نشر موقع سكاي نيوز تحقيقًا صحفيًا صادمًا فضح فيه استغلال شركة مصرية مرموقة لمعاناة أهل غزة، ومساومتهم على الخروج من القطاع المحاصر مقابل آلاف الدولارات للشخص الواحد، بغض النظر عن وضعه، وحالته الصحية، وظروفه الاقتصادية.

الشركة المُشار إليها فرضت في البداية مبلغ 5000 دولار للشخص الواحد للخروج من غزة، أي بزيادة 14 ضعفًا عن ذي قبل، لأنها أصبحت الخيار الوحيد أمام العائلات التي تبحث عن الأمان وسط حملة الدمار الشامل التي يشنها الاحتلال الإسرائيل منذ أكثر من خمسة أشهر.

التحقيق اعتمد على مقابلات مع بعض الناجين من غزة، والذين تواصلوا مع هذه الشركة للخروج من غزة عبر ما يُعرف بسياسة التنسيق، لكن تم تغيير أسماء بعضهم لأسباب تتعلق بسلامتهم وأمنهم الشخصي، والتنسيق هو نظام يمكن للفلسطينيين من خلاله دفع ثمن تصريح مغادرة قطاع غزة.

في تصريح خاص حول هذه الأوضاع المريرة، قالت تانيا هاري، المديرة التنفيذية لمنظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية “جيشا”، إن الفلسطينيين الذين يحاولون الخروج من غزة عبر شركة “هلا” : “يجمعون التبرعات، ويستدينون المال من أفراد عائلاتهم، ويفعلون كل ما في وسعهم لجمع مبالغ كبيرة جدًا من المال من أجل دفع ثمن حريتهم”.

 

فوق قدراتنا

على الساحل الذي تعصف به الرياح في شمال ويلز، تبدو الحرب في غزة وكأنها عالم بعيد، لكن مع ذلك، التكلفة الباهظة للهروب من هذه الحرب ليست بعيدة عن الفلسطينيين المقيمين في المملكة المتحدة.

في لقاء مع “هند” الفلسطينية، وهي أم لطفلين، قالت لنا أثناء المقابلة التي تمت في منزلها في بانجور: “لقد صدمنا حقًا من الأسعار… التكلفة تفوق قدراتنا بمراحل”.

تحاول هند وزوجها أحمد جمع 48.163 جنيهًا إسترلينيًا من خلال التمويل الجماعي لدفع تكاليف سفر تسعة أفراد من عائلة أحمد، بما في ذلك والديه، مع شركة “هلا”.

انتقل الزوجان من غزة إلى ويلز قبل وقت قصير من الحرب، إذ يعمل أحمد طبيبًا وحصل على وظيفة مؤخرًا، لكن سرعان ما بدأت الحرب ويحاول أحمد الآن تأمين خروج أفراد عائلته من القطاع، ولا سبيل لذلك سوى عبر “هلا”، التي تفوق أسعارها طاقة معظم سكان القطاع، خاصة مع تدهور الأوضاع المستمر بسبب الحرب.

حول ذلك يقول أحمد: “في السابق، كان مبلغ 100 دولار تكفي أن تدعم شخصًا لمدة أسبوعين مثلا… لكن الآن سوف يغطي يومًا واحدًا فقط الآن.”

وتقول هند: “ما زلنا بعيدين عن هدفنا… ما جمعناه حتى الآن لا يكفي لإخراج شخص واحد”.

يحاول مئات الفلسطينيين مثل هند وأحمد جمع الأموال من خلال منصات مثل GoFundMe وJustGiving

وقال باحث من سيناء، مطلع على الحدود بين مصر وغزة: “بالنسبة لهؤلاء الناس في غزة المحرومين من كل شيء، فإن [هلا] هي بمثابة سترة نجاة في البحر”.

قامت سكاي نيوز بتحليل عينة من 140 صفحة من صفحات GoFundMe لمعرفة نوع الأموال التي كان الفلسطينيون يحاولون جمعها.

كان متوسط جمع التبرعات يبحث عما يكفي لأسرة مكونة من أب وأم وأربعة أطفال والأجداد، ومع ذلك، فإن معظمهم لم يجمعوا حتى ما يكفي لمسافر بالغ واحد.

 

لن تغادر القطاع دون إذن “هلا”

وبصرف النظر عن “التنسيق”، هناك طريقتان أخريان فقط لمغادرة غزة، إما أن تكون حاملًا لجنسية أخرى فتغادر عن سفارتك، أو أن يُدرج اسمك في كشوف الإخلاء الطبي، لكن وجود اسمك في هذا الكشف هو أسبه بالمهمة المستحيلة.

