العدسة – منصور عطية

يبدو أن الصراع على حقول النفط والغاز في منطقة شرق البحر المتوسط، سوف تتخذ أبعادا أكثر خطورة في المستقبل القريب بعد أيام من افتتاح مصر مرحلة الإنتاج المبكر من حقل “ظُهر” العملاق.

تركيا دخلت على الخط بإعلانها بدء التنقيب عن الثروات الكامنة داخل مياهها الإقليمية، لتصبح لاعبا جديدا بجوار كل من مصر وإسرائيل وقبرص اللاعبين الأساسيين في المنطقة.

تركيا تتحدى “ظُهر”!

وزير الخارجية التركى، مولود جاويش أوغلو، أعلن الاثنين، أن بلاده تخطط لبدء التنقيب عن النفط والغاز شرقي البحر المتوسط في المستقبل القريب، معتبرًا أن التنقيب عن هذه المصادر وإجراء دراسات عليها يعد حقا سياديا لبلاده.

وفي حوار مع صحيفة “كاثيميريني” اليونانية، وصف الوزير التركي اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المبرمة بين مصر وقبرص عام 2013 شرق البحر المتوسط، لا تحمل أية صفة قانونية.

وقال أوغلو، إن تركيا قدمت طلبًا لرفض الاتفاقية، باعتبارها “تنتهك الجرف القاري التركي عند خطوط الطول 32، و16، و18 درجة”، معتبرا أن “القبارصة الأتراك لهم حقوق غير قابلة للنقاش في جزيرة قبرص”، وأن أنقرة “مصممة على حماية حقوقها ومصالحها”.

وتتألف الجزيرة القبرصية حاليًا من دولتين مستقلتين، إحداهما معترف بها وعضو في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهي الجمهورية القبرصية وعاصمتها نيقوسيا، ومقامة على 65% من مساحة الجزيرة، والثانية مستقلة لكن غير معترف بها سوى من تركيا وتسمى “جمهورية شمالي قبرص التركية” ومقامة على 35% من بقية مساحة الجزيرة وعاصمتها ليفكوشه.

وتابع وزير الخارجية التركي: “لا يمكن لأي جهة أجنبية أو شركة أو حتى سفينة إجراء أي أبحاث علمية غير قانونية، أو التنقيب عن النفط والغاز في الجرف القاري لتركيا والمناطق البحرية المتداخلة فيه”.

المثير، أن الإعلان التركي يأتي بعد أيام من افتتاح الرئيس عبدالفتاح السيسي مرحلة الإنتاج المبكر في حقل “ظهر” للغاز الطبيعي، الذي يعد الأكبر من نوعه في البحر المتوسط.

وأشار السيسي إلى أن ترسيم الحدود مع قبرص ساهم بشكل كبير في تحقيق هذا الاكتشاف، مشددا على أهمية هذا المشروع للاقتصاد المصري.

وكانت شركة الطاقة الإيطالية “إيني” اكتشفت الحقل في أغسطس 2015، مؤكدة أنه “الأكبر على الإطلاق في البحر المتوسط وقد يصبح أحد أكبر اكتشافات الغاز في العالم”، وقال وزير البترول طارق الملا إن المشروع “سيحقق الاكتفاء الذاتي (من الغاز) بنهاية العام، وبالتالي، سنوفر نحو 2,8  مليار دولار سنويا واردات غاز مسال”.

وتقدر احتياطات الغاز في الحقل ومساحته 100 كلم مربع بحوالي 30 تريليون قدم مكعب، أو ما يعادل 5,5 مليار برميل زيت مكافئ، بحسب تصريح “الملا”.

السياق السياسي للصراع

على هذا النحو يبدو الإعلان التركي موجها في المقام الأول إلى مصر، بخلفية سياسية ترتكز على علاقات متوترة بين البلدين في أعقاب إطاحة الجيش المصري بالرئيس الأسبق محمد مرسي في يوليو 2013.

مصر هي الأخرى تستغل الخلافات القائمة بين تركيا من جانب، وكل من اليونان وقبرص جارتي أنقرة من جانب آخر، بالتحالف معهما.

