العلاقة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية تُعتبر أحد أبرز العلاقات الثنائية الأساسية التي تشكل الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومع قدوم بايدن، فمن المحتمل أن تتعرض هذه العلاقة لاضطرابات بعد تعهدات الإدارة الجديدة بعدم التسامح في انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة من قبل السلطات المصرية، حيث هدد الكونغرس وبايدن نظام السيسي بفرض عقوبات على مصر، مع تقييد المساعدات الاقتصادية بشروط إذا لم يتم تحسين الأوضاع المتعلقة بحقوق الإنسان.
في المقابل، يُرجح الخبراء أن القاهرة بدأت بالفعل في إعادة النظر فيما إذا كانت بحاجة إلى الحفاظ على اعتمادها التاريخي الاقتصادي والأمني والدبلوماسي على واشنطن على نفس المستوى.
على الصعيد المحلي، فإن سعي مصر الحالي للحفاظ على الاستقرار السياسي والاقتصادي على حساب الحريات الشخصية سيتعارض مع تركيز إدارة بايدن المتجدد على حقوق الإنسان، ما يزيد من مخاطر العقوبات الأمريكية والشروط المتعلقة بالمساعدات الاقتصادية، والتي يمكن أن تعطل الاستقرار الاقتصادي المصري، خاصة وأن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر في عهد النظام الحالي وصلت معدلات غير مسبوقة.
في ظل إدارة السيسي، لم تتوقف السلطات عن اعتقال العاملين في المنظمات غير الحكومية والصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان، وتعريضهم للاختفاء القسري والتعذيب، كجزء من جهود الحكومة للحفاظ على الاستقرار السياسي من خلال السيطرة على المعارضة والتعامل معها بحدة وحسم، وتلفيق التهم إليهم بزعم ارتباطهم بالإرهاب، وهي إجراءات كان من شأنها أن تثير قلق الشركاء الغربيين لمصر بشكل متزايد، لذلك وعدت إدارة بايدن بمراجعة العلاقات مع القاهرة مع التركيز على ضمان الحد من انتهاكات حقوق الإنسان، حيث غرد بايدن في يوليو/تموز أثناء حملته الانتخابية “لن يكون هناك المزيد من الشيكات الفارغة لديكتاتور ترامب المفضل” في إشارة إلى السيسي.
كان السيسي يتمتع بعلاقات جيدة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أشار بالفعل إلى الرئيس المصري على أنه “ديكتاتوره المفضل” وقال في حضور السيسي في مايو/أيار 2017 إن الولايات المتحدة تسعى إلى “الحصول على شركاء وليس إلى الكمال”. وقبل فوز بايدن في الانتخابات، أوضح الديمقراطيون في الكونغرس بالفعل، مؤخرًا عبر رسالة إلى حكومة السيسي في أكتوبر/تشرين الثاني 2020، أن سلوك مصر يخضع لمزيد من التدقيق وأن مبيعات الأسلحة والمساعدات الاقتصادية سيتم تقييمها مع وضع تصرفات مصر في الاعتبار.
في الوقت نفسه، لا يتناسب تركيز مصر المتزايد على ضمان الاستقرار في البلدان المجاورة مع أولويات ومصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، مما يقلل من فرص التنسيق والتعاون بين البلدين حول التوسط في الصراع الإقليمي.
أولويات مصر الآن تتركز على التحالفات الإقليمية التي دخلتها بزعم حل أزمات الدول المجاورة، مع المشاكل الناشئة عن أزمة النيل مع إثيوبيا، وكذلك أمن الحدود مع ليبيا والسودان، مع تنامي المعارضة في الداخل والخارج، وجميعها ملفات تختلف تماماً عن أولويات الولايات المتحدة في المنطقة، خاصة وأنها لم تنشر مصر قواتها العسكرية في الخارج في أماكن مثل العراق وسوريا، مما يقلل من فرص التنسيق المباشر مع الجيش الأمريكي.
العوامل السابق ذكرها، جعلت مصر تفكر في البحث عن شركاء جدد، وتوثيق العلاقات مع حلفاء آخرين مثل روسيا، التي لا تمارس أي ضغوطات على مصر فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، وكذلك ترى مصر في فرنسا شريك مثالي، خاصة بعد أن وعدت الأخيرة بعدم تقييد مبيعات الأسلحة باستخدامها فيما لا ينتهك حقوق الإنسان، حيث قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للسيسي في ديسمبر/كانون الأول الجاري إن مبيعات الأسلحة الفرنسية إلى مصر لن تكون مشروطة بانتهاكات حقوق الإنسان، مما يعكس الأهمية الاقتصادية لهذه العلاقة لفرنسا.
ومع ذلك، يرى المحللون والخبراء أن إدارة بايدن لن ترغب في خسارة تعاون مصر فيما يتعلق بملف مكافحة الإرهاب، لذلك من المرجح أن تستمر مصر في عام 2021 في تجربة استقرار اقتصادي كلي أكبر من معظم البلدان الأخرى في المنطقة، مما سيعزز دعم الحكومة والاستقرار الداخلي – بالإضافة إلى استعداد القاهرة لتحدي ضغوط الحكومات الأجنبية مثل الولايات المتحدة بشأن سياساتها.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا