العدسة – جلال إدريس
حالة من الاستنفار تشهدها السفارات السعودية في كل من بريطانيا وأمريكا وعددا من الدول الأوربية استعدادا للجولة الخارجية التي بدأها الأمير السعودي “محمد بن سلمان” بالقاهرة، ومن المقرر أن يتبعها ببريطانيا وعددا آخرا من الدول الغربية.
ولأن الصورة الذهنية عن الأمير السعودي في الدول الأوربية بالغة السوء، بسبب المجازر والانتهاكات التي ارتكبتها بلاده ورعتها السعودية في عدد من الدول وفي مقدمتها “اليمن” فإن بن سلمان قرر الاعتماد على شركات دعائية لتبييض صورته غربيا، والتمهيد لزيارته لتلك الدول.
ونشر موقع “The American Conservative” تقريرًا مطولًا عن الملايين التي دفعها ابن سلمان، وسابقيه، للترويج لصورة مضللة عن السعودية في الولايات المتحدة ودولا أخرى، للتأثير، ليس فقط على صناع القرار، وإنما أيضًا على الرأي العام في تلك الدول.
حملة “تبييض” وجه بن سلمان، تزامن معها تعليمات مشددة أصدرتها الخارجية السعودية، لكل سفارات المملكة في الخارج، بحيث تقوم تلك السفارات بعمل حملات دعائية قبل زيارته، وإلا سيكون الحرمان من المنصب مصير السفير الذي يخقف في تلك التجهيزات.
استنفار بسفارة المملكة بلندن
ووفق مصادر لـ”العدسة” فإن الأمير محمد بن نواف بن عبدالعزيز سفير المملكة العربية السعودية ببريطانيا، فرض حالة من الاستنفار داخل السفارة بعد تعليمات مشددة وصلت إليه من الخارجية السعودية، بإن أي عقبات أو عراقيل ستشهدها زيارة “بن سلمان” في بريطانيا ستنعكس أثارها بالسلب على السفير محمد بن نواف.
وفي هذا الإطار بدأت سفارة “المملكة” في لندن، بالتعاقد مع شركات دعائية لتبييض وجه بن سلمان عن طريق تدشين هاشتاقات وصفحات على مواقع التواصل بلغات أجنبية ترحب بزيارة بن سلمان لبريطانيا، فضلا عن الاتفاق مع بعض الجاليات السعودية في بريطانيا وأوربا لعمل حشود أمام المقرات الحكومية أثناء زيارة بن سلمان للملكة البريطانية.
ومن المقرر أن يزور “بن سلمان” بريطانيا في السابع من مارس الجاري، وسط سجال بين الحكومة البريطانية، ومنظمات مدنية بريطانية وأحزاب سياسية، تقود حملة لمقاطعة الزيارة وتطالب بوقف مبيعات الأسلحة البريطانية للتحالف العربي الذي تقوده السعودية بسبب الانتهاكات السعودية في حرب اليمن.
وفي الخامس من فبراير الماضي، أجلت بريطانيا الزيارة المتفق عليه سلفا مع “محمد بن سلمان بعد حملة سياسية وشعبية ومظاهرات طالبت رئيسة الوزراء البريطانية برفض استقباله، بسبب دوره في عاصفة الحزم وما دعاه المتظاهرون “ارتكاب جرائم حرب” في اليمن، إلى جانب تنظيم مجموعة من المنظمات الحقوقية البريطانية وقفة لذات الغرض، وطالبت بإلغاء زيارة ابن سلمان للبلاد.
لكن وفقا لمراقبون، فإن الشركات التي ضخ لها بن سلمان ملايين الدولارات لتبييض صورته في أوربا ساهمت في الضغط بصورة أو بأخرى على الحكومة البريطانيا، لقبول الزيارة في أسرع وقت.
ملايين الدولارات لشركات دعائية
موقع “The American Conservative” نشر تقريرًا مطولًا عن الملايين التي دفعها ابن سلمان، وسابقيه، للترويج لصورة مضللة عن السعودية في الولايات المتحدة، للتأثير، ليس فقط على صناع القرار، وإنما أيضًا على الرأي العام الأمريكي.
وبحسب الترجمة التي نشرها موقع “ألترا صوت” للتقرير “بن سلمان” استخدم مزيدًا من شركات الضغط والعلاقات العامة لحشد الدعم والتأييد له في الداخل الأمريكي مع وصول دونالد ترامب للحكم.
وأوضح التقرير أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، حين يبدأ جولته عبر الولايات المتحدة في الأسابيع المقبلة ستدعمه الصحف ووسائل الإعلام السائدة، وهو يطأ بقدميه السجادة الحمراء المترفة، التي بسطها له البيت الأبيض والكونغرس ووزارة الخارجية، في واشنطن.
وقال التقرير “إن “بن سلمان” يمتلك مالايمتلكه زعيم على قيد الحياة، من آلة العلاقات العامة المصممة خصيصًا للتمهيد لزياراته الخارجية، والأمر ليس هو فحسب، بل السعودية عمومًا، التي استفادت على مر السنين بمليارات الدولارت التي استثمرتها في شركات العلاقات العامة التي تحشد التأييد وتمارس الضغط في واشنطن، وكذا مؤسسات الدراسات والأبحاث المتخصصة، بل والجامعات أيضًا.
وقد خلقت كل من هذه المؤسسات صورة خاصة عن السعودية، ليس لمجرد تبرئة ساحتها مما جنته يدها، وإنما لإبعاد أي أخبار سلبية عنها، والدفع لتشكيل السياسات الأمريكية لصالح السعودية.
ونقل الموقع عن “بن فريمان – المحلل المتخصص في أساليب حشد التأييد وجماعات الضغط والتأثير، في مركز السياسة الدولية” قوله “اتسمت السنة الأولى من إدارة ترامب بأهمية بالغة بالنسبة للسعوديين، فلقد أضافوا العديد من الشركات الجديدة إلى لوبيهات الضغط وشركات العلاقات العامة القوية بالفعل التي تحشد لهم الدعم والتأييد، وتمكنوا من التودد إلى إدارة ترامب بطريقة لم يستطيعوا فعلها أبدًا مع إدارة أوباما”.
وبحسب “فريمان” فإنه ليس من المستغرب أن الشركات الأمريكية التي تعمل لصالح السعودية كثيرة بالفعل، إذ أظهر البحث الدقيق الذي أجراه فريمان، في أحدث السجلات المتوفرة طبقًا للقانون، من شهر سبتمبر عام 2016 حتى شهر أغسطس عام 2017، أن هناك ما يصل إلى 29 عقدًا منفصلَا من قِبل 25 شركة مختلفة بلغ مجموع قيمتها 15.9 مليون دولار أمريكي.
ويقول فريمان: “تُمثل تلك الشركات أهم الشركات المتخصصة في حشد التأييد والضغط والعلاقات العامة”.
استغلال الأذرع الإعلامية
الأذرع الإعلامية السعودية والإماراتية سيتم تسخيرها وبقوة خلال جولة “بن سلمان الخارجية” حيث ستركز تلك الأذرع والقنوات الفضائية المتنوعة على أهمية الزيارة وجدواها، والاستقبال الذي ستضخم منه وسائل الإعلام مهما كان ضعيفا وهزيلا.
وسائل الإعلام السعودية، ستعمل أيضا على تجاهل أي مظاهر احتجاجية ضد “بن سلمان” أثناء زيارة لبريطانيا، أو لأيا من الدول الخارجية، حيث ستحاول تلك القنوات التركيز فقط على بعض المناصرين الذين سيتم جلبهم بالأموال للرفع أعلام السعودية وصور بن سلمان خلال تلك الجولات الخارجية.
ستعمل كافة الفضائيات السعودية، على استضافة من ستصفهم بمحللين غربيين، يتحدثون عن الأهمية الاستراتيجية لزيارة “بن سلمان” لبريطانيا، والاتفاقات التي ستوقع في تلك الزيارة، وذلك عن طريق استضافة صحفيين مغمورين ستغدق عليهم السعودية الأموال، لإظهار أهمية وقيمة لزيارة “بن سلمان” لبريطانيا
رشاوى لمسؤلين بريطاينيين
لم يعتمد “بن سلمان” خلال زيارته لـ”بريطانيا” على سفارته وأذرعه الإعلامية ببريطانيا فحسب، لكن موقع “ميدل إيست آي” البريطاني كشف منذ عدة أشهر عن تلقي أعضاء من حزب المحافظين في البرلمان البريطاني رشاوى من السعودية لمحاولة تبييض وجه حكام السعودية عن طريق تشكيل لوبي مؤيد لها في المملكة المتحدة.
ونشر الموقع تحقيقاً حصرياً يشير إلى أن نوابا من حزب المحافظين وآخر من حزب العمال تلقوا أموالاً من السعودية لـ”تبييض سمعتها”، لافتاً إلى وجود شكوى لدى “الهيئة التي تراقب الالتزام بمعايير البرلمان بشأن وقوع انتهاك لقواعد الكشف عن المصالح المالية”.
وأشار التقرير الذي أعده “جامي ميريل” إلى أن الكشف عن هذه المعلومات يأتي في وقت تواجه فيه بريطانيا دعوات “لوقف تصدير السلاح إلى السعودية والضغط عليها لرفع الحصار الذي تفرضه على اليمن حيث تتهم بارتكاب جرائم حرب”.
وجاء في التقرير بإمكان موقع ميدل إيست آي الكشف عن أن أعضاء برلمان من حزب المحافظين تلقوا هذا العام ما يقرب من مائة ألف جنيه إسترليني من المملكة السعودية على شكل إقامة في فنادق فاخرة وتذاكر طيارة في درجة رجال الأعمال وضيافة، الأمر الذي حفز على توجيه شكوى إلى الهيئة التي تراقب الالتزام بمعايير البرلمان بشأن وقوع انتهاك لقواعد الكشف عن المصالح المالية.
حزب العمال يرفض الزيارة
ويتبنى حزب “العمال” البريطاني موقفا مناهضا لزيارة “بن سلمان” لبريطانيا، كما يقود الحزب حملة لمطالبة بريطانيا بالتوقف عن بيع الأسلحة للسعودية بحجة استخدامها في الحرب الأهلية اليمنية.
وسبق أن طالب زعيم الحزب، جيريمي كوربن، الحكومة البريطانية بالتوقف عن بيع الأسلحة للسعودية بحجة استخدامها في الحرب الأهلية اليمنية.
كما سبق وأن منع الحزب، سفير السعودية من حضور مؤتمره العام في برايتون، العام الماضي، وذلك بسبب تأكد الحزب، من أن السعودية ارتكبت جرائم حرب في حملتها الجوية في اليمن وغيرها من الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان.
كذلك فقد سبق أن طالب زعيم الحزب، جيريمي كوربن، الحكومة البريطانية بالتوقف عن بيع الأسلحة للسعودية بحجة استخدامها في الحرب الأهلية اليمنية.
وقال كوربن في تصريح لـ”بي بي سي”، “نبيع السلاح للسعودية، وفي ذات الوقت نقوم بإرسال المساعدات، يجب ألا نقوم بالأمرين معاً”، مشدداً على ضمان وجود “عملية سياسية للوصول إلى وقف لإطلاق النار في اليمن”.
حشود متوقعة
ومن المتوقع أن تشهد العاصمة البريطانية “لندن” حشود شعبية تضم جاليات عربية وشخصيات بريطانية رافضة لزيارة “بن سلمان” للملكة المتحدة، كالتي شهدتها بريطانيا منذ اللحظة الأولى عن إعلان تلك الزيارة.
وعلى مدار الأسابيع الماضية جابت شوارع لندن شاحنات تحمل إعلانات ضخمه رافضة لزيارة ولي العهد السعودي إلى بريطانيا، وكتب على الإعلانات «مجرم الحرب غير مرحب به في بريطانيا».
واستمرت تلك الحملة، في شوارع لندن لمدة أسبوعين في إطار احتجاجات نشطاء ومعارضين على زيارة “بن سلمان” للملكة المتحدة، وهو المتهم بارتكاب جرائم حرب بحق “اليمنيين” في عاصمة الحزم التي يقودها، وفي ضربات التحالف العربي المزعوم.
أيضا فإن احتجاجات واسعة شهدتها شوارع لندن، بسبب صمت المجتمع الدولي على انتهاكات “بن سلمان” بحق المعارضين السعوديين، وبحق العلماء والدعاة الذين يعتقلون ثم يخفيهم قسريا ولا أحد يعلم عنهم شيء.
حصار الشعب القطري، والتحريض عليه كان حاضرا في الاجتجاجات الشعبية ضد زيارة “بن سلمان” لبريطانيا، حيث أن كثيرا من المتظاهرين والمحتجين وجهوا اللوم للحكومة البريطانية، على استعدادها لاستقبال “حكام بدرجة قاتل”.
وإلى جانب تلك الحملات الشعبية، نظمت عدة مؤسسات بريطانية مظاهرة أمام مقر رئاسة الوزراء، سلمت خلالها رسالة لرئيسة الوزراء تدعوها فيها إلى إلغاء زيارة ولي العهد السعودي.
كما قامت 4 منظمات حقوقية بريطانية بتوجيه رسالة مفتوحة إلى رئيسة الوزراء البريطانية «تيريزا ماي»، تدعوها إلى إلغاء زيارة ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» للمملكة المتحدة، بسبب قمع المواطنين السعوديين والتدخل في شؤون الدول العربية.
وقامت تلك المنظمات بجمع توقيعات تخطت أكثر من 2000 توقيع بريطاني، تم توثيقها على عريضة قدمت إلى مجلس العموم البريطاني تطالب بإلغاء زيارة بن سلمان وتوضح الأسباب الداعية لذلك
اضف تعليقا