مع احتدام الحرب بين ميليشيات محمد حمدان دقلو الشهير بـ “حميدتي” وبين الجيش النظامي بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، حذر الأمين العام للأمم المتحدة، الثلاثاء، من مخاطر زعزعة الاستقرار الإقليمي، وبحسب خبراء، فإن مشاركة مصر وإثيوبيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في هذه الحرب بالوكالة يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الوضع وإطالة أمد الصراع في السودان.
الخاسر الأكبر في هذه الحرب الشنيعة السودان بلا شك، خاصة بعد أن تحول هذا البلد الذي يعاني بالفعل من أزمات اقتصادية وسياسية متلاحقة إلى ساحة حرب بين قوات الجيش التي تدعمها مصر وبين قوات حميدتي التي تدعمها الإمارات.
مصر هي الجار الأقرب للسودان بحدودها المشتركة البالغ طولها 1300 كيلومتر، ومنذ عام 2019 وسقوط النظام العسكري للديكتاتور عمر البشير، حاول نظام السيسي أن يجعل النظام الجديد يتبع أيدلوجيته لضمان استقرار قواعده، وعليه ضاعفت القاهرة المساعدات المالية والإنسانية للخرطوم.
بالنسبة لعبد الفتاح البرهان الذي تدعمه القاهرة، فإن النظام الاستبدادي الذي رسخ قواعده عبد الفتاح السيسي هو نموذج يحتذى به يسعى لتكراره، خاصة وأن البرهان درس في نفس المدرسة العسكرية التي التحق بها المشير السيسي في القاهرة.
في السنوات الأخيرة، عززت مصر والسودان، اللتان تربطهما علاقات متضاربة بسبب الخلافات الإقليمية، تعاونهما العسكري من خلال زيادة التدريبات المشتركة، خاصة وأن القاهرة تسعى لكسب تأييد الحكومة السودانية في قضية سد النهضة الأثيوبي، وهو مشروع ضخم للاحتفاظ بالمياه التي تريدها إثيوبيا، لكنه، بحسب مصر، يهدد الموارد المائية ومنسوب المياه من الدول الواقعة على مجرى النهر، وأبرزهما مصر والسودان.
أزمة النيل هي ما تجعل القاهرة ترفض دعم حميدتي الذي تعتبره عنصرًا مزعجًا، لأن حميدتي وفقًا للمصالح الجيوسياسية يميل تجاه أثيوبيا وبالتالي فهو ومجموعته العسكرية غير النظامية يشكلوا خطرًا على مصر.
منذ اليوم الأول للصراع لم تبرز مصر كعنصر محايد، أعلنت عن انحيازها للبرهان بصورة أكدها تواجد جنود مصريين في قاعدة مروي الجوية، شمال البلاد، التي تعرضت للهجوم في بداية الأعمال العدائية من قبل قوات الدعم السريع.
لعبة التحالفات
علاقة حميدتي والبرهان لم تكن عدائية في البداية، وقف الجنرالان معًا خلال انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021 الذي أطاح بالمدنيين من السلطة، وبالرغم من أن كلًا منهما كان يعقد تحالفات ثنائية مع أطراف دولية بمفرده، لكنهم لم ينخرطوا في قتال مباشر كالدائر حاليًا.
وكما يحظى البرهان بدعم مصر، فإن حميدتي هو رجل الإمارات في هذا الجزء من المنطقة العربية، وبفضله تمكنت الإمارات من السيطرة على جزء كبير من مناجم الذهب غير القانونية في البلاد، وحسب محللين فإن قوات الدعم السريع تعتبر منجم كنز ضخم لهذه الدولة الخليجية التي تربطها أيضًا علاقات مع روسيا عبر ميليشيا فاغنر الخاصة.
تسعى الإمارات إلى زيادة نفوذها في السودان من خلال الاعتماد على شبكات وعلاقات حميدتي كون السودان ثالث أكبر منتج للذهب في العالم، لهذا فهو ليس غنيًا بالمعادن فحسب، بل يمتلك أيضًا إمكانات زراعية قوية، إذ يعتبر السودان المصدر الرئيسي للصمغ العربي، وهو منتج ذو قيمة عالية في صناعة الأغذية، كما تلعب الدولة أيضًا دورًا رئيسيًا في تصدير الثروة الحيوانية في المنطقة.
كما تمكن حميدتي من إقامة علاقات قوية خلال الحرب في اليمن ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، إذ أنه قدم للتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات دعمًا عسكريًا عام 2015 مكون من 30.000 إلى 40.000 فردًا.
الخوف من السيناريو الليبي
في مرمى نيران فصيلين مسلحين يتقاتلان على السلطة واحتكار الموارد، مركز لعبة النفوذ الدولية بين الدول المتنافسة، هل ستواجه السودان نفس مصير ليبيا؟
ردًا على هذا التساؤل قال أحد الخبراء الاستراتيجيين في صحيفة لوموند “العديد من هؤلاء المؤيدين الدوليين يمكن أن يكونوا متناقضين والأمور لا تزال في حالة تغير مستمر”، مضيفًا “حميدتي له بالتأكيد علاقات قوية مع الإمارات والرياض، لكن المملكة العربية السعودية أيضًا لها صلات بالجنرال برهان عبر مصر… في الوقت الحالي، لم نتحول بعد إلى حرب بين الفصائل”.
بالرغم من ذلك، تقول المؤشرات حتى الآن إن جيران السودان والقوى الإقليمية يريدون إيجاد حل تفاوضي كأولوية للحفاظ على مصالحهم، في الأسبوع الماضي، تحدث عبد الفتاح السيسي عبر الهاتف مع الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان، في محاولة لإيجاد طريقة تهدئة بين الجنرالين.
في مقال له قال بابتيست فاليفوز، كاتب العمود الدولي في فرانس 24 “هذه الدول لا تريد أن تراهن بكل شيء خوفًا من حرمانهما من الأسواق أو النفوذ السياسي… قبل كل شيء، يريدون الاستقرار في السودان”.
ومع ذلك، إذا امتد العنف إلى كل البلاد، فلا يمكن استبعاد انهيار الدولة السودانية، ونظرًا لموقع السودان الاستراتيجي، في قلب إفريقيا، سيؤثر الانفجار على جميع جيرانه في حالة اندلاع حريق.
من جانبه قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش يوم الثلاثاء “الدول السبع المتاخمة للسودان شاركت جميعها في العقد الماضي في صراعات أو اضطرابات مدنية كبيرة… الصراع على السلطة في السودان لا يهدد مستقبل البلاد فحسب، بل يشعل شرارة يمكن أن تنفجر عبر الحدود، ستتسبب في معاناة هائلة لسنوات قادمة، وتعطيل التنمية لعقود”.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا