العدسة – منصور عطية

ربما أصبح مستشار الديوان الملكي السعودي، ورئيس الهيئة العامة للشباب والرياضة، ورئيس الاتحاد العربي لكرة القدم، “تركي آل الشيخ”، القاسم المشترك في جميع المناقشات والتحليلات المتعلقة بشؤون الرياضة في مصر، بعد تغلغله الواضح فيما يخص قطبي الكرة الأهلي والزمالك وتحديدا ميله للقلعة الحمراء.

ولم يعد دور الرجل وتأثيره في مسار الرياضة المصرية مجهولا، إلى حد دفع بالربط بين هذا الدور وبين مساعي بلاده في توسيع نفوذها داخل أرض الكنانة، مع الأخذ في الاعتبار علاقته الوثيقة بولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

“آل الشيخ” يفرض نفسه

خلال الأيام والأسابيع الماضية، فرض “آل الشيخ” نفسه بقوة على الساحة الرياضية المصرية، ولم يكن دوره في أزمة لاعب الأهلي ومنتخب مصر عبدالله السعيد إلا أحدث تجليات هذه المعادلة.

وكانت نقطة الانطلاق أواخر ديسمبر من العام الماضي، عندما أعلن رئيس النادي الأهلي محمود الخطيب في أعقاب انتخابه اختيار المسؤول السعودي رئيسا شرفيا للنادي، في سابقة هي الأولى من نوعها بتاريخ النادي العريق سواء لشخصية مصرية أو أجنبية.

ثم كان الإعلان عن مشروع المدينة الرياضية والترفيهية الضخمة للنادي الأهلي والمسماة بمشروع القرن، وكان بطلها أيضا “آل الشيخ” رغم أن التفاصيل التي أعلنها “راكان الحارثي” رئيس شركة “صلة” السعودية للاستثمار الرياضي لم توضح الحقيقة الكاملة لدور الرجل المثير للجدل.

تزامن مع هذين الحدثين لقاء بدا مريبا، وهو الذي جمع “آل الشيخ” بالرئيس عبدالفتاح السيسي، فلو كان المشروع “استثماريًّا بحتًا” بحسب وصفه، فلماذا التقى رئيس الدولة شخصيا؟.. كان من الطبيعي والمنطقي أن يلتقي الرجل بنظرائه في الحكومة المصرية كوزير الرياضة أو وزيرة الاستثمار.

لكن استقبال السيسي له يضفي مسحة سياسية على دور الرجل بعيدا عن قضية الرياضة والاستثمار، بل يمكن أن يزيح الستار عن المبتغي الحقيقي له فيما تكون الرياضة مجرد واجهة.

وتوالت فيما بعد ذلك تدخلات الرجل السخية، أبرزها دوره في حسم صفقة انتقال صلاح محسن لاعب نادي إنبي للنادي الأهلي بنحو 40 مليون جنيه، لتكون الأضخم للاعبين المحليين، ثم إعلانه حسم الأزمة التي سيطرت على عالم الكرة في مصر لأسابيع بتمديد عقدي لاعبي الأهلي أحمد فتحي وعبدالله السعيد.

وأخيرا، كان منحه لاعبي الأهلي 15 مليون جنيه مكافآت للفوز بدرع الدوري العام للمرة الأربعين في تاريخ النادي.

ورغم أن “آل الشيخ” حاول الموازنة بدور مماثل في القطب الثاني للكرة المصرية (نادي الزمالك)، إلا أن تكفله بصفقة انتقال اللاعب التونسي حمدي النقاز كاملة للقلعة البيضاء، لا يمكن قياسها بدعم الأهلي، فضلا عن التفاصيل المحيطة بصفقة السعيد، بعد أن كشف رئيس الزمالك مرتضى منصور أن اللاعب وقع على عقود انضمامه للفريق قبل تمديده للأهلي، وأنه متمسك بقيمة الشرط الجزائي في العقد والبالغة 100 مليون دولار.

ظهور آل الشيخ في ملعب مختار التتش، صاحب الرمزية الكبيرة للأهلي قبل أيام، وإعلانه من هناك صفقتي فتحي والسعيد أثار موجة هجوم غير مسبوقة على إدارة النادي، إلى حد التساؤل عن كونه رئيسا شرفيا أم منتخبا.

وبعد تهديده الشهير من ملعب التتش: “اللي يلعب معانا يستحمل”، انطلقت من مدرجات نادي الزمالك هتافات الجماهير الغاضبة: “بيبو بيبو.. بيبو بيبو بيبو الله يا كفيل” في إشارة إلى العلاقة بين آل الشيخ والخطيب.

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي كانت حملة موازية للهجوم على الأهلي ورئيسه، بالسخرية من لقب “نادي المبادئ” وسيطرة “الكفيل السعودي” عليه بالمال.

القوة الناعمة

استقبال السيسي لتركي آل الشيخ لم يكن وحده مظهر الربط بين “الظاهر” الرياضي، وما يخفيه من علاقة وثيقة بالسياسة والعلاقة بين البلدين، ومساعي السعودية لتوسيع نفوذها بمصر.

بعض تقديرات المتابعين تجاوزت مسألة الاستثمار في ناد رياضي إلى الربط بينه وبين قضية تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة، وشبهه نشطاء رئاسة “آل الشيخ” الشرفية للنادي الأهلي بسيادة بلاده على الجزيرتين المصريتين، رافعين شعار “تيران وصنافير مصرية.. النادي الأهلي مصري..”.

وعليه، فإن الدور الخفي لآل الشيخ لا يعدو كونه تعبيرا عن القوة الناعمة لبلاده، وما تصبو إليه من بسط نفوذ على دولة بحجم مصر عبر بوابة الرياضة.

ويبدو حرص مستشار الديوان الملكي السعودي على الحضور في مشهد الفعاليات العامة المصرية، خاصة الفنية والرياضية، دون الاكتفاء برئاسته الشرفية للنادي الأهلي.

فخلال تواجده في القاهرة، ظهر آل الشيخ مع فنانين مصريين، مثل عمرو دياب ومحمد هنيدي ومحمد حماقي، إلى جانب لفيف من نجوم الفن والرياضة خلال افتتاح بطولة الألعاب الإلكترونية والتي حلت اسمه.

هذه الجزئية تقودنا إلى طبيعة العلاقة التي تربط بين “تركي آل الشيخ” وولي العهد السعودي، فالرجل الذي ينحدر من نسل الإمام محمد بن عبدالوهاب شريك آل سعود الديني في البلاد، يتمتع بعلاقات وثيقة بـ”بن سلمان”.

المغرد الشهير “مجتهد” الذي يوصف بقربه من دوائر صنع القرار في المملكة، وصف في تغريدات سابقة “آل الشيخ” بأنه “الخوي الخاص جدا لمحمد بن سلمان وأمين سره وصاحب حظوته”.

وأضاف: “سلك (آل الشيخ) أقصر طريق للمجد وهو المصاهرة، فتزوج ابنة ناصر الداود، وكيل إمارة الرياض سابقًا (عندما كان الملك سلمان أميرًا للرياض)، فانفتح عليه باب المال والعلاقات من خلال والد زوجته، وهنا بدأ يقترب من محمد بن سلمان، وطلب “بن سلمان” من الداود رجل أمن مرافق له، فكانت فرصة تاريخية أن يرشح زوج ابنته وسرعان ما ناسبت شخصيته شخصية “بن سلمان” فحوله إلى مرافق مدني”.

قطر والتزلف لـ”بن سلمان”

العسكري السابق كان شاعرًا يكتب الأغاني للمطربين والمطربات، ورغم أنه كان مرافقًا لـ”بن سلمان” منذ أن تولى والده العرش في يناير 2015، إلا أن نجمه لم يسطع ويصبح ذكره على كل لسان إلا في أعقاب تأليفه لأغنية “علم قطر” التي تضمنت هجومًا لاذعًا على الدوحة في أعقاب الأزمة الخليجية.

المكافأة كانت سريعة للغاية، فبعدها بأيام صدر أمر ملكي بتعيينه رئيسًا للهيئة العامة للرياضة بمرتبة وزير، بعد الإطاحة بأحد أفراد الأسرة المالكة الأمير عبدالله بن مساعد بن عبدالعزيز.

لكن الواقع أن “آل الشيخ” استبق تلك الأغنية بخطوة أخرى زادته قربًا من صانع القرار السعودي، فقاد تحريض أفراد أسرته المنتسبين للإمام محمد بن عبدالوهاب بإصدار البيان الشهير الذي نفى نسب أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لأسرة “آل الشيخ”.

ويبدو أن الرجل اتخذ أزمة حصار قطر كوسيلة للتقرب أكثر من “بن سلمان”، فكان تصريحه الشهير قبل أيام بالسخرية من قطر ومقارنتها بسكان أحد الأحياء بالعاصمة الرياض، فقال إنه كلف رئيس فرع ناد خاص للياقة البدنية في حي السويدي بمدينة الرياض بالتواصل مع قطر فيما يخص الرياضة، قاصدا التصغير من مكانة الدوحة.

ليس هذا فحسب، بل عمد بعدها إلى تقديم اعتذار ليس لقطر بل لسكان حي السويدي، قائلًا: “أقدم اعتذاري الشديد لأهلي في حي السويدي العريق لمقارنتهم بقطر، فهم بلا شك منزلتهم أهم وأعلى من ذلك، وعلى فكرة بيت جدي وخوالي في السويدي”.

وعندما تحدث على هامش فوزه برئاسة الاتحاد العربي لكرة القدم بالتزكية، قال إنه كان يتمنى أن ينصب رئيسا بالانتخاب لمعرفة أين سيذهب الصوت القطري.

كما هاجم الدوحة خلال استضافة السعودية، أواخر ديسمبر الماضي، بطولة العالم للشطرنج، بعدما أعلنت تعذر مشاركتها في البطولة بسبب شرط الرياض عدم رفع العلم القطري على هامش المنافسات.