بعد فوز جو بايدن في الانتخابات الأمريكية، على منافسه الأبرز دونالد ترامب، توالت التهاني عليه من قبل زعماء العالم الذين اتصلوا به مهنئين مع التمنيات الطيبة، مع استبشار الكثيرين بعهد جديد من العلاقات والقرارات التي قد تغير من الخريطة الجيوسياسية للعالم للأفضل.

وفي حين أعربت حكومات جميع الحلفاء القدامى للولايات المتحدة عن دعمها العلني لاستمرار تحالفها مع القوة العظمى المهيمنة في العالم، اختفت السعودية والإمارات عن المشهد لفترة طويلة، وكانتا آخر من انضموا لاحتفالات فوز بايدن.

ظل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي العهد الأمير محمد بن زايد صامتين حتى الساعات الأولى من صباح يوم الاثنين 9 نوفمبر/تشرين الثاني، أي بعد حوالي أسبوع من إعلان نتيجة الانتخابات.

إن ترددهم ليس مفاجئًا، نظرًا لعدم وجود حكومة أخرى في العالم ستخسر الكثير برحيل ترامب وتولي بايدن بدلاً منه نصاب الأمور في الولايات المتحدة، بل تولت وسائل الإعلام الناطقة بالإنجليزية والتي تسيطر عليها السعودية شن حملة انتقادات واسعة ضد الرئيس المنتخب، مع نشر عبارات ذات دلالات واضحة لإهانة بايدن، إذ كان العنوان الرئيسي في “العربية والشرق الأوسط” “عودة الكلاب إلى البيت الأبيض” مع صورة لبايدن مع كلب شيبرد الألماني.

وفي الوقت الذي حاولت فيه صحيفة “عكاظ” السعودية الالتزام بالدبلوماسية في نقل خبر فوز بايدن، كان النشطاء والسياسيين البارزين المؤيدين للنظام السعودي والإماراتي أكثر ثباتاً على موقفهم المعادي لبايدن، إذ شبه أحدهم “كوفيد-١٩” بـ “بايدن ٢٠٢٠”، وآخرون لم يكفوا عن ترديد مزاعم ترامب الزائفة حول انتخابات مزورة.

تتجذر المخاوف السعودية من فوز بايدن في التعهدات التي صرح بها قبل انتخابه رئيساً للبلاد، إد تعهد “بجعلهم يدفعون ثمن الانتهاكات والجرائم، وجعل السعودية دولة منبوذة بسبب قتل جمال خاشقجي عام 2018 في القنصلية السعودية في إسطنبول.

في الآونة الأخيرة، ومع وجود تجمع مناهض للسعودية / الإمارات العربية المتحدة بشكل ملحوظ وبشكل متزايد داخل مجلس النواب الذي يسيطر عليه الحزب الديمقراطي في الكونغرس، وعد بايدن بوضع حد لمبيعات الأسلحة الأمريكية لحكومات الخليج العربي، وعلى رأسهم السعودية والإمارات، حتى أنه ألمح إلى أنه سيوقع على أمر تنفيذي لإنهاء تورط الولايات المتحدة في الحرب التي تقودها السعودية والإمارات في اليمن كأول إجراء عند تسلمه مهامه الرسمية في البيت الأبيض.

بدون الدعم اللوجستي والجوي الأمريكي، تصبح الطائرات الحربية السعودية والإماراتية غير قابلة للتشغيل بشكل فعال وغير قادرة على تحديد الأهداف أو ضربها، ولكن الأهم من ذلك أن مهمتها لن تكون ممكنة دبلوماسيًا بدون الدعم المعنوي من حكومة الولايات المتحدة.

علاوة على ذلك، قدم بايدن أدلة عن نواياه في التكفير عن قرار إدارة أوباما بإعطاء الضوء الأخضر لحرب الرياض وأبو ظبي في المقام الأول، لا سيما لأن العشرات من المسؤولين الحكوميين السابقين والحاليين أعربوا عن مخاوفهم من إمكانية محاكمتهم على جرائم حرب بسبب بيع الأسلحة للسعودية والإمارات.

أونا هاثاواي، الأستاذة بكلية الحقوق بجامعة ييل والمحامية بوزارة الدفاع في إدارة أوباما، صرحت ذات مرة لصحيفة نيويورك تايمز في سبتمبر/أيلول: “لو كنت في وزارة الخارجية في عهد أوباما، كنت سأفزع من أن يتم ملاحقتي وتحميلي المسؤولية”، “أعتقد أن أي شخص يشارك في هذا البرنامج يجب أن يوكل له محام من الآن… إنها منطقة خطيرة للغاية تتواجد فيها الولايات المتحدة بالنظر إلى عدد المدنيين الذين قتلوا خاصة أنها تستمر في تقديم الدعم للجناة”.

الجدير بالذكر أن أي من هذا لم يردع ترامب، الذي أخطر الكونغرس رسميًا مؤخرًا بكمية ضخمة من مبيعات الأسلحة إلى الإمارات العربية المتحدة، بما في ذلك 50 طائرة مقاتلة من طراز، و 18 طائرة بدون طيار من طراز MQ-9 Reaper ، وحزمة ذخيرة بقيمة 10 مليارات دولار أمريكي، إلى جانب الآلاف من قنابل MK 82، والصواريخ، وفقًا لصحيفة واشنطن بوست.

في 9 نوفمبر / تشرين الثاني، حذرت منظمة العفو الدولية من أن مبيعات الأسلحة -المُشار إليها- للإمارات ستجعل الولايات المتحدة بلا شك مسؤولة عن مقتل المزيد من المدنيين في اليمن وليبيا.

وعلى الرغم من كل ما سبق، فإن ما يؤرق حكام السعودية والإمارات الآن هو الخوف من أن تستأنف إدارة بايدن الاتفاق النووي مع إيران، وبالتالي إنهاء العقوبات المشددة التي فرضها ترامب على طهران، والتي منحت الخليج العربي وإسرائيل اليد العليا في معادلة السيطرة على المنطقة، والحرب الباردة بينهم وبين إيران.

مهما حدث بعد انتقال بايدن رسمياً إلى البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني المقبل، فقد انتهت الأوقات الجيدة التي استمتعت بها السعودية والإمارات في ظل إدارة ترامب، ولم تعد أفعالهم في الداخل أو الخارج لتمر دون محاسبة الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة وأن الأمريكيين قد سئموا من تقديم دعم لأنظمة الخليج العربي بشيكات على بياض، بل لقد سئموا من الصراعات في الشرق الأوسط.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا