العدسة – معتز أشرف

أيا كان الجدل الدائر على شخصية ضابط المخابرات العامة المصرية أشرف الخولي في الأوساط السياسية المصرية المتصارعة، فإن الحقيقة التي لا تقبل النفي أن جهاز المخابرات العامة له باع طويل في الاتصال بالفنانيين والإعلاميين واستغلالهم بحسب التوجه المتفق عليه في غرف الدول المغلقة، وهو ماعرف في وقت سابق بإمبراطورية صلاح نصر التي ظهرت تفاصيلها مع صفوت الشريف وزير الإعلام الأسبق في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك أو الضابط موافي حسب الاسم الحركي في أثناء عمله بالجهاز.

ضجة هي إذن تمت ما بين النفي الرسمي الذي تصدت له الهيئة العامة للاستعلامات مؤكدة أنه لا يوجد ضابط بهذا الاسم بجهاز المخابرات العامة، وما بين التأكيد الذي دفع صحيفة بحجم نيويورك تايمز الأمريكية إلى نشر تسريباته وهو يقدم توجيهات لعدد من الإعلاميين وفنانة بشأن تناول قضية القدس، ويكشف عن موقف النظام المصري الداعم لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتل، وما تزامن مع ذلك من مناكفات سياسية بين فريق النظام والفريق المعارض له الذي استغل التسريبات للتأكيد على ما يسمونه “صهيونية النظام الانقلابي”، ولكن ما وراء الضجة، تمكن تفاصيل إمبراطورية يتحدث عنها كثيرون اليوم في مصر.

انحراف مبكر

صلاح نصر، ماركة معتمدة ومعروفة  منذ أن كان رئيس المخابرات المصرية بين أعوام 1957-1967 ، وقدم بأمر من الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر للمحاكمة وأدين في قضية معروفة إعلاميا بـ” انحراف جهاز المخابرات ” عام 1968، وانتقد بشدة لانحرافاته وممارساته الشاذة والتي روتها زوجته الفنانة اعتماد خورشيد، وفجرت القضية الكثير من المفاجآت، خاصة العلاقات الآثمة التى ربطت فنانين وفنانات من الوسط الفنى بعمل المخابرات، واستخدامهم لأهداف معينة عن طريق تسجيل فيديوهات جنسية مع المستهدفين وذلك بعد تسجيل فضائح أخلاقية لهم للضغط عليهم .

الفنانة اعتماد خورشيد كشفت في كتاب “شاهدة على انحرافات صلاح نصر” فى نهاية 1989، الكثير من الخفايا لتجنيد الفنانات وتوظيفهن في أعمال الجهاز منهن برلنتى عبد الحميد وسعاد حسني وشريفة ماهر والفنان عمر الشريف، وأوضحت أن  الذراع اليمنى لصلاح نصر كان هو صفوت الشريف، مشيرة إلى أن الشريف أخضع العديد من الفنانات والصحفيين والقضاة ونجوم المجتمع وحتى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر للمراقبة التليفونية وكان يستخدم أرخص الأساليب لتجنيد عميلاته من السيدات والفتيات ما بين تصويرهن عرايا في محلات الملابس أو الاغتصاب أو إقامة علاقات غير مشروعة معهن والضغط عليهن لتجنيدهن بحسب مقتطفات نشرتها جريدة صوت الأمة نقلا عن الكتاب في وقت سابق بعد ثورة يناير.

الأذرع الإعلامية

إمبراطورية صلاح نصر ، التي حوكمت في عام 1968 ، دشنت نفسها بحسب مراقبين في المرحلة الحالية تحت قناع جديد ضمن “الأذرع الإعلامية ” للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي،  وبحسب تقارير إعلامية، فإن جهاز المخابرات العامة يسابق الزمن في مواجهة المخابرات الحربية، للسيطرة على قطاع الإعلام في مصر، لضمان خارطة توجيه الإعلام لصالح نظام السيسي، بحيث لم تكتف بدور التوجيه والإرشاد الموجود منذ حركة الضباط في 23 يوليو 1952 وإنما سعت لامتلاك حصص كافية لتكميم الإعلام .

