يأمل الأردنيون أن تكون النتائج التي من المرتقب أن تصدر عن اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، نتائج جوهرية، تحيي مفهوم المشاركة السياسية، وتحقق لهم دورًا فاعلًا في صنع القرار في البلاد. وكانت هذه اللجنة قد شكلت في 10 يونيو/ حزيران الماضي، بهدف إحداث تغييرات مفترضة في شكل الحياة السياسية في الأردن. كذلك أصدر ملك الأردن، عبد الله الثاني،  ما تعرف بـ “الأوراق النقاشية”، بين أكتوبر/ تشرين الأول 2016، وأبريل/ نيسان 2017. ويبلغ عدد هذه الأوراق 7، وهي تمثل رؤيته لتحقيق الإصلاح الشامل.‎

وحدد الملك حينها المحاور التي من المفترض أن تناقشها اللجنة، التي على رأسها رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي. حيث أوضح في كتاب تكليفه محاور التحديث المطلوبة في المنظمة السياسية الأردنية، وقرر أن إصدار نتائجها من توصيات ومشاريع القوانين المقترحة، يجب أن يكون قبل انعقاد الدورة العادية المقبلة لمجلس الأمة، الذي هو شقيّ البرلمان الأردني، في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.

وتتلخص مهمة اللجنة، بحسب الرسالة الملكية، في وضع مشروعي قانون جديدين للانتخاب والأحزاب، والنظر بالتعديلات الدستورية المتصلة حكمًا بالقانونين وآليات العمل النيابي، وتقديم التوصيات المتعلقة بتطوير التشريعات الناظمة للإدارة المحلية، وتوسيع قاعدة المشاركة في صنع القرار.

كما تتولى اللجنة، التي تتألف من 92 عضوًا يمثلون مختلف الأطياف السياسية والفكرية والقطاعات، تقديم التوصيات المتعلقة بتهيئة البيئة التشريعية والسياسية الضامنة لدور الشباب والمرأة في الحياة العامة

 

تحديث المنظومة السياسية بضمان ملكي

وكان الملك عبد الله أكد في كتاب تكليفه لرئيس اللجنة عزمه على التغيير وبأنه الضامن لتطبيق المخرجات. ويبدو أن العامل الاقتصادي هو أحد الدوافع الكبرى لكي يتخذ الملك مثل هذا القرار. حيث إن العاهل الأردني يبحث عن استقرار سياسي في الداخل، يترتب عليه إصلاح اقتصادي، فديون بلاده تصل إلى أكثر من 50 مليار دولار، ونسبة بطالة تزيد على 25 بالمئة من عدد السكان، وهناك تباطؤ كبير في الإنتاج، فضلًا عن بروز وباء كورونا، الذي أضعف الإمكانات الاقتصادية بشكل واضح وصريح.

ويرى البعض أن الإصلاح السياسي والاقتصادي يجب أن يسيرا جنبًا إلى جنب، بحيث يرافق العمل على الجانب السياسي عمل آخر على الجانب الاقتصادي، وحتى تنجح عملية التطوير السياسي، لا بد من إعادة النظر في المنظومة الاقتصادية بتعديل التشريعات الناظمة للنشاطات الاقتصادية، ليكون الإصلاح يجب أن يكون شاملًا ومتكاملًا.

 

التركيبة الداخلية للجنة تحديث المنظومة السياسية

وتأتي اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية من مشارب وتيارات مختلفة، ما يعني من ناحية أنها تمثل الجميع، وهذا جيد حتى لا يشعر أحد الأطراف بالتهميش في مرحلة مهمة كهذه. إلا أنها من ناحية أخرى تظهر صعوبة التوصل إلى توافقات ترضي الجميع، لا سيما أنها تمثل تيارات وأيديولوجيات، مختلفة وإنما متعارضة في مختلف الأحيان.

كذلك أطلقت اللجنة مؤخرًا موقعها الإلكتروني (https://tahdeeth.jo/) لتلقي آراء المواطنين وأفكارهم حول أعمال اللجنة المتواصلة، تنفيذًا للرسالة الملكية التي شكلت بموجبها.

لكن هناك ثمة شيء من عدم التفاؤل حول ما قد ينتج عن لجنة  كهذه. حيث إن التجارب السابقة أثبتت عدم إمكانية وصول اللجان إلى نتائج ملموسة وواقعية، ولم تحقق آمال المواطنين بمخرجات ترضي طموحاتهم. ففي ذاكرة الشعب الأردني وبعض من نخبه الكثير من التجارب الإصلاحية التي ابتدأت بتشكيل لجان، من دون أن تحقق أية نتائج. 

كذلك، فإن تشكيل اللجنة قد يتضارب مع دور السلطة التنفيذية التي من واجبها أن تطرح مشاريع إصلاحية تهم الدولة والمجتمع، والحال ذاته بالنسبة إلى السلطة التشريعية التي يمثلها البرلمان بشقيه.

 

الأردن ليس بحاجة للجنة

وربما لا يحتاج الإصلاح في الأردن أصلًا إلى لجان جديدة؛ كون الأردن لديه ترسانة قانونية وتشريعية وحتى تجربة سياسية ليبني عليها. حيث تمتلك عمان دستورًا شاملًا ومقبولًا من الجميع منذ عام 1952، كما أن هناك ميثاقًا وطنيًا بعد الانفتاح السياسي عام 1991، علاوة على ذلك، توجد كتب التكليف السامي التي تبين وتحدد دور السلطة التنفيذية ومسارها وأهدافها.

لذا يتساءل بعض الأردنيين: لماذا لم نستفد من الأوراق الملكية السبعة؟ ألا تمتلك هذه الوثائق رؤى وأساليب ومناهج لتطبق على أرض الواقع؟ وفي الحقيقة، فإن كل ذلك يشي بأن الأردن غني بالتشريعات القانونية والمبادرات الملكية، وما ينقصه هو تحويلها إلى مشاريع ملموسة تنعكس إيجابًا على الدولة والمجتمع من جانب رجال ونخبة سياسية مؤمنة بتحقيق الإصلاح المنشود من الملك والشعب على حد سواء.

 

من المبكر الحديث عن مخرجات اللجنة

في أثناء ذلك، يرى حزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن أنه من المبكر الخوض بتوقعات ما يتعلق بمخرجات اللجنة. حيث صرح مراد العضايلة، الأمين العام للجبهة، التي تعد الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، أنه لم تظهر بوادر لأية مخرجات، أو ما يدلل على توجهات اللجنة، مؤكدًا أن هذه اللجنة تعد آخر الفرص لتقديم نتائج ترضي الشارع؛ في ظل حالة الاحتقان التي يمر بها، وفي ظل الأزمات السياسية والاقتصادية.

وشدد العضايلة على أن “لا مخرج إلا بالإصلاح، وتأخيره مكلف على الدولة والمجتمع”، موضحًا أن “قوى الشد العكسي لا تريد الإصلاح ولا ترغب فيه، وتسعى إلى ترويج مشكلات تعيق مسيرته؛ خوفًا على تأثر مصالحها والفساد الذي ترعاه”. كذلك أكد على أن “الحد الأدنى الذي يقبله الشارع هو تحقيق حكومات برلمانية كما ورد في الأوراق النقاشية للملك”.

ورغم ما يبدو من جدية لدى صانع القرار الأردني في تحقيق الإصلاح، إلا أن التجارب السابقة وتركيبة اللجنة -التي ذكرناها سلفًا- تجعل من الصعب رفع سقف التوقعات والآمال عما قد يصدر عن اللجنة قبل أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.