العدسة – منصور عطية:

تشويه قطر والنيْل من سُمْعتها وإلصاق التهم الكاذبة بها، أصبح ليس مجرد أهداف لمنظمات حقوقية تسيطر عليها وتنشئها دول الحصار، بل قُبْلة الحياة التي تعيد الروح إلى منظمات واراها التراب قبل سنوات وأشهر من الأزمة الخليجية.

تلك المنظمات الوهمية مجهولة الهوية، خرجت إلى الحياة مع حصار قطر، رغم أنّ ماضيها يساوي صفرًا، ولم يعرف عنها أحد شيئًا سوى لحظة الإعلان عن تأسيسها لتدخل بعدها في سُبات عميق، لم تقطعه سوى الأزمة.

الرابطة الخليجية للحقوق والحريات

في يناير 2015 أعلنت منظمات حقوقية خليجية تأسيس “الرابطة الخليجية للحقوق والحريات” لمجموعة من الأهداف تأتي في سياق تعزيز جهود الجمعيات الحقوقية الخليجية في دفع وتقوية العمل الحقوقي بدول مجلس التعاون، وفق البيان التأسيسي للتحالف.

وتضمنت الأهداف نقاطًا هامة ربما تبدو مستجدة على مستوى دول الخليج حديثة العهد بمسألة حقوق الإنسان والالتزامات الدولية وخلافه، ومن بينها “دعوة دول الخليج وحثّها على ضرورة احترام التزاماتها الدولية والإقليمية في مجال حقوق الإنسان”، و”تفعيل واحترام دور المجتمع المدني في المساهمة مع الحكومات، في تطوير منظومة حقوق الإنسان الخليجية”.

كما أشارت إلى ضرورة “مكافحة كافة أشكال الاتجار بالبشر ومحاربة الدعارة واستغلال النساء الأجنبيات والأطفال وتطبيق القوانين ذات العلاقة”، و”ضمان كرامة وحرية المواطن الخليجي وتجريم الاسترقاق والرق والعبودية والاستبداد والقمع”.

روشتة نموذجية لطالما طمح لها العاملون في مجال حقوق الإنسان بدول الخليج، وعقد الكثيرون آمالًا عريضة على هذا التحالف من أجل تحقيق ما سعوا من أجله أو خشي الجميع على مدار عقود من المطالبة به والدعوة إليه.

لكن، ومنذ تاريخ التأسيس سالف الذكر توارى التحالف الخليجي عن الأنظار ولم يخرج عنه بيان واحد أو فعالية أو حتى موقف أو تصريح، ليصبح في عِداد الموتى، مع الأخذ في الاعتبار عدم وجود أي شخص يتحدث باسمه أو هيكل تنظيمي وإداري له، فضلا عن عدم وجود موقع إلكتروني أو حساب على أي من مواقع التواصل الاجتماعي.

واندلعت الأزمة الخليجية في يونيو 2017، لتدبّ الحياة في أوصال التحالف الذي نسيه الجميع وبقي مجرد ذكرى ببيانه التأسيسي في أرشيف الأخبار، ويظهر مجددًا.

غير أنّ هذا الظهور يبدو أنه كان مرتبًا أو على الأقل بتنسيق بين دول حصار قطر والمنظمات المشاركة في التحالف؛ حيث اقتصر دوره على إصدار مجموعة من البيانات مجهولة الهوية والمصدر تنشرها وسائل إعلام دول الحصار تصبّ جميعها في خانة تشويه الدوحة والهجوم عليها واختلاق الأكاذيب بحقها.

ففي 6 يوليو، أي بعد شهر واحد من اندلاع الأزمة يبدو أن دول الحصار أوعزت إلى الرابطة بالعودة إلى الحياة في سياق استراتيجيتها الهادفة إلى تشويه سمعة قطر؛ حيث نقلت الرابطة عن شخص يدعى “محمد نايف” وصفته “الناطق الإعلامي للرابطة” إنها أرسلت نداء عاجلًا إلى مكتب مدير منظمة العمل الدولية بجنيف ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، تطالبهم بالتدخل العاجل ضد ما قالت إنه “الانتهاك الخظير الذي تقوم به الحكومة القطرية حاليًا ضد مواطنيها وضد العمالة الوافدة التي تعمل في قطر والتي يقدر عددها بنحو مليونين و200 ألف عامل أغلبيتهم من الدول الآسيوية”.

