جاء مرسي، مرشحا رئاسيا، وكل قوى الثورة ضده، لأسباب بعضها أيدولوجي، وكثير منها يتعلق بالأداء السياسي للاخوان في الفترة الانتقالية، دخل مرسي الاعادة مع شفيق، فقرر الجميع تجميد الخلاف ودعمه لافشال مرشح دولة مبارك، أما من كانوا لا يرون فرقا بين الاخوان والعساكر فقاطعوا في هدوء، دون افتعال معارك أو تخوين رفاقهم ممن اختاروا دعم مرسي، كان من بين الداعمين والداعين الى “عصر الليمون” من يعتبرهم الاخوان الآن ألد أعداءهم، وأعداء الله، لمجرد أنهم لم يوقعوا للرئيس مرسي على بياض ولم ينضموا لجوقة مؤيدي قرارات الرئيس الساعة “٣ بعد الظهر” ومؤيدي تراجع الرئيس عن قراراته بعدها بنصف ساعة!

نجح مرسي، وحكم، فتح صدره في ميدان التحرير، فهلل له الجميع، كان في الميدان وقتها من يهتف لمرسي وهو الذي لا يطيق وجود إخواني في قوائم أصدقائه الافتراضيين!، كنا نهتف نكاية في دولة مبارك التي أسقطناها مرتين، واحدة في الميادين وأخرى في الصناديق، هكذا تصورنا، كنا متفائلين، لم لا؟، اذا أدى الاخوان في الحكم كما أدوا في ميادين الحرية فأهلا بهم، ألف مرة!

نسي الرفاق أداء المرحلة الانتقالية، نسوا تحالف الاخوان مع العساكر، نسوا الطرمخة على هروب الامريكان من سجونهم في قضية منظمات المجتمع المدني، نسوا تبريد الرأي العام ببيان خايب في مذبحة ماسبيرو، نسوا تخوين متظاهري اعتصام يوليو، ووصفها بجمعة الوقيعة بين الجيش والشعب، ومليونية العلمانيين والكفرة، نسوا الخوض في الأعراض السياسية والثورية لمتظاهري محمد محمود ووصفهم بالبلطجية، الذين أرادوا أن يفسدوا “العرس” الديموقراطي، نسوا أداء الإخوان وحلفائهم في البرلمان، وقبلات أصحاب اللحى علي “صدغ” مصطفى بكري لأنه وصف البرادعي بالعمالة للأمريكان، نسوا الدفاع عن الشرطة، وإنكار رصاصات الخرطوش، وتنييم المسائل في الدرج لحين استلام البلد، نسوا كل وساخات المرحلة الانتقالية، نسينا، بالأحرى تناسينا، مع سبق الاصرار والترصد، وليتنا توقفنا عند التناسي، بل هاجمنا من لا يريد منا ألا يشاركنا النسيان المسيس، وذكرناهم – على سبيل الشرشحة الثورية – بوساخاتهم السياسية، واتخذناها مبررا لتمرير وساخات الاخوان، بوصفها إكراهات المرحلة!

كنا نتطلع الى نجاح لا يعطله خلاف، نجاح قوي وسريع نثبت به لأنفسنا أن من ماتوا لم يذهبوا هباء، وأننا أنجزنا شيئا ما يذكر، أي شيء!

تقدم مرسي خطوة أخرى للأمام وعزل طنطاوي وعنان، لم تكن الخطوة ثورية بامتياز، فقد دفعنا ثمنها تكريما غير مستحقا لقاتلين، وصنمين في معبد مبارك، خرجا بشكل لا يليق بهم، ولا يليق بنا، ومع ذلك انبسطنا، “هيصنا”، سمينا ما حدث بـ “القضاء على الحكم العسكري”، ونزلنا إلى الاتحادية لدعم سيادة الرئيس، صورنا هناك تشهد، بوستاتنا تشهد، كل من اتهمهم الاخوان من بعد بأنهم “بتوع “تلاتين سونيا”، كانوا داعمين “حقيقين” لا تحركهم أوهام الشعارات الإسلامية، ولا مصالح دولة “سي خيرت”، لا ينتظرون الجنة جزاء لدعمهم، ولا ينتظرون كرسيا في “كلوب” قنديل!

وقتها عملنا هاشتاج #جدع_يا_مرسي، بجملة الدعم والتأييد، و”اسم الله عليه اسم عليه”، أي نعم، نحن فعلنا، ولا نندم، ذلك لأن أداء مرسي وقتها كان يستحق، دعمناه حين استحق الدعم، وتراجعنا حين تراجع، وقفنا معه حين كان معنا ومع الجميع، ووقفنا ضده حين وقف ضد الجميع، حين فضل الأهل والعشيرة على الجميع، حين راهن على الجيش وعلى وزير بنكهة الثورة، ولم يراهن على يناير وشعبها، هذه هي طبيعة أصحاب المبدأ – بعيد عنكم – ، ولكن أكثر المنتفعين لا يعلمون، لا يشعرون، لا يؤمنون، ولا يجيدون شيئا سوى “الغل” المجاني إزاء كل من يعارضهم عن استحقاق، حتى لو كان يوما من داعميهم عن استحقاق!

اعتبر الاخوان تأييد غيرهم لهم “حق” لهم، واعتبروا معارضة مؤيدي الأمس خيانة لله وللثورة وللصندوق ولدماء الشهداء، وسببا في كل مصايب الدنيا من قتل قابيل لأخيه، إلى تحول شبابهم الى داعش عقابا للحياة التي لم تقدر جهودهم!

مرسي أدى بشكل سيء ليس لأنه سيء ولكن لأن التيار المدني لم يدعمه!، مؤسسات الدولة لم تدعمه، الجيش، “بنكهة الثورة، لم يدعمه، الشرطة “في القلب من ثورة يناير”، لم تدعمه، لم تفلح كل محاولات “المحلسة الفلاحي” في تحويل ولاء الكلاب إلى غير صاحبها، أو بالأحرى في تغيير نواميس الكون!

الانقلاب نجح في مصر ، ليس لأن مرسي لم يستطع السيطرة على مؤسسة واحدة، ليس لأنه حكم دولة بحجم مصر دون غطاء إعلامي قوي، ليس لأنه لم يتخلص من رجال مبارك قبل أن يتخلصوا منه، ومن الثورة التي جاءت به، ليس لأن أداءه الإقليمي كان “منيل بنيلة”، ليس لأي سبب يخص الرجل ولا حزبه ولا جماعته ولا فصيله الأيدولوجي بأكمله ولا البقال “اللي فاتح جنب بيتهم”، ولكن بسبب الآخرين، الآخرون متآمرون، الآخرون غيورون، الآخرون حاقدون، الآخرون هم السبب، الرئيس حلو، و”اللي حواليه حلوين”، الآخرون هم الجحيم!،

الشيء نفسه تعرض له رجب طيب أردوغان، أيقونة النجاح الإسلامانية، ولم يزل، الجميع كان ضده ونجح، الجميع تآمر عليه، ومر، الجيش لغاية “أول امبارح”، يحاول الانقلاب، يخطط لانقلاب، يعلن عن انقلاب، ينزل بدباباته، يحاصر الرئيس، يحاول اغتياله، يذيع بيان الانقلاب، ثم؟ ينتصر أردوغان، فما السبب؟

ليس تخطيط أردوغان، ولا إعادة هيكلته لقطاع من الشرطة، ولا جهاز مخابراته الذي يدين له بالولاء، السبب هو نزول الأتراك بأعلام بلدهم الحمرا، بالليل والدنيا صاقعة، وتصريحات أحزاب المعارضة المؤيدة، بالنهار والدنيا نور، هؤلاء هم من قضوا على الانقلاب بالصلاة على النبي،  بتصريحاتهم وأعلامهم .. الحمرا”!

الآخرون هم سبب الفشل، والآخرون – عند الآخرين – هم سبب النجاح، “عايزني أنجح نجحني”، “أنا مش جاي أشتغل إنتوا اللي هتشتغلوا يا ماسريين” … “هو بعينه بغباوته” …

متى؟

متى يقتنع الاخوان بمسؤوليتهم عن أي شيء يحدث لهم أو منهم؟!

متى يقتنع الإسلاميون بأنهم من عباد الله المسئولين، وأنه وحده من لا يسأل عما يفعل، والإخوان يسألون؟!

متى يتذكر الإخوان، ومن ورائهم جوقة المهللين والمطبلين، أن الناس لم يكونوا أعدائهم، وأنهم من حولوا مؤيديهم إلى معارضين ثم إلى كارهين، ثم إلى معادين؟

متى يدركون أن الذين كانوا يبلغون عنهم الجيش الشرطة، بعد رابعة، ويسلمونهم، ويشمتون بهم وبدمائهم – وهي جريمة دون فصال – هم أنفسهم الذين وقفوا بالملايين أمام اللجان لينتخبوهم، دون غيرهم؟

متى يتذكرون أن الشعب “العبيد” الذين يحتاجون للإخوان ليصرخوا في وجوههم “هنحرركم غصب عنكم”، هم أنفسهم “شعب مصر العظيم الذي لا يقبل الضيم ولا يرضى الدنية في دينه أو وطنه”؟!

متى يفيق الإخوان ويكفون عن نكش رؤوسهم على طريقة ” عبد الفتاح القصري” في “لو كنت غني”، ويطالبوننا بالكتاكيت لأنهم يريدون شراء “ترعة المظلومية”، غرقنا، فمتى؟

الآراء الواردة في التدوينة تعبر فقط عن رأي صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر “العدسة