يتكشف الأمر بصورة جلية مع إطلالة بسيطة لتفاصيل تسريب نشر علي شبكة الإنترنت في عام 2014 تحدث فيه السيسي مخاطبا مجموعة من ضباط القوات المسلحة، حول ضرورة تأسيس ما أسماه ” أذرع إعلامية ” من أجل الترويج له عقب إطاحته في انقلاب عسكري بالدكتور محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب، مشيرا إلى أن “احتواء الإعلاميين من خلال أذرع، يحتاج بناؤها إلى بعض الوقت، لحين امتلاك حصة مناسبة في التأثير الإعلامي، وأن “الجيش مهموم بمسألة الإعلام والإعلاميين من أول يوم أتى فيه المجلس العسكري”.

وفي هذا التوجيه يمكن قراءة الأسباب وراء عدم اكتفاء المخابرات المصرية بالمشروعات الاقتصادية وشركات التصدير والاستيراد والإنشاءات والمقاولات “مجموعات وادي النيل كنموذج” والتي حازت علي دعم وطني غير مسبوق في فترات سابقة خاصة قبل حرب السادس من أكتوبر، والاتجاه بقوة إلى قطاع الإعلام للسيطرة الكاملة على منابره في ظل عجز الإعلام الحكومي بحسب التوصيف التقليدي المتدوال في مصر عن دعم النظام الحالي.

سيطرة كاملة

وتحت هذه المظلة، بات الأمر واضحا لدى الوسط الصحفي والإعلامي لخلفيات المؤسسات الصحفية والإعلامية في مصر، فبينما تحسب جريدة الشروق وناشرها على جهاز المخابرات العامة يتحدث كثيرون في الوسط عن تبعية صحيفة اليوم السابع لجهاز المخابرات الحربية وفي بعض الأقاويل جهاز الأمن الوطني بوزارة الداخلية المصرية بالتزامن مع تأكيدات واسعة حول اصطفاف مجموعة قنوات “دي إم سي” الفضائية، التي دشنت في يناير 2017 لجهاز المخابرات العامة، وكذلك الحال مع محطة راديو 9090 وموقع مبتدأ، وشبكة تلفزيون “الحياة”، وإذاعة (دي آر إن)، وتلفزيون “العاصمة” من البرلماني سعيد حساسين، الذي ورد اسمه في تقرير الصحيفة الأمريكية حول تسريبات ضابط المخابرات أشرف الخولي، ولم ينته عام 2017 إلا بسيطرة شركة “ايجل كابيتال” الإعلامية على كافة منابر شركة إعلام المصريين التي يترأس مجلس إدارتها رجل الأعمال المحسوب على النظام أحمد أبو هشيمة ليصبح الإعلام تحت سيطرة محكمة الأركان في الغرف السيادية، بحسب مراقبين .

قلق وغضب

وبحسب موقع ” مدى مصر ” فإن شركة “إيجل كابيتال للاستثمارات المالية ش.م.م” التي ترأسها داليا خورشيد- وزيرة الاستثمار السابقة- هي صندوق استثمار مباشر مملوك لجهاز المخابرات العامة المصرية، جرى تأسيسه مؤخرًا ليتولى إدارة جميع الاستثمارات المدنية للجهاز في عدد كبير من الشركات المملوكة للمخابرات جزئيا أو كليا.

إمبراطورية المخابرات العامة الجديدة في الوسط الإعلام رصدتها منظمة حقوقية بارزة بحجم “مراسلون بلا حدود”- ومقرها فرنسا- حيث أعربت عن قلقها لوقوع عدد من المؤسسات الإعلامية في أيدي رجال أعمال مقربين من الحكومة وأجهزة المخابرات في ظل توسع النظام المصري في حجب المواقع الإلكترونية، مؤكدة أن ” رجال المخابرات أقرب إلى وسائل الإعلام من أي وقت مضى”.

الناشر الصحفي هشام قاسم، العضو المنتدب الأسبق لصحيفة “المصري اليوم”، يسير في ذات الطريق الذي سلكته المنظمة الحقوقية، ويكشف في تصريحات صحفية عن أن الصفقات الإعلامية المتتالية لجهاز المخابرات تثير غضبا واسعا في أوساط صناعة الإعلام مؤكدا أن الأجهزة الأمنية تعمل في مجال الإعلام الآن بغرض واحد هو التحكم الكامل في الرسائل الإعلامية عبر شرائها من المنبع وعدم الاكتفاء بتعاون ملاك وسائل الإعلام أو الضغط عليهم.