العدسة – معتز أشرف
نجاح تركيا في عفرين فرض نفسه علي إدلب، في إطار الاتفاق الجديد الذي وقع بين الدول الضامنة لمسار الأستانة، حيث انتعشت الآمال من جديد من فرض تركيا فصلًا جديدًا من التهدئة على المدينة التي تشتهر بزراعة الزيتون ويطلق عليها إدلب الخضراء، وهو ما نتوقف عند مؤشراته وبنك أهداف الأتراك من التواجد في هذا المكان بالذات.
اتفاق جديد
إدلب هي إحدى مناطق “خفض التوتر” التي أنشئت في إطار اتفاق أعلنت الدول الضامنة لمسار أستانة (تركيا وروسيا وإيران)، أنها توصلت إليه منتصف سبتمبر 2017، وتضم هذه المناطق أجزاء محددة من محافظات حلب (شمال)، وحماة، واللاذقية، وشملها اتفاق جديد قبل أيام توصلت له الدول الضامنة، تركيا وروسيا وإيران، في ختام مؤتمر أستانة، حيث تضمن مواصلة العمل في منطقة خفض التوتر وحماية نظام وقف إطلاق النار بمحافظة إدلب، شمالي غربي سوريا، مؤكدين أهمية تنفيذ مذكرة إنشاء مناطق خفض التصعيد في 4 مايو/آيار 2017، والاتفاقات الأخرى التي تم التوصل إليها، آخذًا بعين الاعتبار تقييم تطور الوضع على الأرض، بعد مرور عام على توقيع المذكرة، وتم الاتفاق على عقد مشاورات مشتركة مع المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا (ستيفان دي ميستورا)، وكذلك مع الأطراف السورية، من أجل تهيئة الظروف لتسهيل بدء عمل اللجنة الدستورية في جنيف في أقرب وقت ممكن، والقيام بهذه الاجتماعات على أساس منتظم”، فيما أعلنت القوات المسلحة التركية في وقت سابق استكمال إقامة النقطة الأخيرة من نقاط المراقبة الـ 12 في إدلب السورية، لمراقبة وقف إطلاق النار في إطار اتفاقية “خفض التوتر”.
يأتي هذا الاتفاق بالتزامن مع تحذير شديده اللهجة من المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، لمجلس الأمن الدولي من تكرر “سيناريو” الغوطة الشرقية، في محافظة إدلب شمالي سوريا، وأن المدنيين سيدفعون “ثمنًا باهظًا”، وقال المسؤول الأممي: “إذا شهدنا سيناريو الغوطة الشرقية يتكرر مرة أخرى في إدلب، فسوف يكون الوضع أسوأ ست مرات لأكثر من 2.3 مليون شخص نصفهم من النازحين داخليًا”، فيما ناشد دي ميستورا، أعضاء المجلس تقديم الدعم اللازم من أجل استمرار عمل مناطق خفض التصعيد، مشيرًا إلى أن “الأطراف المعنية بإمكانها وضع بعض القواعد في هذا الصدد، وهو ما يتطلب دعمًا قويًا من المجلس ومن الدول التي لديها نفوذ على تلك الأطراف المعنية”.
مهمة متعددة الأغراض
تركيا وضعت مهمة متعددة الأغراض في إدلب، ويهدف الانتشار التركي إلى دعم توفير الظروف الملائمة من أجل ترسيخ وقف إطلاق النار في سوريا بين النظام والمعارضة، وإنهاء الاشتباكات، وإيصال المساعدات الإنسانية، وتهيئة الظروف المناسبة لعودة النازحين إلى منازلهم، خاصة بعد أن كانت هناك مخاوف من بدء موجة عنف كبيرة مؤخرا ضد إدلب من قبل نظام الأسد والمجموعات المدعومة من إيران وروسيا الداعمة له، في حال عدم تطبيق منطقة خفض التوتر، وبالتالي كانت هناك خشية من احتشاد ملايين الأشخاص على الحدود بغية العبور إلى الأراضي التركية، ومن المفترض أن يساهم الانتشار الذي بدأه الجيش التركي بهدف ضمان وقف إطلاق النار في إدلب، في توفير الأمن للمدنيين، ومن ثم الحيلولة دون حدوث موجة لجوء محتملة إلى تركيا، خاصة أن أكثر من مليون نازح يقيمون حاليا في مخيمات منتشرة بالجانب السوري، قرب الحدود مع تركيا، فضلا عن بناء جدار أمني أمام انتشار تنظيم “بي كا كا / ب ي د” الإرهابي.
ووفق تقدير موقف لمركز الشرق الأوسط للبحوث الاستراتيجية فإنه بالنسبة لتركيا، من الأهمية بمكان أن تُحلّ مشكلة إدلب دون تدخل جهات أخرى، لا سيما أنه في حال عدم تدخل تركيا في هذه البقعة الجغرافية، فإنها ستكون مُستهدفة من قِبل قوى دولية لا تمتّ إلى المنطقة بصلة، وبالإضافة إلى احتمال تعرّض المحافظة لتدخلات أجنبية، فإنّ هناك احتمالًا أن تكون مطمعًا لتنظيم “ب ي د” الإرهابي الراغب في توسيع رقعة المساحة التي يسيطر عليها، ولو كان هذا الاحتمال ضعيفا، ومن جهة أخرى، فإنّه من المعلوم وجود أعداد كبيرة من المتطرفين في إدلب، ولو أنهم لا يشكلون حاليا خطرا مباشرا على تركيا، فإنه في حال حدوث اشتباكات، داخل المدينة، فلا توجد جهة تضمن عدم توجه هؤلاء المتطرفين نحو تركيا، واستنادا لكل العوامل التي ذُكرت، فإنّ تدخل تركيا في هذه المحافظة بشكل مباشر، أمر ضروري للحفاظ على أمنها واستقرارها، وللحيلولة دون تعاظم قوة الجماعات المتطرفة الموجودة بداخلها، ولمنع القوى الأخرى من التمركز فيها بحجة مكافحة المتطرفين.
وبحسب البروفيسور جنكيز طومار أستاذ قسم العلاقات الدولية في جامعة يالوفا وخبير في العلاقات الدولية والتاريخ السياسي للشرق الأوسط فإن إدلب نقطة استراتيجية حيوية، على مدار سنوات الحرب الست، وستكون كذلك مستقبلا، سلما أو حربا، وتأتي أهمية إدلب بالنسبة لتركيا من كون تنظيم “ب ي د” الإرهابي سيطر على كامل الحدود التركية السورية، باستثناء هذه المنطقة ومدينتي جرابلس والباب، بريف حلب، اللتين تمّ تحريرهما بفضل عملية درع الفرات.
وبشأن الموقف المستقبلي، كشف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أنه يريد أن يبسط سيطرته على محافظة إدلب، ومن ثمَّ يتجه إلى ثلاث نقاط جديدة بسوريا، مؤكدًا أنه يريد “بسط السيطرة على إدلب ومن ثمَّ التوجُّه إلى تل رفعت ومنبج، وهناك مناطق في سوريا نتعرض منها لتهديدات خطيرة، بينها عين العرب”.
آمال بالنجاح
وبحسب تقارير إعلامية، بدأت التكهنات حول احتمال أن تنتقل إدلب من منطقة “خفض تصعيد” إلى منطقة وقف إطلاق نار شامل، على غرار منطقة “درع الفرات” شمال حلب، خاصة أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان أعلن أن “الانتهاء من إنشاء آخر نقطتي مراقبة ستكون تركيا قد أنهت المشاكل الموجودة في إدلب إلى حد كبير، كما أكد ألكسندر لافرنتييف، مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا، أن “تحويل منطقتي خفض تصعيد (إدلب ودرعا) لمناطق آمنة أمر واعد ومطلوب في سوريا، سواء بالشمال أو المناطق الأخرى بالجنوب، كما نأمل أن يساعد نشر المراقبين الأتراك في نقاط المراقبة بإدلب في استقرار الوضع، وعدم حدوث أعمال عدائية”.
وبحسب مراقبين فإنّ إعلان إدلب منطقة وقف إطلاق نار شامل، مرتبط بإعلانها مدينة خالية من أي تواجد لقوى مصنفة بأنها إرهابية، سواء على القوائم الروسية أو الأمريكية أو الدولية، خاصة أن كل طرف دولي سيجعل من المنظمات المصنفة بالإرهابية في إدلب هدفا له ولو كانت هذه المنظمات عبارة عن مجموعات عسكرية صغيرة، وتركيا تدرك هذه الحقيقة جيدًا، لكن المشهد على أرض إدلب يؤكد أن الوقت ما زال باكرا على إعلانها منطقة آمنة، لا سيما وأن تركيا لم تظهر أي توجهات سياسية أو عسكرية جديدة للتعامل مع الوضع داخل إدلب الذي يرزح تحت فوضى السلاح””.
في هذا الإطار أعرب رئيس الوفد الروسي إلى مباحثات “أستانا“ ألكسندر لافرنتييف عن أمله في مساعدة تركيا بمنع حدوث مواجهات بين الفصائل الثورية في إدلب وبين قوات النظام والقضاء على وجود “النصرة” هناك، وداعياً إلى توسيع مسار “أستانة” ليكون بديلاً لـ”جنيف”، وقال: “تحويل منطقتَيْ خفض تصعيد (إدلب شمالاً ودرعا جنوباً) لمناطق آمِنة أمر واعد ومطلوب”، مؤكدا أهمية مساعدة الأتراك بشأن إدلب حيث “التزموا توفير الاستقرار والأمن في هذه المنطقة، وأهمّ شيء مَنْع حدوث مواجهات جديدة محتمَلة بين المعارضة، بما فيها المسلحون المتشددون في إدلب، وبين القوات السورية”.
اضف تعليقا