وصل جو بايدن إلى الرئاسة بعد حملة انتخابية ضخمة تعهد خلالها بإعطاء قضايا حقوق الإنسان حول العالم أولوية، مؤكدًا بأنه “لا مزيد من الشيكات على بياض” للأنظمة المستبدة والديكتاتورية التي تستغل الدعم الأمريكي على كافة الأصعدة في ارتكاب مزيد من الانتهاكات، لكن رُغم هذه التعهدات، أخفق بايدن في الوفاء بأي منها، من جهة لم يحاسب بن سلمان على مقتل خاشقجي بل منحه حصانة سيادية، ومن جهة أخرى استمرت إدارته في الاحتفاء بديكتاتور مصر عبد الفتاح السيسي وتقديم العون له.

خلال قمة القادة الأمريكية الإفريقية التي نظمها الرئيس جو بايدن في وقت سابق من هذا الشهر، عُومل عبد الفتاح السيسي معاملة خمس نجوم رغم كل الانتهاكات التي يرتكبها نظامه داخل وخارج حدود مصر، أبرزها في تلك الفترة كان اعتقال المواطن الأمريكي المصري المعارض شريف عثمان في الإمارات بطلب من نظام السيسي.

أُفرج عن شريف عثمان بعد 46 يومًا من الاعتقال التعسفي على خلفية تهم ملفقة من نسج خيال النظام المصري، ورغم أنه نجح في انتزاع حريته أخيرًا، لكن يظل السؤال: كيف انتهى به المطاف في السجن في الإمارات في المقام الأول؟

أثناء وجوده في الولايات المتحدة، استخدم عثمان قناته على موقع يوتيوب لتوجيه انتقادات للسيسي السيسي ودعم الدعوات للاحتجاجات السلمية ضده أثناء حضور بايدن قمة المناخ للأمم المتحدة COP27 في نوفمبر/تشرين الثاني في منتجع شرم الشيخ المصري.

قمع السيسي وحكومته، المتزايد في الداخل، وصل إلى خارج الحدود وطالبوا باطمئنان تام السلطات الإماراتية لاعتقال شريفة عثمان وتسليمه من دبي في الإمارات العربية المتحدة، حيث كان يزور عائلته المقيمة هناك.

أُلقي القبض على عثمان على الفور من قبل ضباط الشرطة الإماراتية -المفترض أن نظامها حليف للولايات المتحدة يستضيف الآلاف من القوات الأمريكية في قاعدة جوية وموانئها.

قد يظن المرء، بالنظر إلى الإشادة الأخيرة التي تلقتها الإمارات من بايدن لمساعدتها في تأمين إطلاق سراح لاعبة كرة السلة بريتني غرينر من روسيا، فإن الدولة الخليجية ستفكر مرتين قبل إبقاء مواطن أمريكي محتجزًا لأكثر من شهر بطلب من مصر.

 

لكن الإمارات، وعلى عكس المتوقع، ألقت القبض على شريف، في خطوة تلفت النظر إلى عدة ملاحظات هامة:

أولاً: اعتقال شريف يؤكد أن النظام المصري يراقب المعارضين في الخارج، حتى أولئك المتواجدين على الأراضي الأمريكية، حيث سجل عثمان مقاطع الفيديو الخاصة به على YouTube، وحتى عندما لا تنتشر المقاطع على نطاق واسع (تحتوي قناة عثمان على 35900، وتحصد مقاطعه مشاهدات من 50000 إلى 110000 مشاهدة وهو رقم منخفض نسبيًا مقارنة بعدد سكان مصر البالغ 110 مليون).

ثانيًا: التحرك الاستراتيجي للحكومة المصرية بالانتظار حتى وصول عثمان إلى الإمارات وتسليمه عبر كيان تابع للجامعة العربية يشير إلى الطبيعة السياسية لاعتقاله، وإلا، لكانت مصر قد طلبت رسميًا تسليمه من خلال الحكومة الأمريكية.

 

ضحايا أمريكيون آخرون لقمع السيسي العابر للحدود

منذ وصوله إلى السلطة عام 2014، وصل قمع السيسي إلى مستويات غير مسبوقة، إذ يقدر الخبراء أن عشرات الآلاف محتجزون كسجناء سياسيين، كذلك فإن نشطاء المجتمع المدني المصري يتعرضون لتهديد مستمر بالسجن وحظر السفر وتجميد الأصول، مما أجبر الكثيرين على الفرار من البلاد.

امتدت ذراع السيسي الطويلة للقمع إلى إسكات النقاد خارج حدود مصر فيما يسميه الأكاديميون “القمع العابر للحدود”، في الواقع، تحتل مصر المرتبة الثالثة عالميًا، بل وتتفوق على روسيا، في ترتيب الدول التي ترتكب قمعًا عابرًا للحدود.

عثمان ليس المثال الأول على محاولات مصر لقمع الأمريكيين في الخارج، في يونيو/حزيران 2020، اعتقل النظام عائلة ناشط حقوق الإنسان الأمريكي محمد سلطان بعد أن رفع دعوى قضائية أمام محكمة أمريكية ضد رئيس الوزراء المصري السابق حازم الببلاوي لتغاضيه عن ممارسات التعذيب ضده خلال فترة اعتقاله الجائرة في مصر.

قبل عام، أعلنت وزارة العدل الأمريكية اعتقال جاسوس مصري في نيويورك كان قد جمع معلومات عن خصوم السيسي السياسيين في الولايات المتحدة، حتى أن المشتبه به سعى إلى الاستفادة من علاقاته مع ضباط إنفاذ القانون المحليين في الولايات المتحدة لمساعدته في مساعيه، ما يعني أن السيسي مستعد لتهديد حياة المواطنين الأمريكيين وعائلاتهم لإسكات أي وجميع الانتقادات.

الإمارات العربية المتحدة وكيل للقمع العابر للحدود

على الرغم من إفراج الإمارات عن عثمان، فقد أصبح السفر إلى هناك كابوس لمناصري الديمقراطية وكذلك أفراد عائلاتهم، من جميع أنحاء العالم.

قبل أشهر قليلة من مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، اعتقلت السلطات الإماراتية زوجته، حنان العتر، أثناء زيارتها لعائلتها هناك، واستجوبتها بشأن خاشقجي ونشاطه في المنفى، وزرعت برنامج التجسس القوي Pegasus على هاتفها.

وفي أغسطس/آب 2022، أُطلق سراح عاصم غفور، المواطن الأمريكي والمحامي السابق لخاشقجي، بعد أن أمضى شهرًا في سجون الإمارات بتهم غامضة تتعلق بالفساد المالي.

علاوة على ذلك، في عام 2018، ألقت الإمارات القبض على الناشطة السعودية البارزة في مجال حقوق المرأة، لجين الهذلول، وأعادتها قسراً إلى المملكة العربية السعودية، حيث تعرضت للتعذيب لسنوات داخل السجن.

كما ساعدت الإمارات في قمع الصين للأويغور من خلال تسليمهم إلى الصين والسماح لكبار المسؤولين الصينيين بتشغيل “مواقع سوداء” على أراضي الإمارات، حيث تم إجبارهم على التجسس لصالح الحزب الشيوعي الصيني.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا