إذا انتخب الأمريكيون بايدن الشهر المقبل، فسوف تكافح الولايات المتحدة، ليس فقط لتصحيح إخفاقات ترامب، ولكن لتصحيح إخفاقات أكثر من نصف قرن من السياسة الأمريكية المضللة في الشرق الأوسط.
السياسة التي يلوح جو بايدن باتباعها في حال فوزه بالانتخابات، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع المملكة العربية السعودية، لا شك أنها تسببت في قلق بالغ لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، تحديداً بعد تصريحات بايدن في الذكرى الثانية لمقتل الصحفي جمال خاشقجي.
في الذكرى الثانية لاغتيال خاشقجي، ألقى جو بايدن بياناً شديد اللهجة، أدان خلاله عملية القتل التي تمت على عملاء سعوديين يعمل بعضهم لدى الحكومة السعودية، كما وعد بايدن بسحب الدعم الأمريكي للحرب في اليمن التي شنتها المملكة العربية السعودية في عام 2015 وذلك عن طريق إيقاف مبيعات الأسلحة للمملكة، وأشار: “اليوم، أنضم إلى العديد من النساء والرجال السعوديين الشجعان والنشطاء والصحفيين والمجتمع الدولي حداداً على وفاة الراحل جمال خاشقجي، وترديداً لدعوته للناس في كل مكان لممارسة حقوقهم العالمية بحرية”.
موقف بايدن مغاير تماماً لموقف ترامب، الذي تبنى الرواية السعودية التي وصفت خاشقجي بأنه “عدو للدولة”، وتباهى بلا خجل بحماية القتلة، وعلى رأسهم بن سلمان، الذي قال إنه “أنقد مؤخرته”.
أدان العديد من أعضاء الكونغرس الجمهوريين والديمقراطيين المملكة العربية السعودية وحاكمها الاستبدادي لارتكابهم جرائم ضد المواطنين السعوديين على أراض أجنبية، وكذلك الاستمرار في اتباع سياسات تعسفية وقمعية مع النشطاء والمعارضين.
وقف ترامب أيضاً أمام الكونغرس واتخذ مواقف معادية لهم ليحمي بن سلمان من الإدانات التي وجهها الكونغرس إليه، وكذلك ليحميه من الرأي العام الأمريكي، الذي أصبح يتحول ضد بن سلمان شيئاً فشيئاً، ليصبح بن سلمان في نهاية المطاف شخص غير مرحب به في الولايات المتحدة، إلا من قبل ترامب وإدارته، ومن غير المتوقع أن تستمر هذه الحماية إذا فاز بايدن في الانتخابات الرئاسية في 03 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
ومع ذلك، يجب على المرء أن يكون حذراً عند توقع تحولات كبيرة في السياسة الأمريكية إذا تم انتخاب ديمقراطي في البيت الأبيض، فالسجل السابق للقيادة الديمقراطية أكثر انسجاما مع السياسة الأمريكية طويلة الأمد في دعم الحكام الاستبداديين في الشرق الأوسط، وخاصة في المملكة العربية السعودية.
على النقيض، ذهب باراك أوباما إلى أبعد من أي رئيس أمريكي سابق بسحب دعمه للزعيم المصري السابق حسني مبارك، ولم يقف ضد القوى الديمقراطية التي أطاحت به في عام 2011 بشكل علني وفعال، ولعل هذا هو السبب الأكبر الذي به أثار أوباما استعداء السعوديين، حيث فسروا موقفه تجاه ما حدث في مصر خلال موجة الربيع العربي الأولى بأنه تخلي عن شريك مخلص- حسني مبارك.
بعد الإطاحة بحسني مبارك وغيره من الحكام المستبدين، اعترى حكام المملكة قلق بالغ من أن تنتقل الانتفاضات العربية إلى داخل بلادهم، ويطالب الشعب بتغيير سياسي جذري، وما ضاعف تلك المخاوف هو أن تتخلى الولايات المتحدة -بقيادة ترامب- عن دعمهم، بل تدعم القوى المعارضة في المقابل، لذلك، لم يكن أوباما الرئيس الأمريكي المفضل لدى السعوديون.
توجهات أوباما وأجندته كانت موضع قلق كذلك للنظام السعودي، فمن جهة، عرف القادة السعوديون أنهم لا يستطيعون الاعتماد على أوباما لاحتضانهم دون المطالبة بإصلاحات جادة، ومن جهة أخرى تحرك أوباما بخطوات متسارعة نحو إقامة علاقات مع إيران، العدو الإقليمي الأكبر للمملكة، لذلك أدرك السعوديون إلى أي مدى يمكن أن يذهب رئيس ديمقراطي أمريكي نحو تهميشهم، دون إدانة سياساتهم المحلية والإقليمية في الشرق الأوسط.
لقد فضح أوباما علنا زيف الأسطورة السعودية القائلة بأنها تعاني من حصار قوة إقليمية معادية، ومع ذلك يتمتع النظام بانسجام كبير مع شعبه، حطم أوباما هذه الأسطورة وتفاوض مع إيران، العدو اللدود للسعودية على مدى عقود.
شعر السعوديون بالخيانة، الأمر الذي سرعان ما خمده ترامب عندما قدم كل الدعم لابن سلمان، وساعد ولي العهد في تحقيق وعوده بالاستثمار في الاقتصاد الأمريكي والتفكير بجدية في تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
إذا فاز بايدن في الانتخابات الأمريكية، لن يصبح أمام بن سلمان سوى التأهب استعداداً لأي تغيير أمريكي قد يقلب جميع المواقف ضده.
ومع ذلك، فإن خطابات الديمقراطيين المتناثرة حول القيم الأمريكية لم تعد مقنعة، حيث لا يكفي إيقاف الدعم عن المستبدين، بل لابد أن تكن مصحوبة بتغييرات سياسية حقيقية.
تتمثل الخطوة الأولى في تجريد هؤلاء المستبدين من قواهم في إيقاف مبيعات الأسلحة التي يستخدمونها ضد شعوبهم وضد جيرانهم، كما يجب إعادة النظر في برامج التدريب إلى المملكة العربية السعودية وجيرانها.
أقل ما يمكن أن يقدمه بايدن هو أن يجعل تصدير الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية مشروطًا بالتزامها بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وكذلك بإجراء تغييرات سياسية جادة للسماح للسعوديين بالمشاركة السياسية الحقيقية.
أخيراً، لا يخفى على أحد أن الشرق الأوسط، وبقية العالم، فقدوا الثقة في الولايات المتحدة، لذلك لا يزال يتعين على الأمريكيين حساب تكاليف إعادة انتخاب ترامب والأضرار التي ستلحق بسمعة الولايات المتحدة في حالة فوزه مرة أخرى.
من الآن وحتى أوائل نوفمبر/تشرين الثاني المقبل سيقضي بن سلمان بلا شك ليالٍ بلا نوم تحسباً لفقدان شريك جيد في واشنطن – الشخص الذي سمح له بالإفلات من العقاب وقام بـ “حماية مؤخرته” من عواقب جريمة اغتيال خاشقجي.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا