظاهرات، بدا من الاحتجاجات أن الشعب متفطن للأسباب الحقيقية وراء الحالة المزرية التي يعيش فيها. فرغم أن المظاهرات قد بدأت اعتراضًا على الضرائب المخططة على البنزين والتبغ و‌المكالمات عبر الإنترنت على تطبيقات مثل واتساب، إلا أنها سرعان ما أصبحت ضد الحكم الطائفي والمحاصصة، والفساد الموجود في القطاع العام للدولة، الذي يحميه المسؤولون أنفسهم.

وهذه الأخيرة هي الأسباب الحقيقة لكل مآسي لبنان، فالنظام السياسي الحالي في لبنان طائفي بامتياز، حيث إنه مبني على المحاصصة. وقد وُضع هذا النظام في اتفاق الطائف الذي رعاه المجتمع الدولي والموقع في مدينة الطائف السعودية 1990، بعد حرب أهلية طاحنة استمرت خمسة عشر عامًا من 1975 إلى 1990، وراح ضحيتها مئات الآلاف.

وحسب الاتفاق، فإن انتخاب رئيس الجمهورية يأتي من خلال مجلس النواب، لمدة ست سنوات قابلة للتجديد. ويجب أن يكون من الطائفة المسيحية المارونية، وبالتوافق بين القوى السياسية الممثلة بالبرلمان.

بينما يتم توزيع مقاعد مجلس النواب البالغة 128 مقعدًا مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، على أن يترأس المجلس أحد أبناء الطائفة الشيعية. أما منصب رئيس الوزراء فيجب أن يكون لمسلم من السنة. 

التقاسم الطائفي للمناصب في لبنان لا يقتصر على الرئاسات الثلاثـة فحسب، بل يمتد ليشمل أيضًا جميع المناصب الهامة. فعلى سبيل المثال، قائد الجيش لابد أن يكون مارونيًا، أما وزير الداخلية ومدير قوى الأمن الداخلي فهما سنيان، بينما يكون مدير المخابرات العسكرية شيعيًا. هذا بالإضافة إلى أن هناك حصصًا للطوائف والأقليات الأصغر مثل الدروز والمسحيين الأورثوذكس والأرمن.

وكما هو واضح، فإنه من شبه المستحيل اتخاذ أي قرارات كبرى على الساحة اللبنانية دون توافق جميع الفرقاء السياسيين الموزعين على أساس طائفي، والذي يمتلك كل منهم أجندته الخاصة، والتي عادة ما ترتبط بمصالحه الشخصية، لا لمصالح طائفته، فضلًا عن أن تكون أجندته في صالح الشعب اللبناني ككل.

وعلى ذلك، يمكن القول أنه من الصعب الوصول إلى تشكيل حكومي مجمع عليه من كل الأطراف خلال الفترة القادمة، وفي حال وصلت الأطراف إلى هذا التشكيل، فإن استقرار هذه الحكومة سيكون محل شك إلى حد بعيد، إلا إذا مورست ضغوط داخلية أو خارجية على النخبة اللبنانية الحاكمة تجبرها على التركيز على مصالح الشعب وتحسين حالته المعيشية.

اقرأ أيضًا: لوموند: هل يكفي قرار إدارة بايدن بوقف دعم الحرب لحل النزاع في اليمن؟