في خطوة غير مسبوقة أشعلت معها موجة غضب فلسطينية عارمة، قرر الرئيس محمود عباس، تمجيد وتخليد نهجه السياسي ومواقفه الهامة والحساسة في كُتيب سيُفرض تدرسيه على الطلبة، ويوزع كمرجع رسمي داخل المؤسسات والدوائر الحكومية في كافة أرجاء البلاد.

“قدوتنا رئيسنا”، كان هذا عنوان الكُتيب الذي يستلهم مقالات ومواقف عباس، والذي أثار معه حالة كبيرة من الغضب والرفض في الشارع الفلسطيني، وسط اتهامات لـ”فتح” بتمجيد وتخليد نهج “أبو مازن”، ومحاولات لنقل ثقافة الرؤساء العرب لفلسطين، وعلى رأسهم الرئيس الليبي الراحل، معمر القذافي، وكتابه “الأخضر” الشهير.

وقررت وزارة التربية والتعليم في الضفة الغربية المحتلة رسمياً إطلاق كُتيب “قدوتنا رئيسنا”، ضمن مبادرة “لأجل فلسطين نتعلم”، حيث يستلهم الكُتيب اقتباسات من كتب ومقالات سابقه نُشرت لعباس.

والخميس (9 مايو)، أقيم في مدينة رام الله حفل لإطلاق الكتيب، وحضره وزيرا التعليم والثقافة وأعضاء من اللجنة المركزية لحركة “فتح”، والتنفيذية لمنظمة التحرير، وكذلك محافظون ومديرون، وعدد من ممثلي مؤسسات المجتمع المدني والمحلي، وعدد من الأسرة التربوية.

استنساخ لـ”ثقافة الديكتاتورية”

ودفاعاً عن كُتيب عباس أثنى مروان عورتاني، وزير التربية والتعليم في حكومة محمد اشتية بالضفة، على أهمية هذا الكتيب في “تنمية مهارات الطلبة الإبداعية لإبراز الهوية الوطنية واستنساخ تجارب الرئيس”، مؤكداً التزام الوزارة بطباعة هذا الكتيب وتعميمه على كافة مدارس الوطن.

هذه الخطوة رأى فيها مختصون ومراقبون محاولة من عباس لتخليد نهجه السياسي “غير المتزن”، وفرضه بالقوة كواقع سليم وصحيح على الفلسطينيين، معتبرين أنها استنساخ لثقافات “ديكتاتورية” من رؤساء دولة عربية؛ من بينهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس الليبي الراحل معمر القذافي.

نائب وكيل وزارة التربية والتعليم السابق بالضفة الغربية المحتلة، إيهاب منصور، انتقد بشدة هذه الخطوة التي وصفها بأنها “محاولة لفرض رؤية الرئيس على الفلسطينيين، على الرغم من وقوعها بين الفشل والصواب”.

وفي تصريحات خاصة لـ”الخليج أونلاين”، أكد أن مثل هذه الخطوة لا تُعد سوى “تخليد لمواقف وتعامل عباس مع المتغيرات الداخلية والخارجية الشخصية، أو حتى في منصبه رئيساً للسلطة وحركة فتح ومنظمة التحرير، وإمكانية فرضها على الفلسطينيين غير مقبولة بتاتاً”.

وأضاف منصور: “لم يسبق أن عمل الرئيس الراحل، ياسر عرفات “أبو عمار”، هذه الخطوة، “رغم مروره بالكثير من المواقف المشرّفة في دعم المقاومة ولُحمة الوطن ومواجهة إسرائيل”، معتبراً أن الإنجازات التي حققها عباس بالنسبة إلى الفلسطينيين “لا ترقى لأن توضع في كتيب، فهناك الكثير ممن يتّهمه باللهث خلف المفاوضات وتقسيم الوطن، واستجداء العلاقات مع إسرائيل، وتمسكه بملاحقة المقاومة، وتقديسه للتنسيق الأمني”.

وعدّ إقرار كتيب “قدوتنا رئيسينا” على الفلسطينيين واعتباره مرجعاً رسمياً “مرفوضاً جملةً وتفصيلاً، ومحاولة من عباس لتقليد نهج الراحل معمر القذافي”، الذي كان قد أصدر كتاباً وبات مرجعية وأساساً لنظامه داخل ليبيا.

