نشر موقع سكاي نيوز تحقيقًا صحفيًا صادمًا فضح فيه استغلال شركة مصرية مرموقة لمعاناة أهل غزة، ومساومتهم على الخروج من القطاع المحاصر مقابل آلاف الدولارات للشخص الواحد، بغض النظر عن وضعه، وحالته الصحية، وظروفه الاقتصادية.
الشركة المُشار إليها فرضت في البداية مبلغ 5000 دولار للشخص الواحد للخروج من غزة، أي بزيادة 14 ضعفًا عن ذي قبل، لأنها أصبحت الخيار الوحيد أمام العائلات التي تبحث عن الأمان وسط حملة الدمار الشامل التي يشنها الاحتلال الإسرائيل منذ أكثر من خمسة أشهر.
التحقيق اعتمد على مقابلات مع بعض الناجين من غزة، والذين تواصلوا مع هذه الشركة للخروج من غزة، لكن تم تغيير أسمائهم لأسباب تتعلق بسلامتهم وأمنهم الشخصي.
وبدأ التحقيق بسرد المعاناة وتسليط الضوء على الأوضاع البائسة التي تعاني منها أماني وأطفالها الخمسة -أصغرهم ثلاث سنوات- في خيمة في رفح على الحدود مع مصر، حيث قالت أماني “القصف والرعب مستمران، أطفالي في خوف دائم… نحن نموت ببطء ولا أحد يهتم، ولا أحد يشعر بنا… أطفالنا ليس لديهم حياة… المكان ليس نظيفا، ولا يوجد طعام. كل شيء صعب”.
وعبر الحدود، في مصر، يحاول زوجها محمود جاهدًا ترتيب السماح لهم بالخروج من غزة عبر معبر رفح، لم يرها هي والأطفال منذ خمسة أشهر تقريبًا، لكن حتى الآن لم تفلح المحاولات.
تقول أماني: “أتمنى أن أغادر وآخذ أطفالي إلى والدهم… إنه يحاول بشتى الطرق التنسيق للسماح لنا بالخروج والالتحاق به، لكن الأمر مكلف”.
وأوضحت أماني أن “التنسيق” الذي تحدثت عنه هو نظام يمكن للفلسطينيين من خلاله دفع ثمن تصريح مغادرة قطاع غزة.
قبل الحرب، كان الفلسطينيون يواجهون الانتظار لأسابيع أو أشهر للسماح لهم بدخول مصر، ومع ذلك، كان هناك خيار المغادرة في غضون أيام دون انتظار مقابل دفع بضع مئات من الدولارات لشركات معينة في مصر تتولى “تنسيق” هذا الأمر.
ومع بداية الحرب تم تعليق السفر عبر الحدود، وأصبح “التنسيق” الآن هو السبيل الوحيد للفلسطينيين الذين لا يحملون جنسية مزدوجة لمغادرة غزة، باستثناء الإخلاء الطبي الذي يأتي ضمن كشوف معينة وبقيود مشددة.
في السابق كانت توجد أكثر من شركة تقدم خدمات “التنسيق”، أما الآن شركة واحدة فقط التي سيطرت على هذا القطاع بالكامل: شركة هلا المصرية.
قبل الحرب، كان من الممكن السفر مع هلا مقابل 350 دولارًا (277 جنيهًا إسترلينيًا) عن طريق وكيل سفريات في غزة يقدم خدمات هلا، لكن ومع بداية الحرب رفعت هلا أسعارها إلى 5000 دولار (3960 جنيهًا إسترلينيًا) للشخص البالغ، أي بزيادة قدرها 14 ضعفًا، وتأكدت سكاي نيوز من هذا السعر من خلال التأكد من روايات عشرات المصادر، بما في ذلك أحد موظفي هلا، بالإضافة إلى قوائم الأسعار المنشورة عبر الإنترنت.
كانت أماني وزوجها يملكان مشروعاً تجارياً مربحاً في مدينة غزة قبل الحرب، لكن القصف دمر كل شيء، وتحول مصدر الرزق إلى ركام، لذلك فإن تأمين هذا المبلغ أمر شبه مستحيل.
تقول أماني “لقد طلبوا 5000 دولار للشخص البالغ و2500 دولار للطفل… كيف يمكننا توفير ذلك؟”
وقال أحد وكلاء التنسيق السابقين لقناة سكاي نيوز إنه ترك الصناعة بسبب ارتفاع أسعار هلا، ويقول: “أرفض المشاركة في هذه الجريمة… ما يحدث هو ابتزاز”.
