كشف اعتقال جورج نادر، المستشار السابق لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد والصديق المقرب لولي عهد السعودية محمد بن سلمان، صندوقاً أسود مليئاً بالخبايا والعلاقات الغامضة والدور الكبير بالشرق الأوسط، يفتح “الخليج أون لاين” هذا الصندوق في في هذا التقرير

نادر، الذي اعتُقل عقب العثور على صور جنسية فاضحة للأطفال بهاتفه الجوال، كُشف عن تورُّطه في تاريخ فظيع مليء بقضايا استغلال الأطفال بالمواد الإباحية التي تمتد إلى الثمانينيات.

ويواجه نادر، الذي لُقِّب بـ”رجل الظل” و”مخزن الأسرار” و”الخبير بسياسات الشرق الأوسط”، الآن عقوبة السجن 15 عاماً بحد أدنى و40 عاماً بحد أقصى، بحسب القانون الأمريكي.

وبإعلان اعتقاله، قالت وزارة العدل الأمريكية حينها، إن نادر (60 عاماً)، الذي هو على صلة جيدة بحملة الرئيس دونالد ترامب الرئاسية وشاهِد في التحقيق بالتدخل الروسي فيها، قد اعتُقل لحيازته مواد إباحية للأطفال.

واعتُقل رجل الأعمال اللبناني الأمريكي في مطار جون إف كينيدي الدولي بمدينة نيويورك، يوم الاثنين (3 يونيو 2019)، بتهمة “نقل صور مرئية للقُصَّر الذين يمارسون سلوكاً جنسياً صريحاً”.

واستند الاعتقال إلى لائحة اتهام مختومةٍ عُمرها 13 شهراً، وبيَّنت وزارة العدل أن نادر كان لديه صور جنسية صريحة لأطفال على هاتفه الجوال عندما دخل الولايات المتحدة برحلة سابقة في 17 يناير 2018.

وطالب محامي نادر وضع موكله تحت رقابة خاصة، ودفْع كفالة للإفراج عنه إلى أن يتعافى من جراحة أجراها في ألمانيا، الشهر الماضي.

لكنَّ قاضياً فيدرالياً في محكمة بولاية فرجينيا الأمريكية رفض، الجمعة (7 يونيو 2019)، الإفراج عن نادر بكفالة، وقال الادعاء: إنه “يشكل خطراً على المجتمع”، ونشرت الشرطة المحلية بالولاية صورته.

تحركات جورج نادر

وكان رجل الأعمال اللبناني قد انضم إلى اجتماعات بين كبار مساعدِي دونالد ترامب (قبل توليه الرئاسة) ومسؤولي الشرق الأوسط، وعمل مستشاراً لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان، الحليف المقرب للسعودية، حسبما أفاد موقع “الجزيرة” الإنجليزي.

وتداولت عديد من وسائل الإعلام العربية والأجنبية صورة لنادر يظهر فيها مع ولي العهد السعودي، وأفادوا بأنه صديق مقرب له.

كما انضم نادر إلى كبار المسؤولين الإماراتيين في اجتماع رئيسٍ مع مساعدِي ترامب بشهر ديسمبر 2016، في برج ترامب بمدينة نيويورك.

وبعد أسابيع ساعد نادر في ترتيب اجتماع أثار الجدل، في جزر سيشل بالمحيط الهندي في 11 يناير 2017، أي قبل تسعة أيام من تنصيب ترامب رئيساً للولايات المتحدة.

وضم هذا الاجتماع إريك برنس مبعوث ترامب، وكيريل ديميترييف المستشار المقرب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذي كان يسعى بالمثل إلى إقامة علاقات مع الإدارة الجديدة.

وتحوَّل نادر فجأة إلى محط أنظار وسائل الإعلام في أمريكا والمحقق الخاص روبرت مولر (حقق في التدخل الروسي بالانتخابات الأمريكية)، الذي أجرى فريقه جلسات استجواب معه بعد أن تجاوز البحث الدور الروسي بالانتخابات، ليبدأ النظر في دور الإمارات المحتمل في شراء النفوذ السياسي بأمريكا.

وكان محققون من مكتب التحقيقات الفيدرالي أوقفوا نادر سابقاً بمطار دالاس في أثناء عودته من رحلة خارجية، حيث حققوا معه وفتَّشوه ثم سلَّموه استدعاء للمثول أمام المحقق مولر وهيئة محلفين معنيَّة في الأصل بالتحقيقات المتصلة باحتمال التدخل الروسي.

وكُشف حينها أن مولر جمع أدلة على أن نادر رتَّب وحضر اجتماع سيشل، بهدف إقامة قناة اتصال مع الكرملين دون علم حكومة (الرئيس آنذاك) باراك أوباما.

وفي عام 2018، أجرى مولر مقابلة معه عدة مرات في إطار التحقيق، باعتباره شاهداً متعاوناً.

ويوثق تقرير مولر دورَ نادر في اجتماع ناقش تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا. وحسبما ورد يظهر اسمُ نادر أكثر من 100 مرة في التقرير.

وكان قُبض على نادر في الولايات المتحدة في العام 1985، لاستيراده مواد إباحية للأطفال من هولندا، لكنَّ التُّهم أُسقطت على أساس فني.

وفي عام 1991، وُجِّهت إليه تهم أخرى وحُكم عليه بالسجن ستة أشهر، وكانت سجلات هذه القضية مختومة، بسبب مساعدة نادر لحكومة الولايات المتحدة في الأمور السرية.

وحسبما ورد، أمضى سنة واحدة في السجن بجمهورية التشيك في أوائل العقد الأول من القرن العشرين، بتهمة ارتكاب جرائم جنسية ضد قاصرين.

علاقات غامضة

من جهة أخرى، حاول نادر أن يؤدي دور الوسيط بين إدارة أوباما و”الحكومة السورية” حينها، وبعدها أصبح مستشاراً لمحمد بن زايد. وأدى دور “القناة الخلفية” للتفاوض مع سوريا في أثناء إدارة كلينتون. ومنذ عام 2000، غاب عن الأنظار إلى أن برز اسمه مؤخراً في تحقيقات مولر، وفق ما بيَّنه “بي بي سي”.

وتردَّد نادر في العام 2017 كثيراً على البيت الأبيض، والتقى ستيفن بانون، وجاريد كوشنر، ومستشارَ الأمن القومي الأمريكي السابق مايكل فلين، وبحث معهم السياسة الأمريكية تجاه دول الخليج قبل سفر ترامب إلى السعودية في مايو 2017، وفق ما قالته صحيفة “نيويورك تايمز”.

وكان نادر أطلق خلال التسعينيات دورية باسم “ميدل سايت إن سايت” (Middle East Insight)، سرعان ما بات لها وزن في دوائر صنع القرار بالولايات المتحدة والشرق الأوسط، حيث نشرت المجلة مقابلات مع كبار أعضاء مجلس الشيوخ وقتها والرؤساء أمثال ياسر عرفات، وإسحاق رابين، ومعمر القذافي، وحسني مبارك والأمير الوليد بن طلال.

وسعى من خلال المجلة ومشاركاته في بعض المؤتمرات، إلى الدفع باتجاه السلام مع “إسرائيل”، وضمن ذلك مع سوريا ولبنان.

كما نسج نادر علاقات يشوبها كثير من الغموض مع اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وجهاز المخابرات الإسرائيلية “الموساد”، حسبما أفاد موقع “الجزيرة.نت”، ووسائل إعلام أمريكية.

ولا تُعرف للرجل أجندة سياسية واضحة، ويراه البعض مجرد باحث عن فرص لجمع المال من طريق شبكة العلاقات التي أقامها في الشرق الأوسط والولايات المتحدة، وفق ما بيَّنه موقع “النهار” اللبناني.

وقال نمرود نوفيك، مستشار رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي السابق شمعون بيريس: إن “نادر عرض على إسرائيل أداء دور الوسيط بين إسرائيل وسوريا ولبنان، لكن جهوده لم تثمر أي نتيجة”.