خلال العقدين الأخيرين، دأبت دولة الإمارات العربية المتحدة على تعزيز قوتها العسكرية في الداخل والخارج، مدعية أنها تسعى لبناء السلام والحفاظ عليه، لكن ومنذ اندلاع ثورات الربيع العربي في عام 2011 والأحداث التي تلت تلك الانتفاضات الشعبية، اتخذت أبو ظبي موقفًا عسكريًا أكثر عدوانية، وبدا واضحاً أن هدفها هو محاربة الديموقراطية ووأد أي حركات تدعو إليها، وعليه انخرطت في مبادرات عسكرية متعددة الأطراف مثل فرض منطقة حظر طيران في ليبيا أثناء تدخل الناتو ضد معمر القذافي، وكذلك في سوريا كعضو في التحالف العالمي لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، والاشتراك في حرب اليمن كعضو في التحالف الذي تقوده السعودية الذي عاث الفوضى في البلاد وقادها إلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم، بالإضافة إلى دعمها للانقلاب العسكري الدموي في مصر، وتوفير الحصانة الكاملة للسيسي في حملاته الوحشية لسحق المعارضة.

النفوذ العسكري الإماراتي امتد إلى إريتريا أيضاً، إذ عملت على إنشاء قواعد جوية وبحرية هناك إريتريا هي نقطة انطلاق معروفة لعملياتها في اليمن- وكذلك في الصومال، كما أوضح فرانك سليبر – رئيس برنامج تجارة الأسلحة في PAX ، ومقره هولندا.

في حواره مع موقع “إنسايد آرابيا”، قال ديفيد ب. روبرتس، الأستاذ المساعد في كينجز كوليدج في لندن، إن الإمارات تسترشد بمجموعة من المبادئ التي تستند إلى الانقسامات العميقة التي تراها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهو أكدته إيما سوبريير، الباحثة الزائرة في معهد دول الخليج العربي في واشنطن، التي أضافت أن الإمارات “تسعى إلى دعم الجماعات التي تتبنى وجهة نظر قومية أو “معادية للدين” ]التي تعاني من الإسلاموفوبيا[، وهذا ما يفسر دعم الإمارات أو عزلها للجهات الفاعلة (الحكومية وغير الحكومية) الأخرى في المنطقة، لا سيما منذ عام 2014″.

بعبارة أخرى، فإن أي دولة أو حزب يلائم هذا الملف المعاد للإسلام هو حليف محتمل للإمارات في المنطقة، كما قال سليبر، مضيفًا أن هناك أيضًا جانبًا عمليًا لنهج الإمارات، وضحتها اتفاقية التطبيع الأخيرة مع إسرائيل، حيث أدت إلى فتح علاقة تجارية مربحة محتملة مع دولة ثرية ذات تقنية عالية، وفي الوقت نفسه منح الإمارات العربية المتحدة تقدمًا في سعيها للحصول على الأسلحة الأمريكية الأكثر تقدمًا، بما في ذلك طائرة مقاتلة من طراز F-35 وطائرات بدون طيار، كل هذا بالطبع بحجة التعاون ضد عدو مشترك: إيران.

من وجهة نظر “سوبريير”، فإن مشاركة الإمارات في بعثات حفظ السلام الدولية منذ تسعينيات القرن الماضي ساعدتها كثيراً في بناء مصداقية عسكرية ملحوظة لدى الدول الغربية، حيث لم تتدخل -وقتها- إلا لدعم التحالفات التي يقرها القانون الدولي، وفقًا لأهداف جماعية.

بعد الاعتراف بها كجهة فاعلة وشريكة ذات مصداقية من قبل القوى الخارجية، بدأت الإمارات في إبراز قوتها الصارمة بما يتماشى مع أهدافها ومصالحها الخاصة (في ليبيا منذ يوليو/تموز 2014 وفي اليمن منذ مارس/آذار 2015)، بهدف توسيع نفوذها لترسيخ مكانتها كقوة إقليمية جديدة، تنافس القوى المختلفة في المنطقة لا سيما السعودية، التي تحاول التأكيد لها الآن أنها لم تعد الشريك الأصغر لها، بل قادرة على منافسة مصر وتركيا وإيران.

