في خطوة تتناقض مع الأوضاع الاقتصادية التي تشهدها البلاد، تقوم مصر بأكبر عملية ترميم للآثار اليهودية؛ حيث أعلن وزير الآثار المصرية، خالد العناني، قبل أيام أنه من المقرر افتتاح المعبد اليهودي بعد الانتهاء من مشروع تطويره وترميمه بتكلفة 67 مليون جنيه.

وسبق ذلك بأيام، زيارة اثنان من كبار الحاخامات اليهود منطقة المقابر اليهودية في العاصمة المصرية القاهرة لمتابعة عملية التنظيف والترميم.

وقالت صفحة “إسرائيل بالعربية” التابعة للخارجية الإسرائيلية على موقع “تويتر” إن الزيارة تأتي “للتأكد من أن عملية التنظيف تتم وفقا للشرائع اليهودية التي لها قواعد وأصول ونصوص يتم بمقتضاها تنظيف القبور”.

وتعتبر مقابر اليهود في حي البساتين بالقاهرة ثاني أقدم مقبرة يهودية في العالم، بحسب الجالية اليهودية في مصر.

وتضم المقبرة رفات اليهود المقيمين في البلاد قبل هجرتهم الجماعية من مصر، وتقع في الجهة الشرقية من حي البساتين.
هذه التحركات تأتي بعد أيام أيضا من لقاء قائد الانقلاب المصري “عبد الفتاح السيسي”، مع رجال أعمال يهود من الولايات المتحدة.

ونقلت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية عن السيسي قوله إن اليهود إذا أرادوا العودة إلى مصر فسوف يبني لهم معابدهم ومؤسساتهم المجتمعية الأخرى.

ولكن الغريب في الأمر أن عدد الجالية اليهودية في مصر حاليا ستة أشخاص فقط، وذلك بعدما بلغ العدد نحو مئة ألف قبل موجات الهجرة إلى إسرائيل وأوروبا في خمسينيات القرن الماضي، وهو ما أثار العديد من التساؤلات حول الأسباب التي تدفع الحكومة للاهتمام بها على الرغم من قلة الجالية اليهودية في القاهرة، فضلا عن أن عدد السياح اليهود ضئيلة مقارنة بباقي الدول الأجنبية.

الإعلان عن ترميم التراث اليهودي ليس بالأمر الجديد، فقد سبق وأن صريح “السيسي” خلال منتدى شباب العالم الذي عقد شهر نوفمبر الماضي، في مدينة شرم الشيخ (شرق القاهرة)، وأكد فيه عدم وجود موانع لبناء معابد لليهود، كما شهد العام ذاته، تخصص مبلغ مليار و270 مليون جنيه (71 مليون دولار) لترميم التراث اليهودي في مصر.

ويوجد في مصر 19 معبدا يهوديا، موزعة على محافظتي القاهرة والإسكندرية، وكانت تمارس فيها الشعائر الدينية بشكل منتظم، قبل خروج اليهود من مصر في خمسينيات القرن الماضي، منها 11 معبدا في القاهرة، ويعد المعبد الكائن بشارع عدلي (وسط القاهرة) أهمها، حيث تقام فيه بعض الاحتفالات الدينية.

وفي الإسكندرية توجد سبعة معابد، أشهرها معبد “إلياهو النبي” في شارع “النبي دانيال”، كما يوجد معبد واحد في محافظة الغربية، هو معبد “خوخة”، وترفض وزارة الآثار تسجيله كأثر بسبب تهدم جانب كبير منه.

ولا تمارس الشعائر الدينية في هذه المعابد، ليس فقط لقلة عدد اليهود في مصر، ولكن لسبب يتعلق بالشعائر نفسها؛ فإقامة الصلاة بالمعبد لا تتم إلا في وجود عشرة رجال على الأقل، وهو عدد يزيد على عدد الطائفة نفسها.
الترميم مقابل البقاء في السلطة.

ويتودد “السيسي” من خلال هذه المشروعات لمغازلة رجال الأعمال اليهود، مقابل الضغط على الإدارة الأميركية لمواصلة دعمه، وهو ما كشفته صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية.
فقد أبلغ “السيسي”، الوفد الأميركي الذي زار مصر الأسبوع الماضي، أن اليهود إن كانوا راغبين بتأسيس طائفة يهودية في مصر فستبني لهم الحكومة كُنُسا يهودية ومؤسسات دينية أخرى.

وقال رجل الأعمال اليهودي، ورئيس الوفد “فريدلاندر”، أن “السيسي باعتزاز ليس فقط عن الطائفة اليهودية النابضة بالحياة التي كانت موجودة بمصر سابقا، بل قال أيضا إنه في حال عودة الطائفة اليهودية إلى مصر ستقدم الحكومة كل الضرورات الدينية المطلوبة، كان هذا قبولا حارا للغاية”.

كما هددهم “السيسي” قائلا إنه إن لم يحصل على دعم الولايات المتحدة قد يستعيد الإخوان المسلمون السلطة في البلاد، بحسب ما ذكره رئيس الوفد للصحافة الإسرائيلية.

ويسعى السيسي للبقاء في السلطة حتى 2034، حيث أقرت مجلس النواب المصري (البرلمان) بأغلبية تفوق الثلثين تعديلات على الدستور تتضمن مد فترة الرئاسة لست سنوات، وهو ما قابله غالبية الشعب المصري باعتراض ورفض.

وأعلن نحو 170 شخصية مصرية معارضة (جميعهم من تيارات غير إسلامية) رفضهم التام للتعديلات الدستورية المقترحة، مؤكدين استمرارهم في استخدام كل وسائل المقاومة السلمية لرفض أي عبث جديد بالدستور يُضاف للعبث المستمر منذ تصديق الشعب عليه.

وتحت عنوان “ﻻ للعبث بالدستور”، عبّروا في بيان مشترك لهم -قالوا إنه مفتوح لتوقيعات أخرى- الشهر الماضي، عن شعورهم بما وصفوه بالصدمة والغضب إزاء الدعوات التي بدأت تتردد في ساحات المحاكم ووسائل الإعلام والتي تطالب بتعديل بعض مواد الدستور، الذي أكدوا أن كل مواده لم تُطبق بعد.

ليس هذا وحسب، ولكن بالرغم من الوضع الاقتصادي المتأزم في مصر، إلا أن السيسي رفض تحميل اليهود أي عبء مادي مقابل الترميم، قال لوفد رجال الأعمال اليهود الذي تعهد بجمع الأموال اللازمة لترميم المقابر، إن “الحكومة المصرية هي التي ستتحمل التكلفة لأنها من مسؤوليتها”.

وسبق وأن نقلت “بلومبرج” و “فايننشال تايمز”، عن مؤسسة “نومورا هولدينغز”، اليابانية، في تقرير لها نهاية العام الماضي، أن مصر إحدى 7 اقتصادات ناشئة، مهددة بحدوث أزمة في أسعار الصرف خلال الـ 12 شهرًا المقبلة.

كما تواجه مصر ضغوطًا متزايدة تتعلّق بإمكانية الحصول على قروض جديدة، في ظل عزوف المستثمرين الأجانب الذين توجهوا نحو أسواق أكثر جذباً، الأمر الذي ينذر بتراجع جديد في سعر صرف الجنيه مقابل الدولار الأميركي خلال الفترة المقبلة.

وتواجه حكومة السيسي ، التي تقترض بكثافة من الخارج، منذ اتفقت على برنامج صندوق النقد الدولي نهاية 2016، التزامات أجنبية صعبة مستحقة السداد على مدى العامين القادمين، بالإضافة إلى ارتفاع فاتورة وارداتها النفطية.

“صفقة القرن”

كما يأتي ترميم التراث اليهودي المصري في ظل التطورات الإقليمية والحديث عن “صفقة القرن”، التي تلعب مصر فيها دورا أساسيا، بالتعاون مع السعودية والإمارات.

وبدا واضحاً خلال الأيام القليلة الماضية أنّ المنطقة العربية تتأهّب لبدء إطلاق المرحلة الأولى من خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة إعلامياً بـ”صفقة القرن”، وذلك من خلال مجموعة من اللقاءات والاجتماعات المكوكية في عدد من العواصم العربية.

والأسبوع الماضي، أعلن “جاريد كوشنر”، صهر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أن “صفقة القرن” أو الخطة الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط، ستعلن بعد إجراء الانتخابات البرلمانية للكنيست الإسرائيلي (البرلمان)، المقررة في التاسع من شهر أبريل المقبل، بحسب ما أورد موقع “جيروزاليم بوست”.

وفي وقت سابق، نقلت وسائل إعلام عربية عن مصدر مصري رفيع المستوى (لم تسمه) إنّ المسؤولين في جهاز الاستخبارات المصري سعوا خلال زيارة وفدي “الجهاد الإسلامي” و”حماس”، في منتصف شهر فبراير الماضي، لإقناعهما باستغلال الفرصة والحصول على أكبر قدر من المكتسبات للقضية الفلسطينية في الوقت الراهن، عبر إعلان دولة بشكل مبدئي، وذلك قبل زيارة “جاريد كوشنر”، للمنطقة نهاية الشهر المنصرم.

وتعتمد صفقة القرن في الأساس على ركيزتين أساسيتين هما التطبيع العربي مع إسرائيل، بالإضافة إلى التحفيز الاقتصادي للفلسطينيين.

وبحسب تقرير أصدره المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في 28 يونيو 2018، فإنه وبدلا من السعي لإحياء المفاوضات وفق المرجعيات الدولية المعروفة، وعلى رأسها قرارات الأمم المتحدة المتصلة بالأرض والموارد واللاجئين، تركز الخطة على “السلام الاقتصادي”، باعتباره مدخلًا لإنهاء الصراع.

وقد أشار “كوشنر” إلى ذلك في مقابلة صحفية؛ إذ قال إن خطة الإدارة الأمريكية تشمل تأسيس مشاريع استثمارية كبرى في البنية التحتية الحديثة، والتدريب المهني والتحفيز الاقتصادي للفلسطينيين، ولن يقتصر ذلك على الأراضي الفلسطينية فحسب، وإنما سيشمل الأردن ومصر أيضا.

وجاءت مشاركة السعودية ومصر والإمارات والبحرين في مؤتمر وارسو الأخير إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع مسؤولي الإدارة الامريكية بقيادة نائب الرئيس الأمريكي، لمناقشة الشق الاقتصادي من “صفقة القرن” حسبما جاء في صحيفة “هآرتس”الاسرائيلية.