العدسة – منصور عطية

كالذي يضطر إلى أكل الميتة ليقاوم شبح الموت جوعًا، يبدو الأمر في المعادلة اليمنية الجديدة، التي باتت فيه أطراف متصارعة مضطرة إلى التحالف تحت لافتة واحدة، وهي الحرب ضد الحوثيين.

تلك المعادلة الجديدة، أفرزها بشكل أساسي مقتل الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح بشكل مفاجئ، هدد معسكر التحالف العربي بالاختلال، في ظل علاقة يشوبها التوتر حينها مع القوة المنظمة الأكبر على الأرض، حزب التجمع اليمني للإصلاح، الامتداد الفكري لجماعة الإخوان المسلمين.

لذلك لم يكن مستغربًا اللقاء الذي جمع قادة الحزب بوليي عهد السعودية وأبو ظبي محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، قبل أيام في العاصمة السعودية الرياض، وهو اللقاء الذي تتكشف أهدافه ومساعيه يومًا تلو الآخر.

 

التحالف مع حزب صالح

الأمين العام لحزب الإصلاح عبد الوهاب الآنسي، كشف في تصريحات صحفية، أن وليي عهد السعودية وأبو ظبي طلبا منه تشكيل تحالف مع حزب المؤتمر الشعبي ضد الحوثيين.

ووصف اللقاء الذي جمع قبل أيام قادة من حزبه بهما أنه “نقطة تحول”، مشيرًا إلى أنه “طُلب من حزب التجمع اليمني للإصلاح التواصل مع من تبقى من حزب المؤتمر الشعبي العام في صنعاء، لبحث رؤية عمل مشتركة ضد الحوثيين”.

“الآنسي” أضاف أنهم يواجهون صعوبة بالغة في الوصول إلى قيادات الحزب الذي كان يتزعمه صالح في العاصمة صنعاء.

وكانت وسائل إعلام تابعة لحزب الإصلاح أفادت الأسبوع الماضي، أن رئيسه محمد اليدومي التقى في الرياض السفير الأمريكي لدى اليمن “ماثيو تولر”، بعد أيام من لقاء ابن سلمان وابن زايد باليدومي والآنسي في 13 من ديسمبر الجاري.

 

لماذا الآن؟

وتبدو صورة الوضع اليمني الآن، دافعة للسعودية والإمارات إلى طلب هذا التحالف بين الفرقاء، بل ودعمه بكل قوة، خاصة أن مقتل صالح، وزيادة سيطرة الحوثيين على العاصمة، أفرزا حالة من انسداد الأفق السياسي في اليمن.

وكان تبرير دعم حزب وُصف سابقًا بالانتماء لجماعة إرهابية حاضرًا لدى الإمارات التي قال وزير دولتها للشؤون الخارجية أنور قرقاش: إن “حزب الإصلاح اليمني أعلن مؤخرًا فك ارتباطه بتنظيم الإخوان الإرهابي، وأمامنا فرصة لاختبار النوايا، وتغليب مصلحة اليمن ومحيطه العربي، نعمل بمرونة وهدفنا أمن المنطقة واستقرارها”.

ليس هذا فحسب، بل إن الواقع يكشف مزيدًا من الأسباب التي دفعت الإمارات تحديدًا لدعم هذا التحالف، فحزب الإصلاح يمتلك قاعدة شعبية عريضة، ربما تكون عامل الحسم في ميدان المعارك مع الحوثيين، إن حملت السلاح بغطاء من قوات التحالف.

حاليًا فالحزب صاحب الصفوف المنظمة الوحيد مقابل الحوثيين، هو صاحب أكبر قاعدة شعبية ضمن صفوف المقاومة الشعبية والجيش الوطني.

وعلى الرغم من تواجد نجل صالح في الإمارات، وما أثير بشأن إعداده لتصدر المشهد السياسي خليفة لوالده، إلا أن ضمان سيطرة قوات التحالف على حزب المؤتمر الشعبي تستلزم تقوية شوكة الإصلاح، ودفع تحالفهما إلى حيث لا يبقى أمام حزب صالح سوى الانضواء في التحالف الجديد، بعد أن بات في وضع يرثى له ويهدد ارتباك صفوفه بإخلال ميزان القوى المواجهة للحوثيين.

كما أن التحالف الوليد من شأنه أن يوجد الجبهة اليمنية المقاتلة لميليشيات الحوثي، إلى الحد الذي تصبح فيه تلك الميليشيات متجردة من أي دعم شعبي يذكر.

 

صنعاء تحتم التحالف

ولعل الوضع المزري لصنعاء الآن، شكل الحافز الأكبر للسعودية والإمارات على مثل هكذا تحالف، وهو ما ذهب إليه تقرير نشرته صحفية “نيويورك تايمز” الأمريكية.

التقرير قال: إن جماعة الحوثي التي تسيطر على صنعاء، شددت قبضتها على أهالي المدنية مؤخرا، فقطعت عنهم اتصالات الإنترنت، وحجبت مواقع التواصل الاجتماعي، وهي ترسل مسلحين لمهاجمة المنازل، مستهدفة أي مشتبه في كونه من المعارضين، وقد احتجزت في هذا السياق مئات الأشخاص.

وأضافت الصحيفة أن أسعار السلع الأساسية، مثل الغذاء والوقود آخذة بالارتفاع، وهو ما يهدد بتفاقم الأزمة الإنسانية الخطيرة أصلًا، في ظل استمرار الحرب التي يشنها التحالف العربي بقيادة السعودية.

وقالت إن توطيد السلطة في يد الحوثي المدعوم من إيران يدل على أن البلاد دخلت مرحلة جديدة قاتمة من الحرب، وفشل التحالف الذي تقوده السعودية في تحويل العزلة السياسية لجماعة الحوثي إلى ميزة في ساحة المعركة، على حد وصفها.

 

مستقبل ومآلات التحالف الجديد

وسط هذه الحالة من الاضطرار الذي بدت عليه أطراف المعادلة اليمنية، فإن النجاح سيكون حليف التحالف الوليد على الأقل في المستوى المنظور، وسيشكل انضمام حزب الإصلاح لبقايا حزب صالح، بعد لملمة أوراقه إلى أن يصبحا معًا قوة ضاربة لا يستهان بها، قادرة على تغيير تلك المعادلة لصالح قوات التحالف بالتبعية.

انضمام حزب صالح إلى صفوف الشرعية الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي، يعد إحدى ثمار هذا التحالف، الذي يمكن أن يشكل حبل الإنقاذ الذي يعود من خلاله الحزب إلى المشهد اليمني، بعد لملمة أوراقه المبعثرة بفعل مقتل زعيمه المفاجئ.

لكن ما قيل بشأن أن يكون الدفع السعودي الإماراتي للتقارب مع حزب الإصلاح مجرد إجراء تكتيكي وليس تراجعا إستراتيجيا، يقود إلى احتمال آخر يخضع لتطورات الموقف على الأرض، وهو فض هذا التقارب، وربما إنهاء التحالف الوليد، بعد أن يكون قد حقق المرجو منه.

ومن بين المآلات المتوقعة للتحالف أن يؤثر بشكل سلبي على قوة صف الشرعية، في حال استمر الإماراتيون في التعاطي مع هادي وفريقه بالطريقة الحالية التي تعتبر متحدية في كثير من الأحيان، وهو ما تشهد عليه مواجهات دامية وقعت بين قوات هادي وميليشيات الحزام الأخضر الموالية لأبو ظبي في عدن.

فهل يمكن أن يكون التحالف الجديد بداية تشكيل صف جديد للشرعية اليمنية بعيدًا عن معسكر الرئيس هادي، أم تنجح السعودية الداعمة لهادي في كبح جماح الإمارات في هذا السياق؟.