وقد أضافت “سوبريير” بأن انتقال الإمارات لهذا المستوى الذي تهدف به تثبيت نفسها كقوة لا يستهان بها في الشرق الأوسط الجديد، جعلها تتعامل بنزعة عسكرية عدائية “خلفت وراءها سلسلة من الوفيات والفظائع في البلدان التي تعاني بالفعل من الفقر وغياب القانون”.

ووفقا لسليبر، فإن الإمارات مستعدة لاستخدام القوة في أي مكان أو صراع يهدد مصالحها، دون حساب العواقب لذلك، لكن هذا لا يمنعها من استخدام وسائل أكثر ليونة – كالمساعدات المالية والاستثمار في البنية التحتية- في بعض البلدان إن كان يمكن ذلك لإقامة وتعزيز العلاقات العسكرية، كما حدث مع مصر والقرن الأفريقي على سبيل المثال.

اهتمت الإمارات أيضاً بصناعتها العسكرية المحلية، التي تشهد توسعاً سريعاً هذه الفترة، بالتوازي مع إقامة روابط عسكرية دولية من خلال توفير مجموعة من الأسلحة والمركبات العسكرية لعشرات البلدان في إفريقيا، مما يشير إلى أن عمليات نقل الأسلحة هي أداة مهمة أخرى في السياسة الخارجية.

ومن الجدير بالذمر أن بعض عمليات نقل الأسلحة تلك تتم في تجاهل واضح لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، كما هو الحال في ليبيا، حيث رصد محققو الأمم المتحدة انتهاكات عديدة للإمارات وللقوى العسكرية المدعومة منها.

تطوير قسم التعاون في التدريب العسكري كان له نصيب كبير من اهتمام النظام لتعزيز قوته العسكرية، وبحسب الخبراء والمحللين فمن المقرر أن يصبح هذا التعاون علامة تجارية للسياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة وأداة مهمة لتوسيع نفوذها الجيوسياسي.

في اليمن، على سبيل المثال، تدعم المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي من خلال تدريب وتزويد وتمويل قوات الحزام الأمني، والتي تم إضفاء الطابع المؤسسي عليها لاحقًا تحت إشراف وزارة الداخلية والجيش بعد أن كانت مجرد ميليشيات غير قانونية.

وفي السنوات الأخيرة، ركز الاتحاد الإماراتي أيضًا على دول الساحل الإفريقي مثل النيجر وبوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا، حيث أسس كلية محمد بن زايد للدفاع في عام 2016، كما قدمت الإمارات تدريبات لقوات النخبة الأفغانية.

ومع ذلك، فإن إبراز القوة الصارمة من خلال التدخل العسكري والتعاون ليس سوى واحدة من ركائز السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يصاحبها أيضًا دبلوماسية اقتصادية واسعة وعلامة تجارية للدولة من خلال القوة الناعم، التي لعبت دورًا حاسمًا في تطوير العملاق اللوجستي لشركة “موانئ دبي العالمية”، حيث تتجاوز إستراتيجية الشركة وأنشطتها إلى حد كبير سلوك الشركات التقليدي الذي يتبع عادةً منطق السوق، لذلك ترتبط الشركة ارتباطًا وثيقًا بأهداف السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة.

ومما يجدر الإشارة إليه فإن الموانئ التي تديرها موانئ دبي العالمية قادرة على استيعاب القوات البحرية وغيرها من القوات العسكرية، مما يجعل الشركة شريكًا لا غنى عنه لطموحات السياسة الخارجية والعسكرية لدولة الإمارات العربية المتحدة. وهذا ليس مفاجئًا بالنظر إلى أن صاحب المصلحة الرئيسي في تلك الشركة ]موانئ دبي العالمية[ هو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي ورئيس وزراء الدولة.

أخيراً، يمكن القول بأنه في سعيها لتصبح قوة إقليمية، أصبح العنصر العسكري في السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة ذا أهمية متزايدة في السنوات الأخيرة، حيث يُنظر إلى العسكرة المقترنة بالوطنية وكراهية الإسلام ]الإسلاموفوبيا[ على أنها عنصر أساسي من عناصر التماسك الوطني، وهو ما لم يكن في الماضي، حيث سعت الدولة قديماً إلى الاعتماد على عائدات النفط في عملية بنائها، لكن هذا تغير بصورة جذرية، ليزداد دور الجيش بشكل كبير، كأحد الأدوات الرئيسية لتعزيز الهوية الوطنية مع التغلب على الانقسامات الدينية والقبلية والإقليمية.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا