لا يمكن بطبيعة الحال المقارنة بين النفوذ الإماراتي المتجذر في اليمن، بما لتركيا من نفوذ في هذا البلد، إلا أن أنقرة يبدون أنها تزحف رويدا رويدا نحو مزاحمة أبو ظبي هناك، امتدادا لصراع مشتد على النفوذ بين البلدين في منطقة القرن الأفريقي وخليج عدن.
علاقات اليمن بتركيا شهدت تحسنا كبيرا سياسيا واقتصاديا عام 2012 إثر تنحي الرئيس اليمني علي عبد الله صالح عن الحكم، وكانت أنقرة من أوائل الداعمين لتحرك الشعب اليمني، الذي رأت أنه سيمهد لها طريق استعادة أمجاد العثمانيين الذين كانوا في اليمن على مدار نحو 4 قرون.
لكن الانقلاب الحوثي على الشرعية في أكتوبر 2014، ثم العملية العسكرية للتحالف العربي بقيادة السعودية منذ مارس 2015، عطلا إلى حد كبير دور تركيا المأمول، فيما تغولت الإمارات لتظهر حقيقة مشاركتها في التحالف للسيطرة على مقدرات البلد وموانئه الاستراتيجية، وربما لا يُسمع هناك صوتا أعلى من صوت أبو ظبي.
باب الدور الإنساني
ومن المعروف أن السياسة التركية الرامية إلى استعادة أدوارها التاريخية في المنطقة العربية تحديدا، تقوم على عدة أسس من أبرزها الجانب الإنساني والخيري، كما هو الحال في الصومال على وجه الخصوص.
في اليمن بدت أحدث مشاهد الوجود التركي هناك من هذا المنطق، حيث زار السفير التركي لدى اليمن فاروق بوزغوز العاصمة المؤقتة عدن، قبل أيام، والتقى العديد من المسؤولين ودشن مشروعات تنموية، وبحسب وكالة “سبأ” الحكومية، فإن السفير التركي شدد على دعم بلاده لليمن في المجال الزراعي.
وتقدم تركيا، عبر منظمات وهيئات وجمعيات حكومية وأهلية، مشروعات وبرامج إغاثية وتنموية في مختلف المحافظات اليمنية، كما استضافت وعالجت العديد من اليمنيين الذين عانوا من إصابات بسبب النزاع المسلح المستمر.
وبالتزامن مع خفوت الاهتمام التركي بعمليات التحالف العربي في اليمن، زاد الاهتمام بالاستثمار في الجهود الإنسانية والدبلوماسية من من أجل تعزيز وجودها هناك، خاصة لدى الشعب الذي يراها فقط تمد يد العون بعيدا عن آلة الحرب التي تشترك فيها دول الجوار.
وبالإضافة للمساعدة الطارئة التي قدمتها في 2015 و2016 وتعهدها بمبلغ مليون دولار تم الإعلان عنه في أبريل2017، أرسلت أنقرة مؤخرا حوالي سفينة تحمل 11 ألف طن من المساعدات الإنسانية التي بلغت قيمتها 9 ملايين دولار، إلى اليمن.
أبعاد أخرى للعودة
لكن يبدو أن محاولة العودة التركية الطموحة لا تقتصر على الأبعاد الإنسانية والخيرية، وهو ما كشفته زيارة نائب وزير الداخلية التركي “إسماعيل جكتلا” يناير الماضي، ولقاءه بشكل منفصل رئيس الحكومة معين عبد الملك ووزير الداخلية أحمد الميسري.
هذه الزيارة شكلت لمحة فاصلة، رغبت تركيا من خلالها ربما إيصال رسالة لمنافستها على النفوذ بالمنطقة والمتحكم الأول باليمن الإمارات، مفادها أن أنقرة قادمة بقوة للعب أدوارا أخرى بجانب الدور الإنساني والإغاثي.
الدليل على ذلك أنه قبل نحو شهرين من الزيارة خرجت تركيا عن صمتها في تحول جذري لموقفها من الحرب اليمنية، وهي المسألة الحساسة لارتباطه بالسعودية الحليف القوي في منطقة الخليج، وهو التحالف الذي اهتز بقوة بعد حادث اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده باسطنبول.
وجاء أول انتقاد رسمي تركي للتواجد السعودي الإماراتي في اليمن، على لسان وزير خارجيتها مولود تشاوش أوغلو في نوفمبر الماضي، حيث شدد على دعم الموقف التركي لجهود الأمم المتحدة وكل الإطراف المؤمنة بضرورة وقف الحرب عبر الوساطات الدبلوماسية ومنها سلطنة عمان وإيران.
هنا تبدو المعضلة الأخرى والوتر الذي تلعب عليه تركيا بقوة، فهي تتحدث عن جهود وساطة إيرانية، في حين تعتبر السعودية طهران شريكا أساسيا في الحرب ضدها بدعمها جماعة الحوثي.
ومع تواصل استيلاء الإمارات على بعض المناطق الاستراتيجية في اليمن وخاصة ممرات الملاحة الدولية المطلة على خليج عدن ومضيق باب المندب، ربما تأكدت تركيا من ضرورة إعادة النظر في مستوى تدخلها الذي لم يعد يقتصر على المساعدات الغذائية والإنسانية المتعارف عليها.
الإمارات بالمرصاد
وكما هو الحال في الصراع المحتدم على النفوذ بمنطقة القرن الأفريقي بين تركيا والإمارات، اشتمت الأخيرة رائحة محاولات تركية لمزاحمتها في اليمن الذي تعتبره ملكية خاصة لا ينازعها أحد فيها.
في ديسمبر الماضي،احتجزت قوات موالية للإمارات فريقا إغاثيا من تركيا في فندق بمدينة عدن، لكنها أفرجت عنه بعد يومين دون أن توجه لأعضاء الفريق أي تهمة، غير أن الحادث كشف حساسية أبو ظبي المفرطة تجاه أي نشاط لـأنقرة في اليمن.
ومنذ اندلاع الحرب هناك والإمارات تحكم قبضتها على مدن ومحافظات الجنوب، حيث حرصت أبو ظبي على شيطنة الدور التركي في اليمن رغم اقتصاره على تقديم المساعدات الإغاثية فقط.
وفي منتصف 2017، منعت الإمارات دخول وفد إغاثي تركي إلى عدن، واحتجزت مساعدات إنسانية تركية في الميناء، وأشاعت -عبر موالين لها- أن المساعدات منتهية الصلاحية.
الزيارة الأخيرة، التي نسقت لها وزارة الداخلية اليمنية بعيدا عن سلطة الإماراتيين في عدن، أثارت جدلا واسعا، خاصة بعد الحديث عن مسألة الدعم والتأهيل والتدريب التركي لقوات الأمن التابعة للداخلية اليمنية، بما يدفع بفرض الحكومة الشرعية سيطرتها على الأرض.
هذا التوجه يمثل تصادما مباشرا مع الإمارات التي تملك تملك السلطة الأمنية حصرا في عدن وجنوب اليمن عبر قوات الحزام الأمني والميليشيات المسلحة الموالية لها.
ويبدو أن اليمن قد يكون ساحة جديدة للصراع التركي الإماراتي، قد يرجح كفة أنقرة لطبيعة العلاقات الودية مع الحكومة وبعض الأطراف الفاعلة مثل حزب الإصلاح بعيدا عن اي دور عسكري، خاصة لو كان مشبوها كما هو الحال بالنسبة للإمارات.
اضف تعليقا