ربى الطاهر
في دعوة فتحت باب الجدل على مصراعيه قامت وزيرة الهجرة الدنماركية بمنح المسلمين الصائمين عطلة في رمضان؛ بدعوى أنهم “يمثلون مصدر خطر على المجتمع”، واعتبرت أنَّ الصيام لا يتماشى مع حضارة عصرنا الحالي، وأنّه يشكل خطرًا على جميع المقيمين في الدنمارك..
كما انضمَّ فيما بعد إلى هذه الدعوة المشرِّع الألماني اليميني مارتن زيشرت، واختص تحديدًا سائقي الحافلات والطائرات والأطباء، مبررين ذلك بأنّه لا يمكن وضع مصير حياة الناس بين أيدي موظفين صائمين يفتقدون للتركيز خلال ممارسة عملهم.
إلا أن ما طرحته الوزيرة الدنماركية كان قد عرَّضها إلى انتقادات واسعة، بعدما قالت: إن “الصيام طوال يوم العمل يمثل تحديًا للمجتمع الحديث”، وصرَّحت بقولها في وسائل الإعلام: “أتساءل ما إذا كان فرض ديني كركن من أركان الإسلام عمره 1400 عام يتوافق مع المجتمع وسوق العمل الدنماركيّ في عام 2018”.
وأضافت إنغر ستويبرغ، التي اشتهرت بسياساتها الصارمة فيما يخص مسألة الهجرة، أنّ الصيام قد يتسبب في مخاطر محتملة في الحافلات والمستشفيات، وضربت مثالًا على ذلك في حالة سائق حافلة الذى “لم يأكل أو يشرب منذ أكثر من 10 ساعات”، وكيف سيؤثر ذلك على “السلامة والإنتاجية”- وتصل ساعات الصيام في الدنمارك إلى أعلى معدل للصيام على مستوى العالم، إذ إنها تصل إلى 21 ساعة.
ولم تختلف الدعوة التي أطلقها مارتن زيشرت المشرع من حزب البديل من أجل ألمانيا المناهض للمهاجرين في مضمونها عن نفس الدعوة التي توجهت بها وزيرة الدنمارك، حيث حدّدت منع بعض المهن من الاستمرار بالعمل، وخصت منهم الأطباء والممرضات والطيارين وسائقي الحافلات والقطارات، إذا كانوا من المسلمين الصائمين في شهر رمضان.
كما دعا زيشرت الذي ينتمي لحزب البديل أصحاب العمل الذين ليس لديهم الرغبة أو القدرة إلى الاستغناء عن العمالة من المسلمين وإعطائهم مناوبة ليلية أو في الصباح الباكر قد يتحتم عليهم الاستفادة من الإجازات السنوية، واستغلالها في هذا التوقيت من كل عام.
وتسآل السياسي عضو لجنة الشئون العمالية والاجتماعية بالبرلمان، مستنكرًا: “لماذا ينبغي لمريض أن يخضع لعملية على أيدي جراح لم يشرب أي شيء لمدة 12 ساعة؟” وكذلك”لماذا ينبغي أن يتم نقل أناس على أيدي آخرين ربما يعانون من مشكلات في التركيز وجفاف نتيجة صومهم لساعات؟”
إلا أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل كانت قد صرَّحت مرارًا بأنها تريد لألمانيا أن تكون دولة شاملة ومتعددة الأعراق، وأكدت في هذا السياق أنَّ الإسلام جزء من ألمانيا ودعت إلى التسامح.
وربما تحدّ هذه التأكيدات التي حرصت ميركل على الإدلاء بها من تلك الانتقادات التي قد تُوجَّه إلى زيشرت، ومن تضييق حلقة الجدال التي قد تفتح في ألمانيا التي تضم ملايين المسلمين الألمان.
ويعيش في ألمانيا ما يقرب من أربعة ملايين مسلم بينهم من يعيش فيها منذ عقود، ومهاجرون من الأتراك وطالبو لجوء وصلوا خلال السنوات القليلة الماضية، كما قد فرّ إليها الكثير منهم بعد تلك الصراعات الدائرة في سوريا والعراق ومناطق أخرى.
بينما رفض متحدث باسم الحكومة الألمانية التعليق على هذه التصريحات قائلًا: “لا أرغب في التعليق”.
ولم يتمكن زيشرت من المجاهرة بتلك التصريحات إلا عقب ما أثارته الوزيرة الدنماركية إنغر ستويبرغ من جدل بعد دعوتها للمسلمين الصائمين من التزام منازلهم ومنحهم إجازات خلال شهر رمضان، لتجنب حدوث أثر سلبي على المجتمع، والتي لم تلقَّ أي ترحيب، بل على العكس قوبلت بالانتقادات الحادة ليس من جانب المسلمين فقط، ولكن اتسعت رقعة الانتقاد من كافة الأوساط الدنماركية لتشمل حتى الحزب الليبرالي الذي تنتمي هي إليه.
معارضة قوية
حتى إن شركات الحافلات كانت من أولى النطاقات التى عارضت هذا الاقتراح، وصرَّحت بأنها لم تتعرض مسبقًا إلى أي مشاكل من قبل المسلمين الصائمين خلال شهر رمضان، وأنها ليس لديها أي مشكلة مع الصيام والصائمين.
وصرَّحت بيا هامرشوي المتحدثة باسم شركة أريفا، التي تدير عددًا من خطوط الحافلات في الدنمارك، بقولها “الأمر لا يمثل مشكلة بالنسبة لنا”؛ حيث إن الشركة لم تتعرض مطلقًا لأي حادث، بسبب أن أحد السائقين كان صائمًا.
فيما أكد يان فيلادسن زعيم اتحاد “3 إف” لوسائل النقل في الدنمارك، على نفس الرسالة التي وجهتها هامرشوي، وقال متسائلًا: هل تسعى الوزيرة الدنماركية إنغر ستويبرغ لاختلاق مشكلة ليست موجودة من الأصل؟
في حين قام اتحاد المسلمين في الدنمارك بنشر رسالة شكر للوزيرة ستويبرغ على شبكات التواصل الاجتماعي، لاهتمامها بسلامتهم، ولكنه أوضح كذلك أن المسلمين قادرون على الاعتناء بأنفسهم وبالمجتمع.
بينما وصفت بيا جاردي، رئيسة الاتحاد الإسلامي الفنلندي، اقتراح الوزيرة بـ”الفكرة السخيفة تمامًا”، وعلقت على هذه التصريحات بقولها: “لا توجد أية معلومات أو إحصائيات تثبت أنّ سائقي الحافلات أو العمال المسلمين الآخرين يتصرفون بشكل خطير أثناء الصيام”، مؤكدة أن العمل في معظم البلدان الإسلامية، يستمر في المتاجر والشركات بشكل طبيعي.
تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي
وكانت هذه بعض ردود الفعل على تويتر:
“ما هو الدليل الإحصائيّ على وقوع مثل تلك الحوادث بسبب شهر رمضان يا إنغر ستويبرغ؟ كم عدد هذه الحوادث التي وقعت في الماضي؟”.
“إنغر ستويبرغ، يُظهر بيانك مصيبتكِ وهي أنّكِ جاهلة وقذرة أنتِ وتعليقاتكِ على صوم المسلمين. أشخاصٌ مثلك هم عار على الأمّة كلها!”.
“أود أن أنصح إنغر ستويبرغ بالصيام لأنّه أوّلاً سيصفّي ذهنها (هذا ما أظنّه)، وثانيًا أن تأخذ هي الإجازة (كما توصي الصائمين) ممّا يعطيها فرصة لعدم التحدّث بهذا النوع من الهراء بشكلٍ علنيّ”.
“إنّها نُكتة القرن أن تظنّ إنغر ستويبرغ بأنّ رمضان يشكّل خطرًا على المجتمع بينما يمثّل فعليًّا شهر السلام والتسامح. هذا جهلٌ مطلقٌ منها فقد نجدها غداً تصف نظام الصوم المتقطّع وحميات الصوم خطرًا على الكوكب”.
“بصراحة مش فاضل سلاح لم يحاربوا به الإسلام خليهم يعملوا مقايضة العيش هنا أو الإسلام”
بينما اختلف البعض عن هذا السياق فجاء هذا التعليق “الوزيرة على حق تخاذل العمال المسلمين بداعي الصيام غير مقبول و له تأثيرات على اقتصاد بلادها”.
وكانت وزيرة الهجرة الدنماركية إنغر ستويبرغ قد سجلت هذه التصريحات في أحد المقالات التي نشرتها لها صحيفة دنماركية.
ويذكر أنّ الدنمارك قد أقرت منذ عامين إجراء مثيرًا للجدل، حيث نص على مصادرة المقتنيات ذات القيمة الكبيرة من طالبي اللجوء لدفع تكاليف طعامهم وسكنهم، إلا أنه استثنى من ذلك القانون مصادرة خواتم الزواج والخطبة بعد مقارنة الإجراء بمصادرة النازي أموال اليهود في الحرب العالمية الثانية.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تثير فيها إنغر ستويبرغ، عضو في الحزب الليبرالي (وسط اليمين)، الضجة والجدل بسبب تصريحاتها، حيث إنها قد أثارت زوبعة أخرى عام 2015 بسبب تلك الإعلانات التي قامت بنشرها في صحف لبنانية حذرت فيها المهاجرين المحتملين من صعوبة الحصول على اللّجوء في الدنمارك.
وكانت الدنمارك قد شهدت فعليًا ارتفاعًا في عدد طالبي اللجوء وعدد المهاجرين غير الشرعيين عام 2015، ولكن هذه الأعداد قد انخفضت فيما بعد بصورة كبيرة.
اضف تعليقا