مليون دولار في اليوم الواحد
رسميًا، تسمح مصر فقط بخروج الرعايا الأجانب والجرحى الذين تأتي أسماؤهم في كشوف معينة، لكن في الأسابيع الأخيرة، فإن 56٪ ممن حصلوا على إذن بمغادرة غزة فعلوا ذلك عبر هلا، في 27 فبراير/شباط على سبيل المثال، تم تسجيل 246 شخصًا للسفر مع هلا، مقارنة بـ 40 شخصًا تم إجلاؤهم طبيًا و123 مواطنًا أجنبيًا.
وتضمنت قائمة سفر هالة لذلك اليوم، المبينة أدناه، 48 طفلاً و198 شخصًا بالغًا، ستة منهم مواطنون مصريون، واستنادًا إلى معرفتنا بأسعار شركة “هلا”، فهذا يعني أن الشركة جنت 1,083,900 دولار (858,286 جنيهًا إسترلينيًا) في يوم واحد فقط.
لا نعرف بالضبط مقدار ما حققته الشركة في الأيام الأخرى – فهذه هي المرة الوحيدة التي تتضمن فيها قائمة سفرهم جنسيات العابرين، ومن الجدير بالذكر أن المصريين غير مستثنين من دفع رسوم للدخول إلى بلدهم مصر، لكن يدفعون أجرة أقل من الفلسطينيين.
كيف تعمل هلا
تحدثت سكاي نيوز إلى أكثر من 70 فلسطينيًا لفهم الآلية التي تعمل بها شركة “هلا”، وكيف تؤثر أسعارها على الفلسطينيين في وقت يائس فيه الكثير من الهروب خوفًا من الغزو الإسرائيلي البري لرفح، وقد شملت المصادر 30 شخصًا سافروا مع هالة منذ بدء الحرب، أو قاموا شخصيًا بترتيب السفر لشخص ما.
وحسب ما خلص إليه التحقيق، فإن معاملات “هلا” الورقية محدودة للغاية، كما أنها غير مسجلة على موقع وزارة الآثار والسياحة، بالرغم من أنه يتعين على الشركات المصرية العاملة في مجال السفر عبر الحدود القيام بذلك، وبذلك فإن جودها الوحيد على الإنترنت هو صفحتان على الفيسبوك ونموذج جوجل.
قال جميع من أجريت معهم مقابلات إن الدفع يجب أن يتم نقدًا، ولم يتم تزويد أي منهم بإيصال، بل حصلوا فقط على تذكرة تحمل أسمائهم، ولكن لم تكن هناك معلومات حول المبلغ المدفوع، كما أن “هلا” لم تعلن رسميًا عن قائمة أسعار الخدمات.
يقول أحد الرجال الذين استعانوا بـ “هلا” لتنسيق خروج عائلته: “إنهم لن يعلنوا الأسعار رسمياً، فهم لا يريدون الشوشرة… الناس يستفسرون فقط في المكتب وينشرون المعلومات.”
وينتشر الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى صفحات فيسبوك وقنوات تيليجرام التي تضم عشرات أو مئات الآلاف من المتابعين.
في حوار معه، قال أحد موظفي “هلا” لشبكة سكاي نيوز إن أفضل طريقة للتسجيل ودفع تكاليف السفر مع الشركة هي إرسال أحد الأقارب إلى مكتبهم الرئيسي في القاهرة، وأضاف الموظف أن الناس يمكنهم أيضًا الدفع عن طريق التحويل النقدي عبر الهاتف المحمول، لكن لم يؤكد ذلك أي من مصادرنا.
يقع المكتب الرئيسي لشركة هلا في المقر الرئيسي لشركتها الأم، مجموعة العرجاني، في منطقة مدينة نصر بالقاهرة، وقال مصدر زار المكتب: “المبنى بأكمله يخضع لحراسة أمنية مشددة”.
وحسب مصادر أخرى، فإنه في أغلب الأحيان، يصطف أمام مقر الشركة مئات أو آلاف الأشخاص في انتظار دورهم، وحسب شخصين تحدثا لـ “سكاي نيوز”، فإنهما أُجبرا على دفع وديعة غير قابلة للاسترداد بقيمة 1000 دولار للسماح لهم بالدخول إلى المبنى، وبمجرد تسليم الأموال، يتم الانتظار لمعرفة ما إذا تم قبول الأشخاص، وبمجرد الموافقة على أسمائهم، يتم إصدار تذكرة سفر للعملاء والانتظار حتى تظهر أسمائهم في قائمة السفر.
اضف تعليقا