كتب- باسم الشجاعي:
مجددًا عاد اسم “تركي آل الشيخ”، المستشار بالديوان الملكي السعودي، ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة، ورئيس الاتحاد العربي لكرة القدم، على الساحة المصرية، لثير الجدل كالعادة.
فقد أعلن رئيس نادي “الأسيوطي” المصري، رجل الأعمال “محمود الأسيوطي”، “الاثنين” 18 يونيو، بيع فريقه بشكل رسمي، وتغيير اسمه إلى نادي “الأهرام” لكرة القدم، دون أن يكشف عن اسم المالك الجديد.
ولكن أغلب التقارير الصحفية المحلية تؤكّد أن رئيس الهيئة العامة للرياضة السعودية، والرئيس الشرفي السابق للنادي الأهلي، “تركي آل الشيخ”، هو صاحب الصفقة.
وتعدّ واقعة بيع أحد النوادي المصرية لمستثمرين خليجيين سابقة لم تحدث من قبل.
وكان تأسس نادي “الأسيوطي” في مصر عام 2008، واستطاع الصعود للدوري الممتاز لأول مرة في موسم 2014 /2015، بعد أن شارك في القسم الرابع، وصعد بعد موسمين للقسم الثالث، الذي قضى فيه موسمين آخرين، ليصعد نهاية موسم 2013 إلى الدوري الممتاز “ب” لموسم واحد، ومنه إلى الدوري الممتاز، غير أنّه عاود الهبوط موسمين لدوالدرجة الثانية، ثم صعد مجددًا لدوري الدرجة الأولى في موسم 2017 /2018.
وتعليقًا على الصفقة التي لم يعلن عن حجمها، إلا أن تقارير صحفية قالت إنها وصلت لأكثر من 250 مليون جنيه مصري، قال “الأسيوطي”: إنه “وقّع على العقود النهائية لبيع فريقه، بحيث يكون التنفيذ خلال أيام قليلة، طبقًا للإجراءات القانونية لانتقال الملكية”.
وبين– في تصريح صحفي له- أنّ عقد البيع خاص فقط بفريق “الأسيوطي” لكرة القدم المشارك في الدوري الممتاز، على أن يظل منتجع الأسيوطي- بكل ما يحتويه من فنادق وملاعب ومنشآت- تحت حيازته.
وقال مجلس إدارة النادي، إنه توصل لاتفاق نهائي مع الشركة التي تقدَّمت بطلب لشراء فريق الكرة المشارك في الدوري الممتاز، مع تغيير اسمه من “الأسيوطي سبورت” إلى “الأهرام لكرة القدم”.
فـ”تركي آل الشيخ” لم يعد ضيفًا على المشهد المصري بل أصبح أشهر شخصية في الشارع الرياضي، ولكن كيف بدأت قصة “شوال الرز السعودي”– كماوصفنفسهفيتدوينةسابقةعلىموقع “فيسبوك” خلالأزمتهمعالناديالأهلي– مع كرة قدم المصرية؟ وهل يحاول تقليد القطريين والإماراتيين في رعاية فرق كبيرة لشرائها لاحقًا وتسويق التوجُّه الجديد للمملكة؟ وما هي الدوافع الحقيقية وراء هذا التوغل في مفاصل الرياضة المصرية؟
يعتبر أول ظهور لـ”آل الشيخ” عندما منحه رئاسة النادي الأهلي المصري الشرفية، التي تحولت لرئاسة فعلية بعد تصريحات وإعلان مشاريع ظهر فيها كأنه “ملكي أكثر من الملك”.
ومن بين هذه المشاريع مشروع استثماري ضخم يضم ملعبًا كبيرًا وناديًا صحيًا ومستشفى وفندقًا، ثم تدخل لمنع انتقال لاعب الأهلي “عبد الله السعيد” إلى الزمالك ومدّد تعاقد مع “نادي القرن”، رغم إعلان الزمالك أن اللاعب وقع على كشوفاته، وبعدها أعلن تعاقد الأهلي مع أربعة لاعبين “من العيار الثقيل”، وهذا كله يرافقه تغطية إعلامية مكثفة.
ما جرى جعل الكثير من جماهير الأهلي تتذمر وتتحدث عن تحول الأهلي المصري إلى الأهلي السعودي وأن آل شيخ بات كفيلًا للنادي وممولًا ومتحدثًا باسمه وصاحب القرار، وكان اللافت كشف رئيس نادي الزمالك، مرتضى منصور ليكشف عن “هدية متواضعة” من الرجل للنادي بقيمة مليون دولار.
ولم يحتج وقت “منصور” كثيرًا ليعود إلى الحظيرة عن طريقة مصالحة بين الرجلين تقضي ببقاء السعيد في الأهلي مقابل التعاقد مع أربعة لاعبين نجوم يدفع آل الشيخ ثمن التعاقد معهم، بحسب الإعلامي المصري وليد صلاح الدين.
هذا “الكرم” يكشف أن آل شيخ لا يدعم النادي الأهلي “حبًا به” بل عيّنه على كرة القدم المصرية بقطبيها الأهلي والزمالك وجماهيرهما.
ولم تقف الأمور هنا، فالرجل يبيع الوهم للمصريين بوعدهمباستضافةكأسالعالم؛ إذ قال إنه سيعمل على وضع خطة رفقة المسئولين تهدف لأن تكون مصر جاهزة لاستضافة المونديال خلال خمس سنوات.
استثمار بطعم السياسة
ويأتي شراء “آل الشيخ” بعد إقرار “السيسي” في يونيو الماضي قانونالرياضةالجديد بمزايا غير مسبوقة للمستثمر الأجنبي.
فقانون الرياضة الجديد قد استحدث بابًا للاستثمار الرياضي، أتاح للأندية إنشاء شركات مساهمة للأنشطة الرياضية المختلفة تخضع لقانون الاستثمار.
ويجوز لهذه الشركات طرح أسهمها فى اكتتاب عام وفقًا لأحكام قانون سوق رأس المال، كما يجوز قيد أسهمها ببورصة الأوراق المالية.
ومن المؤكد أن شراء نادي “الأسيوطي” ليس مجرد مشروع استثماري في نادي مصري وحسب، فالأندية المصرية أصبحت بابًا جديدًا من الأبواب التي تكشف خصوصية العلاقة بين نظام “السيسي” في والأسرة المالكة في السعودية، وخاصة ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان”. بمصر حوالي 1200 نادٍ رياضي، وأكثر من 80% من تلك الأندية هي أندية عامة مملوكة للدولة.
وفي السنوات الأخيرة، سعت الرياض إلى تعزيز نفوذها وتأثيرها على دوائر صناعة القرار في بقية العواصم العربية، ومع سيطرتها المالية على صناعة الترفيه في المنطقة، واتخذت المملكة الرياضة وسيلة لمد نفوذها، بضخّ المزيد من الاستثمارات في هذا القطاع، على رأسها مصر على سبيل المثال، ليكتمل مثلث القلق المصري من النفوذ السعودي (سياسيًا – اقتصاديًا – رياضيًا).
سحب البساط من تحت أقدام “الزمالك والأهلي”
الصفقات التي يسعى لها النادي الجديد، تشير إلى أنّه يسعى بقوة لمنافسة قوية ضد الأهلى والزمالك– قطبا الكرة المصرية- لسحب البساط من تحت أقدامهم في الساحة الرياضية؛ حيث أشارت تقارير صحفية إلى أن آل الشيخ” رصد أكثر من 200 مليون جنيه لشراء نجوم جدد لضمهم إلى الفريق بدءا من الموسم المقبل.
وأشارت التقارير إلى أن فريق الأهرام وجه لقطبي الكرة المصرية ضربة قوية، وذلك بعدما اقترب من ضم “محمد مجدي قفشة”، نجم نادي انبي، خلال فترة الانتقالات الصيفية الجارية.
كما قدم نادي الأهرام عرضًا ماليًا مغريًا للغاية الى إدارة الفريق البترولي، وذلك في إطار خطة إدارة النادي الجديدة من أجل تطوير فريق الكرة الأول واستقدام أفضل اللاعبين على الساحة المصرية.
وتقترب إدارة نادي إنبي من قبول عرض نادي الأهرام، وذلك من أجل الاستفادة بالعرض المالي الكبير الذي سيفيد النادي في شراء العديد من الصفقات.
وكان نادي الأهرام قد حسم صفقة محمد حمدي من المصري بتكلفة وصلت لمليون و500 ألف دولار.
كما دخل مسئولو نادي الأهرام- الأسيوطي سبورت سابقًا- في مفاوضات مع الثنائي “محمود عبد الرازق” المشهور بـ”شيكابالا”، ومصطفى فتحي لاعبا نادي الزمالك من أجل ضمِّهما خلال الفترة المقبلة.
وبحسب وسائل إعلام محلية، فإنَّ مسئولي الأهرام يرغبون أيضًا في ضم الرباعي محمد أشرف “روقا”، محمد إبراهيم، أحمد رفعت، وأيمن حفني من صفوف الزمالك أيضًا.
ومن المقرر أن تشهد الساعات القليلة القادمة تكثيف للمفاوضات من جانب إدارة الأهرام مع مسئولي الزمالك من أجل إنهاء الصفقات المطلوبة.
كما باتت صفقة انضمام لاعب خط وسط “الأسيوطي”، مهند لاشين، إلى النادي الأهلي، في مهب الريح، في ضوء العلاقة المتوترة بين آل شيخ ومجلس إدارة الأهلي، برئاسة محمود الخطيب، بينما يسعى النادي الجديد لشراء لاعب النادي المصري، محمد حمدي، بقيمة 20 مليون جنيه، ولاعب النادي الإسماعيلي، محمود متولي، بقيمة 25 مليون جنيه.
ويعتبر المدير الفني لفريق الأهلي “سابقًا” من أبرز السعداء بظهور نادي الأهرام؛ حيث دخل ضمن الترشحيات لتولي تدريب الفريق في الموسم المقبل.