أحدث مظاهر هذا التحالف كان في ديسمبر الماضي، حيث اتفق وزراء دفاع الدول الثلاث على تأسيس آلية ثلاثية للتعاون العسكرى لزيادة التدريبات المشتركة في مجالات الدفاع ونقل وتبادل الخبرات العسكرية والتدريبية، ليدشنوا مرحلة جديدة من التعاون العسكري بين التحالف الثلاثي الذي برز خلال السنوات الثلاثة الماضية على المستويين السياسي والاقتصادي.

قبرص، جزيرة صغيرة متنازع تاريخيًّا على هويتها وتبعيتها بين تركيا واليونان، وعلى أرضها يدور صراع سياسي بين المكونين الرئيسيين لسكان الجزيرة، وهما القبارصة ذوو الأصول اليونانية، والقبارصة ذوو الأصول التركية.

وبسبب العداء التاريخي والتنافس التقليدي على الموارد الحيوية بين اليونان وتركيا، ونظرًا للروابط المتينة دينيًّا وعرقيًّا بين القبارصة ذوي الأصول اليونانية ودولة اليونان، ظلت على الدوام قبرص تمثل مصدر تهديد للأمن القومي التركي.

فهي فضلا عن قربها الجغرافي (75 كلم) يمكن في حال اتحادها مع اليونان وبسبب الوجود العسكري اليوناني على أرض الجزيرة، وعلى خلفيات الثارات التاريخية القديمة بين اليونان وتركيا، أن تزيد من الحصار البحري على تركيا وتهدد أمنها وتغلق منافذها البحرية عند مدخل بحر إيجة المؤدي إلى الدردنيل والبوسفور، وكافة الموانئ التركية من إسطنبول حتى الإسكندرونة.

خريطة حقول الغاز شرق المتوسط

وتتسم منطقة شرق البحر المتوسط بقدر كبير من الأهمية، لكونها تتضمن احتياطات إستراتيجية ضخمة من الطاقة، فوفقا لتقديرات دولية، وصلت تلك الاحتياطات إلى ما يقرب من 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي.

وظلت قضية استغلال الموارد الطبيعية، مثارا للخلاف الدائم، في وقت يفترض أن تحكمها اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية بين عدد من الدول.

لكن تظل إسرائيل اللاعب الأكثر انخراطا في صراعات وخلافات مع دول الجوار الجغرافي في حوض المتوسط بشأن الغاز، مثل لبنان وقبرص، وإثر ذلك، وصفت الحكومة الإسرائيلية قبل أيام عطاءً لبنانيًّا للتنقيب في حقل للغاز بالبحر المتوسط بأنه “أمر استفزازي”، حيث تعرف المنطقة محل الخلاف الأخير بين لبنان وإسرائيل بالبلوك 9.

وهناك نزاع لبناني إسرائيلي بشأن منطقة في البحر تمتد بمحاذاة 3 من مناطق الامتياز، إحداها هذا البلوك.

وبخلاف حقل “ظُهر” المصري فإن ثمة حقولا أخرى تزخر بها المنطقة هي:

حقل تمار الإسرائيلي

يقع “تمار” مقابل سواحل سوريا ولبنان وقبرص والأراضي الفلسطينية وإسرائيل ومصر على بعد 80 كيلومتر غربي حيفا، ويحتوي على احتياطي من الغاز يبلغ 10 تريليون قدم مكعب.

حقل ليفياثان

تستخرج منه إسرائيل الغاز الطبيعي ويقع على قرابة 130 كلم غربي حيفا، ويحتوي على احتياطي من الغاز يبلغ قرابة 17 تريليون قدم مكعب.

حقل تانين الإسرائيلي

وتشير تقديراته إلى احتياطي من الغاز يبلغ 1.2 تريليون قدم مكعب.

حقل أفروديت

ويقع في المياه الإقليمية القبرصية، ويحتوي على احتياطي من الغاز يبلغ نحو 8 تريليونات قدم مكعب.