العدسة – ياسين وجدي:
من رحم تهور الرئيس الامريكي دونالد ترامب ، تتشكل في أورقة السياسة الدولية مظاهر تعاون جديد في مواجهة الولايات المتحدة أطلق شرارته الحملة الامريكية ضد تركيا ، وولد تكتل قد يكون له وزنه في الفترة المقبلة وفق مراقبين.
“العدسة” يسلط الضوء على أوجه التقارب الثلاثي من ايران وروسيا والصين مع تركيا ، وفرص نجاحه في مواجهة سياسيات ترامب والأمريكان، خاصة مع اعلان باكستان كذلك التحدي ودعم الأتراك.
تهور ترامب !
شهدت علاقة تركيا مع الولايات المتحدة الأمريكية محطات متناقضة وعلاقات متأرجحة ، عصف بها في الأيام الأخيرة الرئيس الامريكي دونالد ترامب اثر اعلانه الحملة الامريكية ضد أنقرة ، وفق المراقبين ، لتعود العلاقات الى النقطة صفر الملتهبة كما كانت في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، الذي شهدت العلاقات التركية الأمريكية في عهده تراجعاً ملحوظاً، خاصة فيما يتعلق بالأزمة السورية، ودعم أوباما للارهابيين الذين يهددون مصالح تركيا وسيادتها .
وأظهر استطلاع للرأى أن ثلثى الأتراك يعتبرون الولايات المتحدة هي أكبر تهديد لهم، وصرح أونال سيفيكوز، السفير التركي السابق في لندن بأن “العلاقة الآن هي الأسوأ منذ عام 1974 – منذ الأزمة القبرصية”، وبعد انتهاء ولاية أوباما الثانية، ووصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ، توقع البعض أن تتحسن العلاقة لكن ترامب عصف بكل حلفاء امريكا ومنهم تركيا.
وفي تقدير موقف حديث من خبراء معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى المقرَّب من دوائر صنع القرار في أمريكا، أكدوا أنه أمام الولايات المتحدة فرصة لبداية جديدة مع تركيا، ولكن من خلال القبول بوجود أردوغان وبقائه في السلطة، كما حذروا دونالد ترامب من التفريط في التحالف مع تركيا، موضحين أنه رغم وجود اختلافات لا يمكن تجاوزها بين البيت الأبيض وتركيا، إلا أنَّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في انتظار توتر تركي أمريكي لصالحه.
ولكن كشفت تقارير تورط الولايات المتحدة في دعم غير مباشر للانقلاب العسكري الفاشل في تركيا في العام 2016 زاد من وطأته مطالباته بتسليم عدد من العملاء المتورطين ، بالتزامن مع شن ترامب الحرب التجارية على الدول الموردة لبلاده، وتأييده الكامل للكيان الصهيوني في القضية الفلسطينية وإعلانه القدس عاصمة لدولة الاحتلال، وهو ما دفع الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان إلى التهديد بالبحث عن حلفاء جدد أسواق جديدة واصفاً إجراءات الولايات المتحدة الأخيرة ضد أنقرة بـ “الحرب الاقتصادية”.
وكشف أردوغان شكل التكتل الاقتصادي الجديد ، مؤكدا استعداد أنقرة للتعامل بعملتها الوطنية في التجارة مع روسيا، وإيران، والصين لمواجهة ترامب ، قائلا : “يظنون أن تركيا ستنهار عندما يرتفع سعر الدولار أمام الليرة التركية… نحن مستعدون للتعامل بالعملة الوطنية في تجارتنا مع روسيا وإيران والصين”.
ايران تبادر !
لقطت ايران خط التهديد من اردوغان وسارعت إلى أنقرة ، لتشكيل أبعاد التكتل الجديد، وأعلن الرئيس التركي أن لبلاده خيارات كثيرة لمواجهة الحرب الاقتصادية التي تشنها أمريكا على بلاده، ومن بينها زيادة التعاون الاقتصادي مع جارتها إيران التي وصفها بالحليف الاستراتيجي لتركيا.
وزير خارجية تركيا، مولود جاویش أوغلو، أعلن في هذه السياق أن بلاده لن تلتزم بالعقوبات الأمريكية ضد إيران، واعتبر أن موقف طهران من انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي معها جدير بالتقدير، فيما أعلن محمود واعظي، المبعوث الخاص للرئيس الإيراني أن رئيسي (تركيا وإيران) رسما خارطة طريق جيدة للوصول بحجم التبادل التجاري بينهما إلى 30 مليار دولار، وذلك بعد أن التقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وسلمه رسالة خطيّة من نظيره الإيراني حسن روحاني، مؤكدا “عزم طهران على المقاومة حتي جعل أمريكا تندم على فعلتها”.
من جانبه جدد وزیر الخارجیة الايراني محمد جواد ظریف تمسك بلاده بدعم تركيا ، في مواجهة ابتهاج ترامب بالضغوط الإقتصادية علی ترکیا بأنه قائلا في تغريدات على حسابه الرسمي بتويتر:” علی الولایات المتحدة أن تکف عن إدمانها علی العقوبات والتهدیدات وإلا فإن العالم – أکثر من الإدانات الشفهیة – سوف یتحد لیجبرها علی هذا العمل.نحن کنا واقفین إلی جانب جیراننا من ذي قبل والآن أیضا واقفون للمرة الأخری” .
ووفق للاحصائيات فإن إيران تعتبر أكبر مصدّر للطاقة إلى تركيا، وفي المجال التجاري شهد عام 2017 ارتفاعاً بحجم التبادل التجاري بين تركيا وإيران خلال الأشهر التسعة الأولى بنسبة 14 في المئة، ومن المفترض أن يزيد التبادل التجاري بين الطرفين في فترة العقوبات الأمريكية الجديدة على طهران.
روسيا تتقدم !
ولم تفلت الفرصة من يد الكرملين هذه المرة ، وتقدم خطوات نحو أنقرة ، بحسب المراقبين ، في تحالف يتشكل بين البلدين ، حيث أعلن المتحدث الرسمي باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، ، بأن روسيا تسعى لاستخدام العملات الوطنية في حساباتها التجارية مع تركيا، وذلك بعد أن أعلن الرئيس التركي، أن أنقرة تستعد للانتقال إلى العملة الوطنية في الحسابات التجارية مع شركائها، بمن فيهم روسيا والصين وإيران وأوكرانيا، إضافة لدول الاتحاد الأوروبي، بعد تأزم علاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة.
جاء ذلك بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الثلاثاء إلى أنقرة حيث أجري محادثات مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو ، حيث شن لافروف، هجوما حادا ضد سوء استخدام واشنطن لعملتها الدولار مؤكدا دعما للأتراك أن هذا سيؤدي إلى إضعاف دوره، وقيمته، ويدفع المزيد والمزيد من دول العالم للابتعاد عن الدولار والاعتماد على شركاء أكثر موثوقية خاصة أن العقوبات التي تفرضها واشنطن ضد دول العالم، بما في ذلك ضد تركيا، تقوض مبادئ منظمة التجارة العالمية.
كما يرصد المراقبون تصاعد أسهم السلاح الروسي في التواجد في الأراضي التركية بعد الحملة الأمريكية ، حيث يستطيع أردوغان بواسطته سدّ الفراغ الذي سيتركه التخلي الأمريكي عن تركيا، وخاصة في المجال العسكري، هو الانفتاح على روسيا، وتستطيع أنقرة شراء منظومة اس 400 مقابل منظومة الباتريوت الأمريكية، وعوضاً عن طائرات اف- 35 تستطيع أن تشتري طائرات “سو 57” المتطورة والتي لا تزال بيد القوات الروسية فقط .
وكانت روسيا وتركيا وقعتا في ديسمبر عام 2017 في أنقرة، اتفاقية حول قرض لتوريد أنظمة الدفاع الجوي “إس-400″، كما توصل الطرفان إلى اتفاق بشأن التعاون التكنولوجي في هذا المجال، لتطوير إنتاج أنظمة الدفاع الجوي الصاروخية في تركيا، كما أعلن مساعد الرئيس الروسي، فلاديمير كوجين، في وقت سابق ، أن روسيا وتركيا جادتان في تطوير التعاون العسكري التقني فيما بينهما.
الصين هنا !
ولم تتوانى الصين عن التحرك عقب الحملة الأمريكية ضد تركيا ، في بذل جهود للتعاون الأكبر مع أنقرة ، وهو ما رصده مبكرا الكاتب البريطاني فيليب ستيفنز في مقال بالفاينانشيال تايمز، حيث أكد أن أكبر الرابحين من سياسة ترامب هما الرئيسان بوتين وجينبينج؛ لاسيما وأنهما يتشاركان هدفًا استراتيجيا هو وضْع نهاية للنظام العالمي الذي تقوده أمريكا والذي رسمه الرئيس الأمريكي الأسبق هاري ترومان؛ وقد حاربت الصين الوجود الأمريكي في آسيا، أما روسيا فترغب في عودة توازن القوى الذي ساد في القرن التاسع عشر.
وفي هذا الإطار أكد الكاتب مارك ألموند مدير معهد أبحاث الأزمات في أكسفورد في تحليل نشرته صحيفة ديلي تلغراف البريطانية الاربعاء أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يخاطر بإنشاء محور “غير مقبول” بين تركيا و إيران و الصين و روسيا .
وأوضح أن نهج ترامب المبعثر في فرض عقوبات على منافسيه ينذر بخطر إنشاء محور جديد يتمثل في إيران وتركيا وروسيا وحتى الصين، فهذه البلدان إذا ما اجتمعت فإن دعمها المتبادل وقدرتها على إحداث اضطرابات يمكن أن تجعل الإجراءات الأميركية ذات نتائج عكسية.
باكستان أيضا !
وفي السياق نفسه دخل على خط الدعم اسلام آباد ، حيث أعلنت باكستان -التي تعتمد على الاستثمار الصيني- عن دعمها لتركيا، وأنها أيضا تلقت عرضا من المساعدات العسكرية الروسية لاستبدال التدريب والإمدادات الأميركية المحجوبة، وسط حرب ترامب التي يشنها على كل الجبهات في وقت واحد.
وأكدت باكستان في بيان لوزارة الخارجية أن تركيا عبارة عن محرك الاقتصاد العالمي وجزء مهم منه وأن الشعب الباكستاني والحكومة الباكستانية تجددان الدعم القوي لسلام وازدهار تركيا، وهو ما يلقى بظلال توسع في التحالف الوليد.
اضف تعليقا