وكان “آل الشيخ” قد نشر صورة على حسابه الشخصي بموقع “فيسبوك”، برفقة مدرّب الأهلي السابق، “حسام البدري”، معلقًا عليها بكلمة “مفاجأة”، وهو ما يدعم رواية تولي الأخير تدريب النادي الجديد.
ويسعى “آل الشيخ” بشراء نادي الأسيوطي، بأن تكون له ذراع في الدوري المصري، يستطيع من خلالها التحكم في الرياضة المصرية، ومحاربة الأندية العريقة مثل “الأهلي و الزمالك”، والتحكم في سوق الاحتراف المصري وانتقال اللاعبين بين الأندية من خلال ضخّ أموال لشراء لاعبين لا تستطيع الأندية المصرية الشعبية دفعها.
ولن يكون النادي الجديد مجرد منافس شرس للقطبين في سوق الانتقالات فقط، وإنما سيتحول إلى بؤرة جذب للاعبي القطبين، خصوصًا العناصر التي اقتربت عقودها من الانتهاء، مما يمثل عامل ضغط جديد على إدارتي قطبي الكرة المصرية “الأهلي والزمالك”، والتي ستكون مطالبة برفع سقف إنفاقها من أجل الحفاظ على كتيبة النجوم الموجودة بكل نادٍ منهما لضمان البقاء في دائرة المنافسة على الألقاب.
فبعدما كانت الكلمة العليا في سوق الانتقالات دائمًا للأهلي والزمالك بحكم أنهما أكبر ناديين على الساحة، ظهر لهما منافس قوي في القدرات المالية سيكون سببًا بكل تأكيد في تصعيب مساعي القطبين لتعزيز صفوفهما بلاعبين جدد في الفترة المقبلة.
من هو “تركي آل الشيخ”
هو “تركي بن عبد المحسن بن عبد اللطيف آل الشيخ”، الذي تحوَّل بين ليلة وضحاها من مجرد كاتب أغانٍ لشخصٍ يتابعه الإعلام في كل حركاته وسكناته، خصوصًا بعد أن نال ثقة ولي العهد السعودي الأمير الطامح للسلطة “محمد بن سلمان” وصار رفيق دَرْبه.
يرجع أصله إلى ذرية الإمام محمد بن عبدالوهاب مؤسس المذهب الوهابي الديني، الشريك الديني للإمام محمد بن سعود في تأسيس الدولة السعودية الأولى في الدرعية؛ حيث كان الحكم في المسائل السياسية لابن سعود وفي المسائل الدينية لابن عبدالوهاب.
ومازالت الشراكة الدينية السياسية بين أسرة آل الشيخ وأسرة آل سعود مفعلة إلى اليوم، فمفتي المملكة هو الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، ووزير الشئون الدينية صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ، ويتقاضى أفراد أسرة آل الشيخ مخصصات شهرية من الدولة السعودية مثلهم مثل أفراد العائلة السعودية الحاكمة تصلهم أول كل شهر.
وحسب ما نشر حساب الناشط السعودي المتخصّص في نقل الأخبار من داخل القصور السعودية “مجتهد” على موقع “تويتر”، فإنَّ الوزير “تركي آل الشيخ” كان عسكريًا بمرتبة صغيرة، لكنه كان متزوجًا من ابنة ناصر الداوود أحد المقربين من الملك سلمان أيام كان حاكمًا للرياض، وتوسط له للعمل مع الأمير سلمان كمرافق قبل أن ينال ثقة ابنه محمد الذي كان يعمل مع والده كمستشار.
ودخل الوزير تركي بعدها إلى ديوان ولي العهد كمعاون للأمير “محمد بن سلمان”، ثم كان في الديوان الملكي بعد أن أصبح الملك سلمان ملكًا في عام 2015م. لم يكن للوزير تركي ذكر في الإعلام السعودي الرسمي رغم ما كان يُشاع حول علاقته الخاصة مع ولي ولي العهد (آنذاك) محمد بن سلمان، بل إنه لم يكن معروفًا إلا في دوائر صغيرة من المشتغلين على كرة القدم السعودية، والذين كانوا يعرفونه كمتبرع ثابت لنادي النصر، أحد أشهر أندية الرياض العاصمة.
ومنذ وصول “آل الشيخ” إلى منصب رئيس الهيئة العامة للرياضة تحرك في اتجاه تسييس الرياضة، وخصوصًا كرة القدم، باتجاه معاداة قطر وحلفائها، ومن ذلك افتعاله أزمة مع عضو اللجنة الأوليمبية الدولية الشيخ أحمد الفهد الصباح (صديق قطر)، وإطلاق حملة إعلامية ضده ووسوم، ناعتًا إياه بوصف (أقزام آسيا)، ووصفه الإعلام السعودي الرياضي بعد ذلك بـ “إسكوبار” الكويت، وذلك بزعم تحريضه على ظلم الأندية الرياضية السعودية من خلال نفوذه الكبير في الاتحاد الآسيوي والفيفا اللذين كان يتقلد فيهما أرفع المناصب.
اضف تعليقا