يشار إلى أنه في العام 1975 ألّف القذافي “الكتاب الأخضر”، وعرض فيه أفكاره حول أنظمة الحكم، وتعليقاته حول التجارب الإنسانية كالاشتراكية والحرية والديمقراطية، حيث يعتبر هذا الكتاب أساس النظام الجماهيري الذي ابتدعه معمر القذافي.

نهج عباس المرفوض

القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والنائب في المجلس التشريعي عن الحركة بالضفة، فتحي القرعاوي، أكد أن هذا الكتيب “حق يراد منه باطل”.

وقال القرعاوي لـ”الخليج أونلاين”: “يحق لعباس أن يصدر أي كتاب يحمل أفكاره ونهجه طوال سنوات حكمه، لكن لا يحق له أن يفرض ذلك على الفلسطينيين من خلال تدريسه للطلبة، وتوزيعه كمرجع في المؤسسات الحكومية”.

وتوقع أن يكون لهذا الكُتيب أثر سلبي على عباس وسلطته، وسيُحاط بالكثير من الانتقادات والرفض؛ نظراً لحالة الغضب الفلسطينية الكبيرة التي تُحيط بالسلطة والرئيس على وجه الخصوص؛ نتيجة لمواقفه السياسية المعروفة مع “إسرائيل” والمقاومة والتنسيق الأمني.

وتابع القيادي في حركة “حماس” حديثه لـ”الخليج أونلاين” قائلاً: “هذا الكتاب يمكن أن يكون مرجعاً مُعترفاً به عند الفلسطينيين بأكملهم، وذلك في حال كان عباس رئيساً للكل الفلسطيني وليس لفصيل معين، ولا يحاصر شعبه في غزة ويفرض العقوبات عليهم، ولا يلاحق المقاومين، ويرفض التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال، ولكن كل ذلك لم يحدث”.

الكاتب والباحث الفلسطيني فؤاد الخفش، رأى أن السلطة الفلسطينية ذاهبة فعلياً باتجاه ترسيخ وجود عباس ومواقفه ونهجه في العقول الفلسطينية؛ من خلال هذا الكتيب “غير المسبوق صدوره من قبل”.

وقال في تصريحات خاصة لـ”الخليج أونلاين”: “هي محاولة لاستنساخ تجارب الدول العربية التي تعتبر الرئيس هو الآمر والناهي والرقم الأول الذي يجب اتباعه وإطاعته، لكن هذا الأمر سيكون مختلفاً في فلسطين”.

ولفت إلى أن المنهاج الفلسطيني يفتقر لشرح وتوضيح التاريخ والنضال الفلسطيني، وليس بحاجه إلى “تخليد وتنزيه شخص الرئيس”، خاصة أن آخر انتخابات رسمية رئاسية جرت قبل 14 عاماً.

الجدير ذكره أن آخر استطلاع للرأي صدر نهاية شهر مارس العام الماضي، خلص إلى أن 68% من الجمهور الفلسطيني يدعم استقالة عباس، و33% فقط ممَّن شملهم الاستطلاع قالوا إنهم راضون عن أدائه.

وقبل أشهر أطلقت في قطاع غزة حملة شعبية كبيرة تطالب برحيل عباس، وحملت عنوان “ارحل يا عباس”، ووجدت في مواقع التواصل الاجتماعي ومنصاته المختلفة كثيراً من الدعم والتأييد، وزادت أهميتها حين انضمت إلى أصوات الشعب بعض الفصائل الكبيرة.

وشهد الوضع الفلسطيني في ظل وجود عباس زيادة في حالة الانقسام الداخلي بين حركتي “فتح” و”حماس”، وفشل العملية السياسية مع “إسرائيل”، التي استفحلت في الاستيطان والقتل وسرقة الحقوق الفلسطينية دون أي محاسبة من طرف “أبو مازن”، إضافة لتوتر العلاقات مع دول عربية، وتراجع مكانة فلسطين في المجتمع الدولي.

وعُيِّن عباس (83 عاماً) رئيساً انتقالياً عقب وفاة الزعيم ياسر عرفات، عام 2004، وانتُخب رئيساً للسلطة في 15 يناير 2005، لِما كان من المفترض أن تكون ولاية من خمس سنوات، وأحكم سيطرته بحزم منذ ذلك الحين، رافضاً تسمية خليفة له، وحال الانشقاق السياسي مع “حماس” دون إجراء انتخابات جديدة.