كتب- باسم الشجاعي:
نجحت السلطات التركية في امتصاص أزمة تدهور العملة المحلية عبر سلسلة من الإجراءات والتدابير لدعم الاستقرار المالي، مما دفع الليرة للصعود مرة أخرى أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى.
واستردت الليرة نحو 10% من قيمتها خلال اليومين الأخيرين بعد أن وصل سعر صرفها، “الأربعاء” 15 أغسطس، إلى أقل من 6 ليرات مقابل الدولار الواحد بعد أن كان يعادل 7.20 ليرات في ساعات متأخرة من “الأحد” الماضي
وتواجه تركيا في الآونة الأخيرة، حربًا اقتصادية من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، ما تسبب في تراجع سعر صرف الليرة، وارتفاع نسب التضخم في البلاد.
ومع وصول العلاقات التركية الأمريكية إلى منطقة التوتر، وما تشهده من منعطفات تعد الأسوأ منذ سنوات كان لا بد لأنقرة من البحث عن حلفاء جدد ووضع بدائل؛ حيث استطاعت إثبات امتلاكها العديد من البدائل والوسائل للخروج من تلك الأزمة.
البداية جاءت من اتخاذ البنك المركزي التركي، عدة إجراءات لدعم فعالية الأسواق المالية، وخلق مرونة أكبر للجهاز المصرفي في إدارة السيولة.
وقال “البنك” -في بيان له- إن “الإجراءات المتخذة ستوفر للنظام المالي والمصرفي في البلاد، نحو 10 مليارات ليرة، و6 مليارات دولار، و3 مليارات دولار من الذهب”.
وخفض “المركزي”، نسب متطلبات احتياطي الليرة التركية بمقدار 250 نقطة أساس، لجميع فترات الاستحقاق دون استثناء، وخفض نسب الاحتياطي لمتطلبات الفوركس غير الأساسية، بمقدار 400 نقطة أساس لاستحقاقات عام وحتى ثلاثة أعوام.
وتأتي التطورات الأخيرة في وقت يسعى فيه الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” إلى تحقيق مزيد من النمو بدون قيود، معتمدا على نظريات اقتصادية غير تقليدية.
إلغاء الدولار
وقال “أردوغان” إن بلاده تستعد حاليا، لاستخدام العملات المحلية “الليرة التركية”، في تجارتها مع كل من الصين، وروسيا، وإيران، وأوكرانيا، وغيرها من الدول التي تمتلك التبادل التجاري الأكبر معها.
والمقصود بهذا القرار هو الإيفاء بالعمليات التجارية البينية بين البلدين بالعملات المحلية، فتركيا تستورد من روسيا الغاز الطبيعي وبنفس الوقت تستورد موسكو من أنقرة الخضار والفواكه.
وبدل أن تتم عملية الحساب بالدولار ستوفي تركيا قيمة وارداتها لروسيا بالروبل بدل الدولار وبالمقابل توفي روسيا قيمة وارداتها بالليرة وفق آلية معينة ومضبوطة مصرفيًا بين البلدين، بينما يبقى التسعير عالميًا للغاز والنفط وغيرها من المنتجات الرئيسية عالميًا بالدولار المهيمن على هذه المعادلة منذ فترة طويلة.
ويشار إلى أن تفعيل نظام المدفوعات المتبادلة بعيدا عن الدولار، كان أحد أبرز الخطوات التي حددها خبراء الاقصاد، ومنهم الدكتور “أشرف دوابة”، أستاذ التمويل والاقتصاد بجامعة ” صباح الدين زعيم”.
واستخدام تركيا العملة الوطنية في التبادلات التجارية بينها وبين الدول من المؤكد أن يكون له تأثير على الأزمة الاقتصادية التي تواجهها أنقرة حاليا؛ حيث من شأنه تعزيز قيمة الليرة، ويساهم في تخفيف ضغط الدولار عليها، وفق ما أكد الباحث الاقتصادي “أحمد مصبح“.
دعم شعبي ودولي
بجانب الإجراءات السابقة التي بدأ مردودها يظهر على الليرة، بدأت حملات شعبية دولية لدعم تركيا؛ حيث قرر قطريون تحويل جزء من أموالهم الخاصة إلى الليرة التركية، بينما أكد آخرون السفر لقضاء إجازة عيد الأضحى المبارك في تركيا، وذاك كمبادرة منهم لدعم الاقتصاد التركي، وتدهور قيمة الليرة بعد مواجهة تجارية بين أنقرة وواشنطن.