وفي الفترة ما بين 10 و29 فبراير/شباط، تم إدراج ما متوسطه 44 شخصًا في هذه القائمة يوميًا، مقارنة بمتوسط 234 شخصًا قاموا بالتنسيق مع “هلا”.

استغرقت هند أربعة أشهر لتأمين إخلاء والدها عدنان، على الرغم من إصابته بكسر في عظم الفخذ ومضاعفات نتيجة لعملية زرع كبد، كما واجه الرعايا الأجانب صعوبات في المغادرة عبر الطرق الرسمية.

تحدثت سكاي نيوز إلى ثلاثة مواطنين أجانب (يونانيين وهولنديين وكنديين) لم يتمكنوا من المغادرة دون الدفع، ويحاول أحدهم حاليًا ترتيب السفر مع “هلا”.

سألت سكاي نيوز وزير الخارجية المصري سامح شكري عن تجاهل الحكومة الرسوم التي تفرضها “هلا” على الفلسطينيين لمغادرة قطاع غزة، والتي تبلغ 5000 دولار، لكن شكري نفا ذلك، وقال إن الدولة “ستتخذ كل التدابير التي تحتاجها لوضع حد لهذا”، لكن حتى الآن لا يزال الوضع كما هو عليه.

وردا على سؤال عما إذا كانت الحكومة ستنظر في هذه الاتهامات، قال شكري: “إنها تدرس الأمر بالفعل وستتخذ إجراءات تجاه أي شخص متورط في مثل هذه الأنشطة”.

من جانبه، قال عمرو مجدي، الخبير في الشؤون المصرية في هيومن رايتس ووتش، لقناة سكاي نيوز إن رد شكري “سطحي ليس له أي معنى… لا يمكن أن يكون هناك مثل هذا النشاط، خاصة عندما يكون احتكاريا، دون ضوء أخضر من الجيش ودون اتصالات فعلية مع الجيش”.

وتابع: “إن الجيش والمخابرات العسكرية هم الذين يسيطرون على الحدود بشكل أساسي… لا يمكن لأحد المرور عبر الحدود دون علم السلطات المصرية”.

شركة “هلا” هي شركة تابعة لمجموعة “العرجاني”، من أكبر الشركات المصرية الآن، وفي يناير/كانون الثاني 2023، أصبحت الراعي الرسمي للأهلي، أشهر وأبرز فريق كرة قدم في مصر وإفريقيا.

في حوار مع سكاي نيوز، قال رجل كان قد رتب مؤخراً لخروج والده: “سوف يعتقلونني أنا وعائلتي إذا علموا أنني تحدثت معكم… أنا خائف منهم، أنت لا تعرف مدى وحشيتهم.”

 

“هذه ليست الحياة”

بعد مرور خمسة أشهر من الحرب، تقول السلطات الصحية في قطاع غزة إن أكثر من 30 ألف شخص قتلوا جراء القصف الإسرائيلي، واضطر مئات الآلاف للنزوح من منازلهم في قطاع غزة وتكدسوا في الجنوب في رفح، لتتحول المدينة إلى مخيم كبير للاجئين.

يأتي هذا في ظل استعداد الجيش الإسرائيلي لغزو رفح بريًا، وذلك وفقًا لتصريحات بنيامين نتنياهو -رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي أصدر أوامره للجيش بالاستعداد لذلك، لكنه لم يضع أي خطة لإجلاء سكان رفح البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة.

وبالرغم من تصريحات مصر أنها ترفض ذلك، تظهر اللقطات التي شاركتها منظمة سيناء لحقوق الإنسان ومقرها مصر والتي تحققت منها سكاي نيوز، أن هناك عملية واسعة لبناء منازل ووحدات سكنية في الأراضي المصرية بالقرب من حدود رفح.

ولم تتمكن سكاي نيوز من التحقق بشكل مستقل من الغرض من أعمال البناء، لكن منظمة سيناء لحقوق الإنسان تقول إنها تهدف إلى إيواء تدفق اللاجئين الفلسطينيين.

أماني، امرأة في غزة وهي أم لخمسة أطفال نازحون الآن في رفح، قالت لسكاي نيوز ” هذه ليست الحياة، العيش في الشوارع بلا طعام أو ماء… نحن نعيش في خوف دائم”.

أطفال أماني لم يروا والدهم محمود منذ خمسة أشهر، وسيكلف الزوجان 17500 دولار للم شمل أسرتهما.

تقول أماني: “أريدهم أن يرى أبنائي والدهم، لكن هذا مكلف للغاية… إن شاء الله السعر سينخفض”

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا