العدسة – منصور عطية

حرب تجارية توشك أن تندلع في العالم بين أمريكا من جانب وحيتان كبرى في عالم الاقتصاد؛ بسبب قرار الرئيس دونالد ترامب فرض تعريفات جمركية جديدة على واردات الولايات المتحدة تقدر بـ25% على الصلب، و10% على واردات الألمنيوم.

لكن الأمر قد لا يتوقف عند حدود التجارة، بل إن الارتدادات السياسية لتلك الحرب ربما تجرّ العالم إلى أزمات سياسية تفوق في تداعياتها آثار الحرب التجارية.

الصين تستعد للحرب

وتبدو الصين في تلك الأزمة هي العدو الأكبر للولايات المتحدة ورئيسها الذي طالما كان شغله الشاغل في حملته الانتخابية الهجوم على بكين واتهامها بقتل التجارة الأمريكية متعهدًا بالثأر منها.

وكما نفذ تعهداته في ملفات أخرى سياسية وأمنية، فلعله الآن بصدد تنفيذ واحد من أبرز وعوده، ورغم أنَّ الصين منتج رئيسي للصلب والألومنيوم في العالم، لكنها تؤمّن جزءًا ضئيلًا من الواردات الأمريكية من هذين المنتجين، وبالتالي فإنَّ هذه الرسوم الجديدة لن يكون لها تأثير كبير عليها في حال إقرارها.

لكن أبدت مخاوفها من الانزلاق في دوامة تخرج عن السيطرة، في وقت تضاعف واشنطن التحقيقات ورسوم مكافحة إغراق الأسواق ضد العملاق الآسيوي في مجالات عديدة تمتد من الغسالات إلى الألواح الشمسية.

التنين الصيني لم يقف متفرجًا وتدرجت ردود أفعاله منذ بداية الأزمة بمجرد دعوة ترامب إلى التراجع عن قراره والالتزام بضوابط حركة التجارة العالمية، إلى أن وصلت للتهديد بالاستعداد لحرب تجارية طويلة الأمد.

وحذرت من أن “الجميع سيتضررون في حال أطلق الرئيس دونالد ترامب حربًا تجارية”، ملوحة باحتمال اتخاذ إجراءات مضادة، وأعلن وزير الخارجية “وانغ يي” أنَّ بلاده ستعتمد “بالتأكيد ردًا مناسبًا وضروريًا” إذا ما فرضت الولايات المتحدة إجراءات تجارية ضدها.

وفي مؤتمر صحفي، الخميس، قال الوزير: “في ظل عصر العولمة، فإنَّ من يلجأون إلى حرب تجارية إنما يختارون العلاج الخاطئ، لأن جلّ ما يفعلونه هو أنهم يعاقبون أنفسهم”.

وكانت الصين ترأست مجموعة من 18 عضوًا في منظمة التجارة العالمية، دعت ترامب إلى إلغاء قراره، وبحسب أرقام الجمارك الصينية، فإنَّ الفائض التجاري للبلاد مع الولايات المتحدة بلغ 2.1 مليار دولار في فبراير الماضي.

تحليلات عديدة خرجت بنتيجة مفادها أنه بعيدًا عن الصلب والألمنيوم فإنَّ تصاعد التوتر بين الصين والولايات المتحدة يمكن أن يضر بالتبادلات الثنائية الأخرى، كما أنَّ أي تحرك أمريكي ضد الصين في مجال الملكية الثقافية يمكن أن يعقد المعطيات، ومن المحتمل أن تستهدف الصين في المقابل الزراعة الأمريكية.

لكن حدة اللهجة الصينية تصاعدت بعد تغريدة ترامب الجمعة، قائلًا إنَّ بلاده “تخسر مليارات الدولارات في العمليات التجارية”، وإنّ بإمكانها “الانتصار بسهولة” في الحروب التجارية، واعتبر ترامب أنَّ هذه الحروب “أمر جيد”.

العالم غاضب

وأثار ترامب موجة تنديد عالمية بإعلان عزمه على فرض رسوم جمركية مرتفعة، ثم تهديده بفرض “رسوم على أساس المعاملة بالمثل” على شركاء الولايات المتحدة التجاريين الذين يردون بتدابير مماثلة.

مؤخرًا انضمّ صندوق النقد الدولي لموجة الانتقادات، محذرًا من أنّ هذه الخطوة ستضر بالولايات المتحدة، كما ستضر بالدول الأخرى، وأشار إلى أنَّ دولًا أخرى ربما تحذو حذو ترامب، وتدّعي ضرورة فرض قيود تجارية صارمة، بجحة الدفاع عن أمنها القومي.

وقالت كندا، أكبر مصدر للصلب إلى الولايات المتحدة، إنَّ هذه الرسوم “ستسبب ارتباكًا على جانبي الحدود بين البلدين”، بعد أن أعلنت أنها ستدرس اتخاذ إجراءات مماثلة، إذا ما مضى ترامب في تنفيذ خطته.

وأعلن مسؤولون في الاتحاد الأوروبي أنهم يدرسون فرض تعريفات جمركية، بنسبة 25 % على واردات الاتحاد من الولايات المتحدة، التي تقدر بنحو 3.5 مليار دولار.

وسبق أن أعلنت كل من كندا والمكسيك والصين واليابان والبرازيل أنهم يدرسون اتخاذ إجراءات مماثلة، ردا على هذه الخطوة.

وانتقد رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو التعريفات ووصفها بأنها “غير مقبولة بالمرة”، وقال، في تصريحات للصحفيين في مدينة أونتاريو: “واثق من أننا سنبقى قادرين على الدفاع عن الصناعة الكندية”.

وقال كوسي شيندو، رئيس اتحاد الحديد والصلب في اليابان: إن هذه الخطوة سوف “تثير سلسلة من ردود الفعل السلبية، ستؤثر ليس فقط على الصلب، وإنما أيضًا على منتجات أخرى، ينظر لها باعتبارها ذات تأثير على الأمن القومي”.

وأعربت العديد من الشركات الأمريكية عن انزعاجهم من التعريفات، بما فيها شركات تصنيع الجعة، التي تستخدم الألومنيوم في تصنيع عبوات المشروبات.

ارتدادات سياسية للأزمة

شبكة “سي إن إن” الأمريكية، حذّرت من أن هجوم ترامب الأخير قد يتسبب في إذكاء خصومة اقتصادية مع بكين، قد تتسبب في انتقام سياسي بمشاكل مصيرية مثل موضوع كوريا الشمالية أو بحر الصين الجنوبي.

ولعل أبرز المخاوف الأمريكية تكمن في أن ترد الصين على أي حملة تجارية أمريكية ضدها، عن طريق التباطؤ في التعاون فى تنفيذ العقوبات ضد كوريا الشمالية، التي تعد عنصرًا رئيسيًا فى “حملة الضغط”، التي تقوم بها إدارة ترامب لإجبار بيونج يانج على التفاوض حول برامجها النووية.

وحذّر مسؤولو المخابرات الأمريكية من أن كوريا الشمالية قد تكون على بُعد بضعة أشهر من تحقيق هدفها المتمثل في تصنيع صاروخ قادر على حمل رأس نووي، يمكن أن يصل إلى البر الرئيسي الأمريكي.

وأكد مسؤولون في الإدارة الأمريكية، أنَّ الهدف من فرض العقوبات والضغط الدبلوماسي، للحيلولة دون الوصول إلى النقطة التي يتعين فيها على الولايات المتحدة أن تقرر ما إذا كانت ستشارك في عمل عسكري لوقف كوريا الشمالية.

وعلى الرغم من تنفيذ سلسلة من العقوبات على كوريا الشمالية في الأشهر الأخيرة، أشار المسؤولون الأمريكيون منذ فترة طويلة إلى أنه يجب على الصين أن تلعب دورًا رئيسيًا في تنفيذ هذه العقوبات؛ حيث يحذر بعض الخبراء من أن السياسة العدائية، التي تتبعها الولايات المتحدة في التجارة، لن تضيف سوى المزيد من التحديات الصعبة لإقناع بكين بالمشاركة بقوة فى هذه القضية.

ونقلت “سي إن إن” عن مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأمريكية، قوله إنَّ “الولايات المتحدة تبذل كل ما في وسعها لزيادة ضغط العقوبات على كوريا الشمالية، لكن هذا لن يكون كافيًا ما لم يفعل الصينيون نفس الشيء”. وأضاف “أن هناك خطرًا كبيرًا من أن يضعف عدم رضا الصين عن السياسات التجارية للرئيس ترامب، من استعدادها للتعاون والمساعدة على تحريك الكرة إلى الأمام في قضية كوريا الشمالية”.

وأشار إلى أنَّ “كوريا الشمالية ماهرة جدًا في التهرب من العقوبات، وإذا لم تبذل الصين وروسيا ما في وسعهما لمنعها، فإننا سنمر بفترة طويلة؛ حيث ستكون العقوبات غير فعالة بما يكفي لتقديم أي حافز حقيقي لكوريا الشمالية، للسير بجدية في المسار الدبلوماسي”.