تحولت قطر من مرحلة تلقي ضربات دول الحصار “السعودية والإمارات والبحرين ومصر” بعد شنهم حملة عنيفة لاتهامها بالتورط في دعم جماعات إرهابية، إلى مرحلة الرد على الهجوم.
وتمكنت الدوحة من الصمود في مواجهة الادعاءات من دول الحصار، وسط تحرك مدروس دوليا يرتكز بالأساس على إظهار تأثيرات قرارات الدول الأربعة وتحديدا دول الخليج التي أغلقت الحدود البرية والبحرية والمجال الجوي.
وأمام عدم وجود استجابة دولية وإقليمية -باستثناء بعض الأطراف غير الفاعلة إقليميا والتي ترتبط بالأساس بمصالح خاصة مع السعودية والإمارات-لم تجد الدول الأربعة أي فرصة لتصعيد الضغط على الدوحة باستثناء التمسك بقائمة المطالب الـ 13 التي تقدمت بها لأمير الكويت الأمير صباح الأحمد الصباح.
وتمكنت قطر من كسب تعاطف أطراف دولية في ظل التأثيرات السلبية على مواطنيها جراء الحصار المفروض، وهو ما قد يعني انقلاب السحر على الساحر.
تقرير بريطاني
أنهى وفد برلماني بريطاني زيارة استغرقت بضعة أيام في الدوحة، لدراسة آثار الحصار المفروض من الدول الأربعة على قطر منذ مطلع يونيو الماضي.
الوفد البريطاني كان في زيارة رسمية بموجب تكليف من البرلمان للتحقيق في آثار الحصار، تمهيدا لاتخاذ خطوات لرفعه تماما خلال الفترة المقبلة.
واعتبر الوفد -الذي سيعد تقريره للعرض على البرلمان البريطاني في غضون أسبوعين أو ثلاثة- أن الحصار غير قانوني وله تأثيرات سلبية، بل أكد أنه يخالف كل المواثيق والقوانين الدولية والإنسانية.
النائب غراهام مورس رئيس الوفد، قال إن جميع الحالات التي تأثر أصحابها وتضرروا من الحصار ثابتة بالأدلة والبراهين، بعد لقاءات مع العائلات التي تشتت شملها والطلاب الذين حرموا من إتمام دراستهم.
وهنا ثمة تفرقة دولية بين أمرين، الأول الخلاف السياسي بين قطر والدول الأربعة حيال عدد من الملفات الإقليمية، والثاني هو ضرورة ألا ينسحب هذا الخلاف إلى “الحصار” الذي يخالف المواثيق الدولية بما يخلف أضرارا للمواطنين.
ويظهر أن بريطانيا ربما لا توافق على حصار قطر، وربما تتدخل بقوة خلال الفترة المقبلة لرفعه تماما عن الدوحة، بعيدا عن أي خلافات سياسية.
وكانت المملكة المتحدة طالبت على لسان وزير خارجيتها بوريس جونسون، برفع الحصار عن قطر، وإنهاء الخلاف عن طريق الوساطة.
وهذا الموقف الدولي يأتي متماشيا مع رغبة الدوحة، إذ لا يشغلها مسألة قطع العلاقات معها من قبل الدول الأربعة، بقدر فرض هذا الحصار البري والبحري والجوي، بحسب مراقبين.
رفض دولي
ولم تمر أيام قليلة على فرض الدول الأربعة الحصار على قطر حتى خرجت مطالبات دولية بضرورة رفعه تماما، واللجوء إلى المفاوضات لحل الخلافات، من دون ذكر لمسألة وقف قطر لتمويل الإرهاب كما زعمت دول الحصار.
ودعا زيجمار جابرييل، وزير خارجية ألمانيا، لزيادة الجهود الدبلوماسية لحل أزمة قطر، مطالبا دول الخليج برفع الحصار البحري والجوي الذي فرضته على دولة قطر.
وبالمثل كان الموقف الفرنسي، إذ طالب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، في ختام لقائه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في باريس برفع “الحظر الذي يؤثر على سكان قطر في أقرب وقت ممكن”.
وبدا أن قطر تتحرك على مستوى القوى الفاعلة دوليا وتحديدا في الاتحاد الأوروبي، تحديدا فرنسا وألمانيا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد، وتبنت الدولتان ضرورة رفع الحصار ثم الحديث عن حل الخلافات.
أمريكا أيضا التي كان لها مواقف متناقضة حيال الأزمة القطرية،فالرئيس دونالد ترامب بدا أنه أكثر انحيازا لدول الحصار بعد توقيع اتفاقيات مع السعودية بقيمة تجاوزت الـ 400 مليار دولار، بينما في المقابل وزارتا الدفاع والخارجية كانتا أكثر ميلا إلى الدوحة، وطالبتا بفك الحصار.