تصريح آخر في 24 من الشهر نفسه على لسان الشخص ذاته، يتهم اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر برفض مشاركة الرابطة الخليجية في مؤتمر دولي عقدته اللجنة خلال يوليو 2017، لاستعراض تقرير بعنوان “انتهاك حرية الرأي والتعبير بالعالم العربي، قطر نموذجًا”.

أزمة الحجاج ألقت بظلالها على الرابطة العائدة للحياة، فأصدرت في سبتمبر الماضي بيانًا حذرت فيه السلطات القطرية من اعتقال الحجاح القطريين، واتهمتها بمحاولة تسييس قضية الحج.

“نوفل” يظهر مجددًا

ومن قلب جنيف السويسرية شاركت الرابطة في وقفة احتجاجية ضد قطر أمام مقر منظمة العمل الدولية مارس الماضي، أطلق خلالها حملة باسم “العدالة لضحايا كأس العالم في قطر”، بهدف “سحب تنظيم البطولة من الدوحة، ومقاضاتها دوليًا وتعويض الضحايا”.
المثير أكثر من مشاركة الرابطة ذاتها، ما صاحبها من منظمات وهمية وحقوقيين مأجورين معروفين بعلاقاتهم المشبوهة بحكومات وأنظمة دول الحصار وفي مقدمتهم الفلسطيني المثير للجدل “عبدالرحمن نوفل”.

“المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا وأوروبا” الشريك الثاني للرابطة في الوقفة، تعد إحدى المنظمات المشبوهة التي ابتدعتها كل من الإمارات والسعودية بهدف تشويه قطر من ناحية وغسيل سمعتيهما في الأوساط الحقوقية الدولية جراء الانتهاكات المرتكبة داخل وخارج أراضيهما.

ومن أبرز المحاولات الإماراتية في هذا الصدد إعلان المنظمة بالتعاون مع الرابطة الخليجية للحقوق والحريات وشخصيات حقوقية عربية، نوفمبر الماضي، تأسيس “الشبكة العربية (الموازية) للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان”.

تلك المنظمة التي يرأسها “نوفل” تواجه اتهامات باستغلال اسم “المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا” صاحبة التاريخ الناصع والتواجد الحقوقي البارز على مختلف الأصعدة، مستثمرًا تشابه الأسماء.

ووفقًا لتقارير إعلامية، اجتزأ “نوفل” اسم “المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا” ذائعة الصيت في إصدار بيانات باسمها وبصفته رئيسها، لمهاجمة قطر واختلاق معلومات كاذبة تسيء لسجلها الحقوقي، من أجل إضفاء شرعية وانتشار إعلامي لا يتوفر لمنظمته.
اللافت أن الشبكة الموازية لم تتطرق إلى أوضاع حقوق الإنسان المتدهورة في أنحاء الوطن العربي، إنما جعلت شغلها الشاغل، وهمها الأول والأخير مهاجمة قطر، والإساءة إلى سجلها الحقوقي الذي حقق طفرات متقدمة على مدار شهور الأزمة الخليجية منذ اندلاعها في يونيو الماضي، وألحق بنظرائه في دول الحصار هزائم مفجعة.

شبكة وهمية

نحن إذن أمام شبكة رباعية من المنظمات الوهمية التي تنتحل أسماء منظمات معروفة أو التي لا وجود لبعضها من الأساس، ويبدو القاسم المشترك فيها هو “نوفل”.
وغير ما تدعى “المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا وأوروبا” و”الرابطة الخليجية للحقوق والحريات”، هناك أيضًا “المنظمة الإفريقية للتراث وحقوق الإنسان”، و”المؤسسة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا” ليس لهما وجود على أرض الواقع سوى ببعض البيانات مجهولة المصدر.
عبر حسابها على تويتر، لم نجد للمنظمة الإفريقية سوى إعادات تغريد لبعض الكتاب السعوديين والإماراتيين المناهضين لقطر، وتقارير مصورة لوسائل الإعلام بدول الحصار تحفل بالأكاذيب.

ومن غير المعروف للمنظمتين تاريخ تدشين أو مؤسسين أو هيكل تنظيمي أو متحدثين، ولا وجود لهما سوى في بعض البيانات كما سبق ذكره.
ومن اللافت أن ثمة بيانًا جمع المنظمات الأربع في سابقة تبدو هي الأولى من نوعها، الأمر الذي يؤكد الشكوك حول هدفها المشترك ومنبعها الواحد ومموليها.

تأييد دول الحصار في ردها على مضمون تقرير البعثة الفنية لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بشأن قطر، كان هو موضوع البيان المشترك للمنظمات الأربع، والصادر في يناير الماضي.