سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة، فإن مراقبة المحكمة الجنائية الدولية والفلسطينيين الذين يطالبون بملاحقة المسؤولين الإسرائيليين المتورطين في ارتكاب جرائم ضدهم، تمكنت الحكومة الإسرائيلية من بناء قناة اتصال سرية مع بعض العاملين في مكتب المدعي العام.

كانت اجتماعات إسرائيل مع المحكمة الجنائية الدولية حساسة للغاية: فإذا تم نشرها علناً، فمن المحتمل أن تؤدي إلى تقويض الموقف الرسمي للحكومة المتمثل في عدم اعترافها بسلطة المحكمة.

ووفقا لستة مصادر مطلعة على الاجتماعات، فقد ضمت الاجتماعات وفدا من كبار المحامين الحكوميين والدبلوماسيين الذين سافروا إلى لاهاي، وقال اثنان من المصادر إن الاجتماعات تمت بموافقة نتنياهو.

وضم الوفد الإسرائيلي مسؤولين من وزارة العدل ووزارة الخارجية ومكتب المدعي العام العسكري، وقد عقدت اللقاءات بين عامي 2017 و2019، وترأسها المحامي والدبلوماسي الإسرائيلي البارز تال بيكر.

يتذكر مسؤول سابق في المحكمة الجنائية الدولية قائلاً: “في البداية كانت الأمور متوتراً… لم نكن نعرف كيف ستسير الأمور، لذلك كنا نتحدث عن حالات بعينها ونقول لهم لقد تلقينا بلاغات حول وقائع معينة، في المقابل كانوا يزودوننا بالمعلومات والتفاصيل الخاصة بهذه الحوادث”.

قال شخص لديه معرفة مباشرة باستعدادات إسرائيل لاجتماعات القنوات الخلفية إن المسؤولين في وزارة العدل تم تزويدهم بمعلومات استخباراتية تم استخلاصها من عمليات المراقبة الإسرائيلية التي تم اعتراضها قبل وصول الوفود إلى لاهاي. وقالوا: “كان المحامون الذين تعاملوا مع هذه القضية في وزارة العدل متعطشين للغاية للحصول على معلومات استخباراتية”.

بالنسبة للإسرائيليين، قدمت اجتماعات القنوات الخلفية، على الرغم من حساسيتها، فرصة فريدة لتقديم حجج قانونية مباشرة تتحدى اختصاص المدعي العام على الأراضي الفلسطينية، إذ كانوا على اطلاع كامل بمحتوى ملفات التحقيقات، مما ساعدهم على استغلال كل الثغرات، وتحضير الدفاع المناسب.

سعى المسؤولون الإسرائيليون كذلك إلى إقناع المدعي العام بأنه، على الرغم من سجل الجيش الإسرائيلي المشكوك فيه للغاية في التحقيق في المخالفات في صفوفه، يتخذ إجراءات صارمة لمحاسبة قواته المسلحة، مما سمح بحماية هؤلاء الجناة، إذ أن أحد المبادئ الأساسية للمحكمة الجنائية الدولية، المعروف بالتكامل، يمنع المدعي العام من التحقيق مع الأفراد أو محاكمتهم إذا كانوا خاضعين لتحقيقات موثوقة على مستوى الدولة أو إجراءات جنائية.

قالت مصادر متعددة إنه طُلب من عملاء المراقبة الإسرائيليين معرفة الحوادث المحددة التي قد تشكل جزءًا من محاكمة المحكمة الجنائية الدولية في المستقبل، من أجل تمكين هيئات التحقيق الإسرائيلية من “فتح التحقيقات بأثر رجعي” في نفس الحالات لحماية المسؤولين.

وأوضح أحد المصادر: “إذا تم نقل المواد إلى المحكمة الجنائية الدولية، كان علينا أن نفهم بالضبط ما هي عليه، للتأكد من أن الجيش الإسرائيلي حقق فيها بشكل مستقل وبشكل كافٍ حتى يتمكن من المطالبة بالتكامل”.

انتهت اجتماعات القنوات الخلفية بين إسرائيل والمحكمة الجنائية الدولية في ديسمبر/كانون الأول 2019، عندما أعلنت بنسودا انتهاء فحصها الأولي، وقالت إنها تعتقد أن هناك “أساسًا معقولًا” لاستنتاج أن إسرائيل والجماعات المسلحة الفلسطينية ارتكبت جرائم حرب في الأراضي المحتلة.

لقد كان هذا القرار بمثابة نكسة كبيرة لقادة إسرائيل، لذلك حاولوا تدارك الأمر وكثفوا من الضغوط على المحكمة، وفي خطوة اعتبرها البعض في الحكومة بمثابة إثبات جزئي لجهود الضغط التي تبذلها إسرائيل، توقفت بنسودا عن إجراء تحقيق رسمي، وبعد فترة وجيزة أعلنت أنها ستطلب من لجنة من قضاة المحكمة الجنائية الدولية البت في المسألة المثيرة للجدل المتعلقة باختصاص المحكمة على الأراضي الفلسطينية، بسبب “القضايا القانونية والواقعية الفريدة والمتنازع عليها بشدة”.

ومع ذلك، أوضحت بنسودا أنها تفكر في فتح تحقيق كامل إذا أعطاها القضاة الضوء الأخضر، بناء عليه، كثفت إسرائيل حملتها ضد المحكمة الجنائية الدولية ولجأت إلى رئيس مخابراتها الأعلى لتشديد الضغط على بنسودا شخصيا.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا