العدسة _ منصور عطية
تدريبات عسكرية جديدة في بقعة ساخنة لم تتوقف فيها لغة السلاح منذ نحو العام، حين شدت الأزمة السياسية الأعنف في تاريخها المعاصر، بحصار 4 دول عربية لقطر.
مصر والبحرين طرفا تلك التمرينات التي انطلقت، الاثنين، وتستمر لعدة أيام في العاصمة الخليجية المنامة، درّبتا قواتهما الخاصة على الاشتباك واقتحام المنشآت.
ويرى البعض أن التدريب روتين عادي متفق عليه مسبقًا في سياق التعاون بين البلدين، بينما يقدر آخرون أن له رسائل ودلالات سياسية لا تنفصل عن الأزمة الخليجية، أو حتى تطورات الأوضاع في المنطقة.
المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية العقيد تامر الرفاعي قال: إنه قد تم الإعداد والتجهيز الجيد للقوات الخاصة المصرية، قبل التحرك للمشاركة في التدريب “خالد بن الوليد 2018″، والذي يتضمن تنفيذ العديد من الأنشطة والفعاليات والمحاضرات النظرية والعملية لتنسيق الجهود، والاستفادة من الخبرات القتالية لكلا الجانبين.
وتم تنظيم معرض للأسلحة والمعدات المشاركة من جانب القوات الخاصة الملكية البحرينية، لتحقيق الدمج بين القوات المشاركة من الجانبين، وتوحيد المفاهيم العملياتية، كذلك تنفيذ الرمايات من أوضاع الاشتباك المختلفة بالذخيرة الحية والتدريب على اقتحام المنشآت، والتي تعد أحد المهارات الخاصة التي تتطلبها طبيعة عمل قوات الصاعقة للوصول للأهداف، بحسب بيان المتحدث.
اللافت أن هذه التدريبات تأتي بعد أيام من اختتام مصر والإمارات فعاليات التدريب البحري المشترك “خليفة 3“، بقاعدة البحر الأحمر ضمن المياه الإقليمية المصرية.
وحسب المتحدث، تضمنت المرحلة الرئيسية تنفيذ العديد من الأنشطة الرئيسية، تخللها عدة محاضرات تشمل التخطيط والإعداد لمراحل التدريب المختلفة، وتنفيذ عدد من الأنشطة التدريبية بغرض حماية خطوط المواصلات البحرية وإدارة أعمال القتال المختلفة.
ولعل الرسالة الأولى التي قد تكون وراء تلك التدريبات العسكرية، إظهار أن دول الحصار في حالة تأهب قصوى لما قد يُستجد على ساحة الأحداث، وفي القلب منها الأزمة مع قطر.
وبقدر ما استبعد الجميع أية رسائل تهديدية بشن عمل عسكري ضد الدوحة، بقدر ما يكمن من رسالة مفادها “نحن بالمرصاد”، على نحو يشي أيضا بإثارة الخوف والهلع في نفوس القطريين من تحركات دول الحصار العسكرية.
هذا الوضع يعد هدفا في حد ذاته لدول الحصار، وهو ما يُبقي قطر دومًا تحت ضغط كبير قد يجبرها في يوم من الأيام على الرضوخ لمطالب دول الحصار التي اعتبرتها الدوحة تفريطًا في سيادتها.
قوات عربية في سوريا؟
بعيدًا عن قطر، فإن التدريبات المصرية البحرينية المشتركة قد تكون استعدادا لما أُثير بشأن مشاركة قوات عربية وإسلامية في سوريا بديلة لتلك الأمريكية التي ينتظر أن تغادر البلاد قريبًا.
فقبل أيام فقط، كشف وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أن بلاده عرضت إرسال قوات من “التحالف الإسلامي” لمحاربة الإرهاب إلى سوريا.
وأوضح أن السعودية عرضت على الولايات المتحدة الأمريكية إرسال قوات من التحالف الإسلامي ضد الإرهاب إلى سوريا، متابعا: “نحن عرضنا في نقاشات مع الولايات المتحدة منذ بداية هذه السنة، فيما يتعلق بإرسال قوات إلى سوريا”.
ووفق تقارير إعلامية، طلبت الولايات المتحدة دعمًا عسكريًا من دول عربية، بينها مصر، لإحلال الاستقرار في سوريا.
صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، نقلت عن مصادر حكومية أنه من المفترض وفقًا لهذه المطالب أن ترسل كل من السعودية وقطر والإمارات ومصر قوات إلى شمال شرقي سوريا لتحل محل الوحدات الأمريكية هناك عقب تحقيق انتصار على تنظيم الدولة “داعش”.
وأفادت الصحيفة بأن مستشار الأمن القومي الأمريكي “جون بولتون” تواصل مع دول خليجية ومصر من أجل المشاركة في هذه القوات وتقديم الدعم المالي لها، وتوقع مسؤولون في الإدارة الأمريكية أن تستجيب الدول العربية لطلب ترامب خصوصا فيما يتعلق بالدعم المالي.
وعليه يبقى الاحتمال بشأن ارتباط تلك التدريبات بنِيّة مصر وغيرها إرسال قوات إلى سوريا قائمة، مع الأخذ في الاعتبار طبيعة التدريبات وما تضمنته من عمليات اشتباك واقتحامات تعد مسرحًا ملائمًا لعمليات مشابهة في سوريا.
مكيدة تركيا وقطر
الأكثر إثارة أن التدريبات المصرية البحرينية تتزامن مع مشاركة وحدات من القوات المسلحة التركية، في المناورات العسكرية المشتركة “شاهين – 20” والتي انطلقت الأحد 22 أبريل الجاري في قطر، وتستمر حتى 29 من الشهر نفسه.
بيان رئاسة الأركان التركية، أوضح أن 3 مقاتلات حربية من طراز “F-16” تابعة لسلاح الجو التركي، ستشارك في المناورات المذكورة.
وتشهد العلاقات التركية القطرية تطورًا متناميًا وتعاونًا متواصلًا على مختلف الأصعدة، ويوجد تناغم سياسي كبير بين البلدين واتفاق في وجهات النظر تجاه الكثير من قضايا المنطقة.
ولا يمكن الفصل بين تلك المناورات والدعم الذي تقدمه أنقرة للدوحة منذ بداية الأزمة الخليجية في يونيو الماضي، سواء من الناحية الاقتصادية بتوفير المنتجات الغذائية وغيرها التي انقطعت بالحصار، وسياسيًا في جميع المحافل، وعسكريًا بإنشاء القاعدة العسكرية التركية في الدوحة.
وبالنظر إلى ما تُكنّه دول الحصار من عداء تجاه تركيا الداعم الأكبر والأقوى لقطر من جانب، والتوتر الكبير في العلاقات بين أنقرة والقاهرة منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي في يوليو 2013، فإن أحد دوافع التدريبات المصرية البحرينية يمكن أن يصب في اتجاه كونها مجرد مكايدة سياسية ومناطحة لهذا التحالف الثنائي.
بعيدًا عن كل الأغراض الخفية والرسائل السياسية، فإن احتمال أن تكون تلك التدريبات دورية وروتينية لا علاقة لها بأية تطورات سياسية أو عسكرية يبقى واردًا بقوة.
التدريب “خالد بن الوليد 2018” هو الثالث من نوعه في سياق اتفاق عسكري بين مصر والبحرين على تنفيذ تدريبات مشتركة منذ العام 2016 بالتوالي في البلدين.
بيان المتحدث العسكري المصري، أشار بعبارات روتينية “معلبة” تبدو مسبقة التجهيز إلى التدريب بقوله إنه يأتي ” في إطار خطة المناورات المشتركة للقوات المسلحة مع الدول لنقل وتبادل الخبرات، وتعزيز أوجه التعاون العسكري، وصقل مهارات العناصر المشاركة، وقدرتها على تنفيذ مختلف المهام، وصولًا إلى أعلى معدلات الكفاءة والاستعداد القتالي”.
اضف تعليقا