تسنيم النخيلي
صحفية مصرية
حين قابلت بشار الأسد ..
في فصل دراسي مكتظ أجلس في الصف الأخير، أمثل دور الانهماك لأسقط التهمة الملتصقة بكل من يجلسون في الصف المذكور ، وأحاول أن أقنع المعلمة أني منتبهة لدرس التاريخ الممل المغلوط الذي أسمعه مضطرة لأننى أعي أن كل ما فيه لا يلتمس من الحقيقة النكراء.
تطرق “سارة” الباب مرة فلا يفتح لها أحد، فتضرب الباب بعنفوان بقدميها و تقول جملة أصبحت حديث المدرسة كلها لأيام تلت على سبيل المزحة: “الحقي يا تسنيم.. بتضِرب”.
كانت تستغيث، لا اعرف الدافع الذي جعلها تأتي مسرعة إلىّ، وتضرب الباب بقدميها لتصرخ بأعلى صوتها.
لم أتدراك الموقف حينها إلا وأنا أقفز من النافذة المجاورة لأجد نفسي وفي بضع ثوان خارج الفصل دون استئذان حتى من المُدرسة، ربما كانت حركات صبيانية تتناغم مع مرحلة عمرية تخبط خبط عشواء في تكويني ولو عادت السنون ما فعلتها.. لكن المحصلة أنني فعلت.
كنت أرى في نفسي تلك التي ما استغاثها أحدهم إلا وأغاثته، تفاقهم لدي شعور بأنني أستطيع أن أقف في وجه أي شيء وكل شيء، فقط لاسترداد حق لا ناقة لي فيه ولا جمل.
حتى تلك الليلة التي كشفت لي حقيقة منسية، كنت أغط في نوم عميق ،، وإذا بي أرى بشار الأسد في منامي، نعم رأيته واصطحبني في جولة في مدرستي القديمة “تلك التي قفزت من نوافذ إحدى فصولها ذات ليلة عندما قالت لي صديقة إنها تعرضت للضرب من أحداهن، فقط لأدافع عنها”.
كان يجمع الأطفال من الفصول واهمًا إياهم أنه سيأخذهم في نزهه في مكان بعيد وأنه سيعيدهم إلى ذويهم آخر النهار، وكنت أعلم أنا في قرارة نفسي أنه يجمعهم لمجزرة جديدة”.
كنت أًسرّح الأطفال من خلفه، يجمعهم هو و أفرقهم أنا حتى أعفيهم من موت محقق ربنا يطالهم بالكيماوي أو السارين
إلى أن وصل فصل تقف فيه “أمي”، فتح الباب وإذا بها يشتد عودها في وجهه وتسأله “ماذا تفعل هنا”؟
أقف أنا من خلفه وأشير لها أن تغلق فمها وتترفع عن السؤال ، وتصر هي على مواجهته، أجذبه أنا من طرف قميصه حتى لا يشتبك معها ، واستسمحه -نعم استسمحته- أن يغض طرفه عن هذا الحديث الذي لا يسمن ولا يغني من جوع من امرأة خمسينية، وأحاول إقناعه أنها ربما لا تعي ما تقول.
وأصرت أمي رغم كل محاولاتي وقالت، قاتل أنت، ظالم ، سفكت الدماء واستبحت الحرمات، وزادت في توبيخه وعلا صوتها في وجهه حتى نادى أحد زبانيته بأن يلقي بها في السجن دون رجعة وأفقت أنا على صرخاتي أن لا يمسها بسوء.
لكن مفارقة أكبر ظلت عالقة في ذهني لأيام، وعجزت عن تفسير هذا الخنوع الذي أصابني عندما رأيته، وأنا التي ظننت طويلاً أنه ولو جمعتني فقط صدفة بهؤلاء الظالمين فلن أتأخر ثانية عن قتلهم حتي لو “بالقباقيب” كموت شجرة الدر / ناهيك عن كلمة حق في وجههم البائس.
لكن الخوف تملك مني، ربما لو كان الخطر قد قاب قوسين أو أدني من أن يصيبني ما ترددت لحظة في أن أفصح بنفس كلماتها لكن خوفًا أكبر قد أسكتني، كان أكبر من إدعائي البطولة وخوض المعارك لاسترداد الحقوق.
كتب أحدهم ذات مرة: لا داعي لأن تفخر بمبادئك فلعلك إن اختُبرت سقطت.. وأعيش أنا بالمقولة ذاتها بعدما سقطت في الاختبار.. رغم أنه كان مجرد حلم.
اضف تعليقا