وسط تصاعد الحديث عن قرب التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، تظهر الإمارات كواحدة من أبرز الأطراف الإقليمية التي تسعى إلى استغلال هذه اللحظة لتصفية القضية الفلسطينية تحت ستار التنمية وإعادة الإعمار.
وبحسب مراقبين، فإن الأدوار التي تلعبها الإمارات في هذا السياق تتجاوز المساعدات الإنسانية لتخدم أجندات سياسية تهدف إلى تقويض تطلعات الفلسطينيين في الاستقلال وتقرير المصير.
مع تصدر الدعوات الأمريكية للإمارات والسعودية لقيادة جهود إعادة إعمار غزة وإنشاء “كيان فلسطيني” يتعايش بسلام مع إسرائيل، يرى مراقبون أن هذه المقترحات تحمل في طياتها محاولات لإعادة تشكيل المشهد السياسي الفلسطيني بما يتماشى مع الرؤى الإسرائيلية والغربية.
الأجندات الخفية للإمارات
تتجلى هذه الأجندات في الخطابات التي تُغلّف بمصطلحات التنمية والمصالحة، لكنها في الواقع تهدف إلى فرض نظام سياسي “هجين” يسهل السيطرة عليه. ويؤكد المراقبون أن مثل هذه المحاولات لا تراعي الاحتياجات الفعلية لسكان غزة، بل تسعى إلى فرض حلول سياسية تقوض النضال الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
ويُعد مفهوم “النظام السياسي الهجين” نموذجا واضحا لهذا النهج، حيث يتم تصميمه ليخدم مصالح القوى الخارجية التي تستغل الكارثة الإنسانية في غزة كذريعة لفرض رؤاها السياسية.
لذلك، يشدد المراقبون على ضرورة أن تعطي أي جهود إعادة إعمار الأولوية لصوت الشعب الفلسطيني واحتياجاته الحقيقية بعيدا عن المصالح الجيوسياسية الخارجية.
التطبيع وخيانة الإمارات
تزامن تطبيع الإمارات لعلاقاتها مع إسرائيل مع تعقيد الديناميكيات الإقليمية. فالتعاون المتزايد بين المسؤولين الإسرائيليين والإماراتيين، بما في ذلك الاجتماعات السرية التي تُجرى تحت مسميات “التخطيط لما بعد الحرب”، يعكس أجندة خفية تهدف إلى تعزيز نفوذ إسرائيل في المنطقة على حساب الحقوق الفلسطينية.
تُظهر هذه اللقاءات بوضوح كيف أن تطبيع العلاقات لا يقتصر على تحسين العلاقات الثنائية، بل يمتد لتنسيق استراتيجيات إقليمية تستهدف تهميش القضية الفلسطينية وتقويض التضامن العربي.
هذه التحركات تُضعف الموقف الفلسطيني وتثير المخاوف بشأن تأثير التطبيع على وحدة الموقف العربي تجاه القضية الفلسطينية، خاصة أن بعض الدول العربية باتت تتعامل مع القضية الفلسطينية كورقة مساومة لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية مع القوى الكبرى.
في ظل هذه التطورات، يقع على عاتق القادة الفلسطينيين مسؤولية كبرى للحفاظ على الوحدة الوطنية ومقاومة الضغوط الخارجية التي تهدف إلى تهميش قضيتهم. فاللحظة الراهنة تمثل فرصة لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني وتقديم رؤية واضحة لفترة ما بعد الحرب تستند إلى العدالة وتقرير المصير.
ويجب أن تُبنى هذه الرؤية على أساس تعزيز الصمود الداخلي وتلبية الاحتياجات الإنسانية الملحة، مع مقاومة الإغراءات السياسية التي تسعى إلى جر الفلسطينيين نحو حلول تُفقدهم حقوقهم التاريخية. إن مواجهة هذه التحديات تتطلب إرادة سياسية قوية وجهودا متواصلة للحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية ومنع الاستغلال الخارجي للقضية.
أداة للتطبيع وتصفية الحقوق الفلسطينية
لا يمكن إغفال دور الإمارات في تعزيز أجندات التطبيع الإقليمي التي تخدم مصالح إسرائيل. فالمساعدات الإماراتية، التي تُقدم تحت شعار “إعادة الإعمار”، تُستخدم كوسيلة لفرض رؤية سياسية تتماشى مع أهداف الاحتلال.
وتُظهر التجربة أن هذه المساعدات غالبا ما تكون مشروطة بتنازلات سياسية تهدف إلى إدماج الفلسطينيين في إطار “سلام اقتصادي” لا يعترف بحقوقهم الوطنية، ولذلك، من الضروري أن يكون الفلسطينيون على وعي كامل بهذه المخططات وأن يعملوا على فضح الأدوار المشبوهة التي تلعبها بعض الدول العربية، بما فيها الإمارات، في تقويض نضالهم من أجل الحرية والاستقلال.
مع دخول غزة مرحلة حرجة من تاريخها، تبرز الحاجة إلى استراتيجية فلسطينية موحدة لمواجهة الأجندات الخارجية. إن استغلال الدول الإقليمية لمعاناة الشعب الفلسطيني لتحقيق أهداف سياسية يجب أن يُقابل بجهود مكثفة لتعزيز الوحدة الوطنية والتصدي لمحاولات فرض حلول لا تخدم سوى القوى الأجنبية.
وفي هذه المرحلة، تتطلب مقاومة الظلم وضغوط التطبيع جهودا استباقية لوضع رؤية فلسطينية واضحة تقوم على مبادئ الكرامة والعدالة وتقرير المصير. الشعب الفلسطيني وحده هو من يملك الحق في تحديد مستقبله، ويجب أن تكون هذه الحقيقة حجر الزاوية في أي استراتيجية للتعامل مع الديناميكيات الإقليمية والدولية.
اضف تعليقا