العدسة – منصور عطية
بينما كان الفلسطينيون ينتظرون يوم غدٍ الجمعة 8 ديسمبر، لإحياء مرور 30 عامًا على انتفاضتهم الأولى، باتوا في طريقهم لإشعال انتفاضة رابعة ردًّا على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي.
قد تكون الانتفاضة في هذه المرة مختلفة عن المرات السابقة، في سياقها وملابساتها والظروف المحيطة بها، على نحو يجعل السيناريوهات مفتوحة على مصارعها بشأن مآلات وتداعيات “انتفاضة القدس” المحتملة.
القدس توحد الفرقاء
وربما أتت أزمة القرار الأمريكي بشأن القدس في وقتها لتصب في صالح إنهاء الانقسام الفلسطيني، وتوحيد فرقاء القضية، حيث تزامن القرار مع منعطف خطير تتعرض له المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس.
لكن مع ضخامة الحدث تراجع الطرفان عن خلافاتهما البينية، واتفقا على ضرورة أن تحتل القدس واجهة القضية الفلسطينية، بل توافقا على ضرورة التصعيد الرسمي والشعبي، وإن تفاوتت درجة التصعيد بينهما.
التنسيق استبق القرار الأمريكي، حيث اتفق رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، على ضرورة خروج الجماهير وتوحيد جهود الشعب الفلسطيني لمواجهة المخاطر التي تهدد القدس.
“عباس” الذي قال إنه “سيتخذ قرارات مهمة إذا أقدمت واشنطن على خطوة تدعم سيادة إسرائيل على القدس”، شدد على ضرورة التقدم السريع في خطوات المصالحة وتحقيق الوحدة الوطنية.
وفي بيانه المتلفز قال: “إن هذه اللحظة التاريخية ينبغي أن تشكل حافزًا إضافيًّا لنا جميعًا، لتسريع وتكثيف الجهود لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية ضمانة انتصار شعبنا في نضاله من أجل الحرية والاستقلال”.
الطرفان اتفقا على أن قرار ترامب لن يغير من حقائق التاريخ والجغرافيا بشأن عروبة القدس، وبينما اعتبر عباس القرار بمثابة إعلان انسحاب أمريكي من عملية السلام بالشرق الأوسط، قالت حماس إنه “سيفتح أبواب جهنم” على المصالح الأمريكية.
سلاح الانتفاضة الرابعة.. ماذا يكون؟
يبدو أن أي تحركات محتملة لتلك الانتفاضة ستكون مدفوعة في المقام الأول بحالة التوافق الفلسطيني النادرة، كما ستكون مشفوعة بإجماع دولي غير مسبوق للقضية الفلسطينية، شكلته مواقف دول كثيرة عربية وغربية ضد القرار الأمريكي.
ومن المرتقب أن تضفي هذه المواقف الرافضة لقرار “ترامب” مزيدًا من المشروعية لردات الفعل الفلسطينية المتوقعة، والتي يمكن أن تشمل أعمال عنف ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي.
ولعل رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو يدرك ذلك جيدًا، فلجأ إلى تقديم ما يمكن أن نسميه “تطمينات” للمجتمع الدولي والفلسطينيين، بتصريحه أن الوضع في القدس سيبقى على ما هو عليه الآن.
في ظل حتمية وقوع انتفاضة فلسطينية رابعة، يبقى التساؤل الأبرز عن مدى اتساع تلك الانتفاضة، وما يستخدمه أصحابها من وسائل ينتظر أن يكون السلاح جزءًا منها.
بات من المؤكد إذن أن الانتفاضة الرابعة لن تقتصر وسائل المقاومة فيها على ما سبقها من الحجارة والسكين، بل يمكن أن تتخذ أبعادًا أكثر دموية إذا أطلقت المقاومة الفلسطينية في القدس والضفة الغربية يدها ضد الاحتلال.
وعليه فإن اندلاع اشتباكات بين المقاومين والشبان الفلسطينيين من جانب، وقوات الاحتلال والمستوطنين من الجانب الآخر، تظل احتمالًا شبه مؤكد، خاصة مع توالي الإجراءات الإسرائيلية المترتبة على قرار “ترامب”.
الانتفاضات الفلسطينية من الحجارة إلى السكين
في سبتمبر 1987 صدمت شاحنة إسرائيلية سيارتين فلسطينيتين كانتا تقلان عمالاً من مخيم “جباليا” في قطاع غزة، وأسفر الحادث عن استشهاد 4 فلسطينيين، مما أثار غضب سكان المخيم الذين خرجوا إلى الشوارع يرشقون جنود الاحتلال بالحجارة، فكانت الانتفاضة الأولى التي عُرفت بـ “انتفاضة الحجارة”.
انتشرت التظاهرات المعادية للاحتلال فيما بعد، وشملت جميع فئات الشعب الفلسطيني، واستمرت لمدت 6 سنوات، أي حتى 1993، بحصيلة شهداء وصلت إلى أكثر من 1000 شهيد، بينهم 241 طفلاً، فيما وصل عدد المصابين لأكثر من 80 ألف مصاب، واعتقال حوالي 15 ألف فلسطيني.
في أواخر سبتمبر عام 2000، اندلعت شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية، عقب اقتحام أرييل شارون، رئيس حكومة الاحتلال حينها، باحات المسجد الأقصى، في ظل حماية نحو 2000 من جنود الاحتلال، متجولاً في ساحات المسجد، وقال إن “الحرم القدسي سيبقى منطقة إسرائيلية”.
على إثر ذلك اندلعت المواجهات بين المصلين والجنود الإسرائيليين، مما أسفر عن مقتل 7 فلسطينيين وإصابة 250، ثم استمرت المواجهات العنيفة داخل مدينة القدس، ومنها إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، في إعلان واضح وصريح عن قيام “انتفاضة الأقصى”.
وكان الطفل “محمد الدرة” رمزًا للانتفاضة الثانية، وأيقونة عاشت لسنوات عديدة عقب ظهوره برفقة والده، الذي حاول حمايته من رصاص جنود الاحتلال، فتحول الغضب الفلسطيني إلى نطاق أوسع، امتد للدول العربية وجميع أنحاء العالم.
تصاعدت المواجهات بعد استشهاد “الدرة”، ونفذت الفصائل الفلسطينية هجمات داخل المدن المحتلة، وكانت الحصيلة استشهاد 4412 فلسطينيًّا إضافة إلى 48 ألفًا و322 جريحًا، بينما قُتل 1100 إسرائيلي.
وفي أكتوبر 2015، كتب الشاب الفلسطيني، مهند حلبي، 19 عامًا: “مُستعد للموت من أجل انتفاضة ثالثة”، وذلك بسبب الاعتداء الإسرائيلي على نساء القدس وهن يرابطن في المسجد الأقصى.
وبالفعل لم يمر وقت كبير، حتى نفذ عملية طعن أدت إلى مقتل مستوطنين بينهما حاخام في الجيش الإسرائيلي في شارع الواد بالبلدة القديمة في القدس.
الحادث أدى إلى قيام الانتفاضة الثالثة التي عرفت باسم “انتفاضة السكاكين”، واستمرت المواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين، استخدم فيها الفلسطينيون كل أنواع السكاكين المتوافرة لديهم، من سكين المطبخ إلى الخنجر في هجماتهم المتصاعدة على الإسرائيليين، لمواجهة رصاص الاحتلال وقنابله، من خلال تنفيذ أكثر من 20 عملية طعن.
استمرت الانتفاضة الثالثة حتى عام 2016، وراح ضحيتها 192 شهيدًا فلسطينيًّا، كما قُتل 30 إسرائيليًّا.
اضف تعليقا