أحمد مولانا

باحث و كاتب

ابن سعود يثير الفوضى!!

 

      من العجائب أن العنوان أعلاه يصلح لوصف سياسات الأمير “محمد بن سلمان” في القرن الواحد والعشرين، مثلما يصلح لوصف سياسات الجد المؤسس للدولة السعودية الثالثة مطلع القرن العشرين. فبين سياسات الاثنين أوجه تشابه تستدعي التأمل. مع الإقرار أن الجد كان سياسيا محنكا يسعى لاستثمار الأوضاع الإقليمية والعالمية لتأسيس دولته المنشودة، بينما الأمير الحفيد  يثير الفوضى دون أن يمتلك دهاء جده، ويدفعه طموحه لتحطيم كرسي العرش الذي يسعى للجلوس عليه.

ففي مطلع القرن العشرين عاد الشاب “عبدالعزيز بن سعود” من منفاه بالكويت ليهاجم الرياض ويستولى عليها عام 1902. وليبدأ حربه الضروس مع آل رشيد . ومن ثم سعى لفتح خطوط تواصل مع بريطانيا لدعم جهوده في السيطرة على الجزيرة العربية، فأوفدت بريطانيا عام 1911 الكابتن ” شكسبير” إلى صحراء نجد لتقييم الوضع الميداني لعبدالعزيز، ولم يلبث شكسبير أن قُتل عام 1915 أثناء قتاله في صفوف جيش عبدالعزيز قرب الأرطاوية.

ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى اعتمدت بريطانيا مخططات لتفكيك الدولة العثمانية وإثارة التمرد بالحجاز ونجد على يد “الشريف حسين”  و”عبدالعزيز بن سعود”. فأغرت الأول بمنصب الخليفة، إذ قال له المندوب السامي بمصر “هنري مكماهون في ٣٠ أغسطس ١٩١٥ ( وإنا لنصرح هنا مرة أخرى أن جلالة ملك بريطانيا العظمى يرحب باسترداد الخلافة إلى يد عربي صميم من فروع تلك الدوحة النبوية المباركة)1 . بينما لخص مدير الاستخبارات العسكرية البريطانية بالقاهرة أهداف الشريف حسين وأهداف بريطانيا قائلا ( إن هدفه هو تأسيس خلافة لنفسه ….نشاطه يبدو مفيدا لنا لأنه يتماشى مع أهدافنا الآنية، وهى تفتيت الكتلة الإسلامية، ودحر الإمبراطورية العثمانية وتمزيقها ..إن العرب هم أقل استقرارا من الأتراك، وإذا عولج أمرهم بصورة صحيحة فإنهم يبقون في حالة من الفسيفساء السياسية، مجموعة دويلات صغيرة يغار بعضها من بعض، غير قادرة على التماسك.. وإذا تمكنا فقط أن ندبر جعل هذا التغيير السياسي عنيفا، فسنكون قد ألغينا خطر الإسلام بجعله منقسما على نفسه) 2

1 – نجدة صفوة- الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية – ج1- ص525- ط. دار الساقي.

2 –  المصدر السابق- ج2- ص119.

 

وعقب انتهاء الحرب طالب “الشريف حسين” بمنصب الخلافة وبالسيطرة على (الدولة العربية الكبرى) الموعودة التي تشمل الحجاز والشام والعراق وفلسطين كما رفض وعد بلفور، فتنكرت له بريطانيا، وسمحت لعبدالعزيز ابن سعود بالتمدد والقضاء عليه، ليؤسس الدولة السعودية الثالثة التي عبر عن أهميتها المعتمد السياسي البريطاني بالبحرين “الميجر ديكسن” في أغسطس ١٩٢٠ قائلا (جزيرة عرب وسطى قوية يحكمها ابن سعود، وهو مرتبط بأشد العلاقات الودية مع الحكومة البريطانية، تكون ملائمة للسياسة البريطانية كل الملائمة، إنها ستحسم الكثير من المصاعب، وفي الوقت نفسه تجعل كل الدويلات الساحلية معتمدة علينا أكثر مما هى عليه الأن. الكويت والبحرين والساحل المهادن وعمان والحجاز وحتى سوريا سوف تعيش كلها في هلع من جارها القوي، وتكون أكثر انصياعا لرغبات حكومة الجلالة مما هى عليه اليوم.. إن طريقة العربي هى أن يعيش على تحريض جيرانه الأقوياء بعضهم ضد بعض. وفي نفس الوقت إذا لم يستطع القيام بذلك، فعليه أن يستند إلى دولة حامية قوية للالتجاء إليها، وإذا أصبح ابن سعود قويا جدا في جزيرة العرب، فإن النفوذ البريطاني يزيد زيادة عظيمة بين الدول الساحلية) 1 وبالفعل نجح ابن سعود في إنشاء دولته بدعم بريطاني، وأعلن تأسيس المملكة العربية السعودية عام 1932.

وبعد قرابة القرن من تأسيس الدولة أوشك جيل أبناء المؤسس على الانقراض، وطمع ابن سلمان في أن يكون أول حفيد يتولي منصب الملك، ففرصته مؤقتة ببقاء والده العجوز على قيد الحياة، فإن لم يقترب من المنصب الآن فلن يتمكن من توليه لاحقا. ولكن ما هى بطاقة اعتماده من أصحاب النفوذ العالميين للسماح له بتنفيذ تلك الوثبة على المنصب؟

فليس ثمة دولة عثمانية يتآمر عليها، وليس ثمة وطن قومي موعود لليهود يتفق على القبول به سرا وعدم محاربته. ويبدو أن “ابن زايد” همس في اُذنه بالإجابة (إنها العلاقة مع الإسلاميين وإسرائيل).

أما الإسلاميين السعوديين فشن عليهم “ابن سلمان” حملة اعتقالات واسعة طالت المسالم قبل المعارض، والمؤيد له منهم والساكت، ثم تبع ذلك تصريحات عن قرب فتح قاعات سينمائية وشواطئ سياحية وأشباه ذلك من خطوات لعلمنة البلاد. كما لم يستطع أن يكف يده عن إطلاق بضعة  سهام على الإسلاميين غير السعوديين، فشارك مع ابن زايد والسيسي في إعلان

1 – المصدر السابق- ج٥-ص٣٨٣.

قائمة إرهاب شملت مصريين وليبيين ويمنيين وقطريين وكويتيين من الشخصيات العامة والفاعلة. فضلا عن فرض حصار مشترك على قطر بزعم دعمها للإرهاب وتمويلها له !

أما عن العلاقة مع إسرائيل، فقد تطورت بدءا من صفقة جزيرتي تيران وصنافير، وصولا إلى حديث الصحف الإسرائيلية عن زيارة ابن سلمان السرية  مؤخرا سرا لتل أبيب ولقاءه بنتنياهو، واتفاقهما على تطبيع العلاقات بين البلدين بخطوات متسارعة.

هذه السياسات والممارسات تغوص بالأمير الشاب في مستنقع موحل، فالعلاقات الداخلية بين أمراء الأسرة المالكة في أسوأ أحوالها، وتغريدات الأمير “عبدالعزيز بن فهد” المعارضة كشفت ذلك بجلاء، فضلا عن غياب الأمير “أحمد بن عبدالعزيز” عن مراسم مبايعة ابن سلمان وليا للعهد، بالإضافة إلى اختفاء الأمير “محمد بن نايف” وسط أنباء متواترة عن خضوعه للإقامة الجبرية.

أما المجتمع السعودي فيعاني من إجراءات اقتصادية تقشفية في ظل اتفاق ابن سلمان مع أميركا على عقود ومشاريع ب350 مليار دولار، فضلا عن حرب اليمن التي فشلت السعودية في تحقيق أي تقدم يذكر فيها، وتزداد خسائرها العسكرية والاقتصادية يوما بعد يوم، بينما التقارير الصادرة من هيئة الأمم المتحدة عن القتل العشوائي للمدنيين تتراكم، لتكون أداة لابتزاز آل سعود مستقبلا.

أما إقليميا فقد قزم “ابن سلمان” دور السعودية وجعلها تدور في الفلك الإماراتي مثلما فعل رفيقه السيسي بمصر.

وإسلاميا فقدت السعودية قوتها الناعمة، وصارت في أعين الكثيرين دولة استبدادية تعتقل العلماء والدعاة والمفكرين، وتدعم الانقلابات العسكرية والمجازر الدموية، وتحاصر الدول الأخرى دون وجه حق، وتبدد الثروات دون رقيب.

الشاهد أن الفوضى التي يثيرها ابن سعود الحفيد داخليا وإقليميا وإسلاميا قد يدفع ثمنها قبل غيره.

 

الآراء الواردة في التدوينة تعبر فقط عن رأي صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر “العدسة“.