ريكس تيلرسون طالب دول الحصار بإنهائهبريا بعد توقيع مذكرة تفاهم بين أمريكا وقطر لمكافحة الإرهاب.
وبدا أن ثمة إجماعا من قبل الدول الكبرى على إسقاط الحصار المفروض على الدوحة، ولكن بعد حملة التصعيد الكبيرة لن تكون مسألة رفع الحصار إلا بتقديم الدوحة تنازلات حفاظا على ماء وجه أنظمة الدول الأربعة.
لجنة حقوق الإنسان
ولعبت لجنة حقوق الإنسان القطرية دورا بارزا في الأزمة خاصة مع إبرازها التأثيرات السلبية على حقوق الإنسان بعد إجراءات دول الحصار.
اللجنة ومنذ الأيام الأولى للأزمة لجأت إلى دعوة أطراف دولية ومنظمات حقوقية من عدة دول لزيارة الدوحة، وبيان مدى الآثار السلبية لقرار الدول الأربعة.
واعتمدت على بعض الوقائع المحددة في رسالة إلى المجتمع الدولي، وعمد علي بن صميخ المري رئيس اللجنة، إلى تلقي شكاوى ونداءات المتضررين من هذه القرارات، ليتم بموجبها التواصل مع المنظمات الدولية ذات العلاقة.
ومن ضمن المنظمات التي ذكرها المري، المفوضية السامية لحقوق الإنسان، ومنظمة العفو الدولية، والمقرر الأممي الخاص بالحق في التنقل، والمقرر الخاص بالحق في التعليم، والمقرر الخاص بالعنف ضد المرأة، والفريق المعني بمسألة حقوق الإنسان، وغيرها من مؤسسات الأعمال التجارية.
وبعد هذه الحملات طالبت منظمة العفو الدولية برفع الحصار فورا عن قطر، وسط تأكيد بأن الإجراءات مبهمة وتؤثر على الوضع الحقوقي والإنساني الناجم عن الحصار.
وبالمثل طالبت منظمة هيومن رايتس ووتش دول الحصار بالتراجع عن إجراءاتها ضد قطر، وأن تدرك ما تسببه من أضرار لمواطنيها والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان.
وحينما شعرت قطر بموقف داعم لها من قبل المنظمات المعنية بحقوق الإنسان وفقا للميثاق العالمي لحقوق الإنسان، بدأت في اتخاذ خطوات أكثر تصعيدا بشكل تدريجي.
تدويل الأزمة
اتجهت قطر خلال الشهر الماضي إلى تصعيد الوضع الحقوقي المترتب على الحصار دوليا، بناء على الآثار السلبية وتقارير منظمات حقوقية.
تدويل الأزمة بدأ فعليا مع تقديم شكوى إلى المقرر الخاص بالأمم المتحدة المعني بحرية الدين والعقيدة حول العراقيل والصعوبات أمام حجاج دولة قطر من المواطنين والمقيمين لأداء مناسك الحج، وذلك في يوليو الماضي.
وكان لهذه الشكوى نتائج إيجابية في سبيل إعلان السعودية تسهيل عملية استقبال الحجاج القطريين واستضافتهم بالمملكة.
وكان المري دعا الحكومة القطرية إلى سرعة اللجوء لمحكمة العدل الدولية لطلب رأي استشاري حول عدم شرعية الحصار، مؤكدا أن هذا الرأي يعزز من موقف قطر قانونيا.
ولكن ربما لم تلجأ الدوحة لهذه الخطوة لعدم تعقيد الأزمة أكثر مع الدول الخليجية، وحرصت على إبقاء إدارة الأزمة في مستوى متصاعد وليس صداميا تماما، لإتاحة الفرصة حينها لوساطة أمير الكويت.
وفي أحدث التحركات لتدويل الأزمة مع تعنت دول الحصار لجأت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان إلى تقديم شكوى للمقرر الخاص بالحق في التعليم بالأمم المتحدة، شملت 919 طالبا.
وحاولت الدوحة الضغط أكثر على دول الحصار من خلال المطالبة بضرورة التعويض عن آثار قراراتهم، إذ اقترحت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بدولة قطر النظر في مدى إمكانية إنشاء لجنة في إطار الجمعية العامة للأمم المتحدة لتعويض المتضررين من الآثار السلبية للتدابير الأحادية القسرية، تكون قراراتها حجة للمجتمع الدولي.
اضف تعليقا