#Katar halkının, #Türkiye'ye destek olmak için hazırladığı video:"Türkiye için, Kuveytli, Ummanlı, Katarlı kardeşlerimi Türk lirasını almaya ve Türkiye'yi ziyaret etmeye davet ediyorum."
Opublikowany przez Adem Demir Sobota, 11 sierpnia 2018
وكانت تركيا من أبرز الدول التي أعلنت دعمها لقطر خلال الأزمة الخليجية التي اندلعت في يونيو 2017، ورفضت الحصار المفروض عليها من السعودية والإمارات والبحرين ومصر.
كما دشن نشطاء مغاربة على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” حملة لمقاطعة المنتجات الأمريكية للضغط على واشنطن للتراجع عن العقوبات التي فرضتها على تركيا والتي تسببت في انهيار الليرة أمام الدولار.
وأطلقت صفحة “الحملة الوطنية للمطالبة بالبنك الإسلامي الحقيقي في المغرب” على “فيسبوك” حملة للتضامن مع الشعب التركي، وقالت: “سنبدأ بعون الله وتوفيقه أكبر حملة عربية وإسلامية لمقاطعة السلع والبضائع والمطاعم الأمريكية ردا على الاستهداف المالي والمصرفي الأمريكي ضد عملة تركيا وعلى الحصار والعقوبات الأمريكية المرتقبة ضد تركيا خلال الأسابيع المقبلة”.
أما داخليا فقد قررت إدارة أحد الفنادق بولاية أضنة جنوبي تركيا منح فرصة الإقامة المجانية ثلاثة أيام، لمن يصرف ألف دولار في مصارف الدولة، دعمًا للعملة الوطنية، وفق ما ذكرت وكالة “الأناضول”.
وقال “ثريا كايار”، الذي يدير فندقًا بسعة 200 سرير، بقضاء بوزانتي، في جبال طوروس: إن “هناك واجبات على عاتق الجميع، لمواجهة الذين يريدون جعل تركيا بوضع صعب”.
بالإضافة للدعم الشعبي العالمي والمحلي، بدأ الدعم الدولي لتركيا لمواجهة أمريكا؛ حيث أعلنت طهران دعمها لأنقرة، وقال وزير الخارجية الإيراني “محمد جواد ظريف”، في تغريدة نشرها على حسابه في “تويتر”، إن “نشوة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في خلق مشاكل اقتصادية لتركيا، حليف الولايات المتحدة ضمن الناتو، أمر مخجل”.
وحذر “ظريف” الرئيس الأمريكي من أنه إذا لم تقلع الولايات المتحدة عن إدمانها على فرض العقوبات والغطرسة فإن العالم كله سيتوحد ضد واشنطن، بما يتجاوز الإدانات الشفهية والكلامية، لإجبارها على التخلي عن ذلك.
الليرة ستنهض
المؤشرات الأخيرة لارتفاع الليرة التركية تؤكد أن أنقرة ستتمكن من الخروج من مأزق انهيار الليرة؛ حيث عادت العملة المحلية لمكاسبها، بداية الأسبوع الجاري وبعد انتهاء العطلة.
ويرى خبراء اقتصاد أن تدهور الليرة عبارة عن تقلبات مؤقتة ومحدودة ولا تعكس على الإطلاق، حالة الاقتصاد التركي، والهبوط في سعر الصرف ليس نتيجة ضعف اقتصاد البلاد، بل إنه مرتبط بدوافع سياسية إقليمية ودولية ضد الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”.
كما تذهب الآراء إلى أن الفترة المقبلة قد تشهد تهدئة؛ حيث إن تركيا لا ترغب بمواجهة أمريكا لأن ذلك قد يضر بالاقتصاد التركي، ولكن أمريكا ستستمر بضغوطاتها لفترة قريبة من أجل الضغط على أنقرة بطرق أخرى إلى حين استلام منظومة الدفاع الروسية S 400.
فتركيا منفتحة على قرارات حل الأزمة وتسوية الخلافات مع الولايات المتحدة لكن ليس على قاعدة الرضوخ التام بل على قاعدة الندية قدر الإمكان ورفض لغة التهديد، خاصة أن القرارين الأمريكي والتركي رمزيان؛ حيث إن الوزيرين التركيين لا يمتلكان ممتلكات في أمريكا ولا نظيريهما الأمريكيين يمتلكان ممتلكات في تركيا.
اضف تعليقا