العدسة – معتز أشرف:

في مطالعة دورية جديدة لخبراء مركز كارينجي للدراسات الاستراتيجية حول القضايا التي تتعلق بسياسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومسائل الأمن، تصدرتها الأزمة المتصاعدة في سوريا، برز تساؤل هام يبحث في توقعات بقاء القوات الأمريكية في سوريا حتى نهاية العام 2018، وهو التساؤل الذي ربطه الخبراء بالأوضاع الراهنة، مشددين علي أن الهجوم الكيميائي المروّع الذي شنّه نظام الأسد على المدنيين نهاية الأسبوع الماضي هو الأمر الوحيد الذي يضمن ربما عدم الانسحاب المبكر من سوريا، أو يوقف الحديث عنه على الأقل، ولاسيما إذا ما تبنّى ترامب خيار الردّ العسكري القوي، وهذا مُحتمل في ظلّ سيطرة الصقور عليه، فيما توقع بعضهم أن يكون مصير الديكتاتور السوري بشار الأسد كالرئيس العراقي الراحل صدام حسين.

بقاء حتمي!

منى يعقوبيان مستشارة أولى لشؤون سوريا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد السلام الأمريكي (United States Institute of Peace) قالت في المطالعة الدورية التي وصلتالعدسة“: “ستبقى الولايات المتحدة في سوريا في نهاية العام 2018، على الرغم من أنَّ الرئيس دونالد ترامب أمر قواته بالانسحاب منها في غضون ستة أشهر..

فمع أن بيانًا صادرًا عن البيت الأبيض مؤخرًا أشار إلى أن المهمة العسكرية للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية “شارفت على الانتهاء”، ثمة أمران يشيان بأن القوات الأمريكية ستبقى في نهاية هذا العام، وهما: أولاً، الواقع السوري الفوضوي- الذي تجلّى في الهجوم الكيميائي على دوما نهاية الأسبوع الماضي، وما تبعه من دعوات إلى المجتمع الدولي بالردّ؛ وثانيًا، تعيين الصقر الهجوميّ والمتشدّد جون بولتون مستشارًا جديدًا لشؤون الأمن القومي.

وأضافت أنه في هذه الأثناء، تراوح الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا مكانها، فيما حلفاء المتحدة الأكراد مُنشغلون بالتهديد الذي تطرحه تركيا. وفي غضون ذلك، لايزال تنظيم الدولة الإسلامية يسيطر على بعض الجيوب، فيما يشير مراقبون إلى مؤشّرات توحي بإمكانية إعادة إحياء التنظيم. وفي واشنطن، سيكون بولتون على الأرجح من بين أبرز الدعاة إلى إبقاء قوات أمريكية في سوريا، وقد يرجّح كفة هذا الخيار عبر السعي إلى طمأنة مخاوف الرئيس، وهو ما يعني أن القوات الأمريكية ستبقى في سوريا، إذًا، طيلة العام 2018، أما احتمال بقائها في العام 2019، فهذا شأن آخر.

حرب لا متناهية!

أما آرون ديفيد ميلر، نائب الرئيس للمبادرات الجديدة، ومدير برنامج الشرق الأوسط في مركز وودرو ويلسون الدولي للأبحاث في واشنطن العاصمة، ومستشار سابق حول المفاوضات العربية-الإسرائيلية (1988–2003) فأكّد أن النموذج الأمريكي في الحروب اللامتناهية هو المعتمد، مشيرًا إلى أن الحروب الأمريكية اللامتناهية في العراق وأفغانستان، أبرزت هذا الاتجاه؛ حيث المعيار الأساسي للانتصار ليس مدى قدرة الأمريكيين على كسب الحرب، بل كيفية تجنّب الخسارة، وهذه التجارب في علم الاجتماع التي أطلقتها أمريكا على مدى العقد ونصف العقد الأخيرين وبلغت كلفتها تريليونات الدولارات من دون أن تتمكّن من كسبها أو من الانسحاب منها، باتت على ما يبدو النموذج المُحتذى للانخراط العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط وجنوب غرب آسيا.

وشدّد علي أن سوريا ستشكل مسرحًا لحرب “لا متناهية” جديدة، وما أعلنه الرئيس دونالد ترامب من أنه يريد الخروج من سوريا، سيحقّقه مع الوقت، إنما ليس بالضرورة في القريب العاجل، فهو ليس خبيرًا في السياسة الخارجية، لكنه يدرك أن نشر عدد محدود من القوات الأمريكية في سوريا، أي حولى 2,000 عنصر وتسعة مسؤولين في السلك الدبلوماسي الأمريكي لن يتمكّن من احتواء إيران، أو ضبط روسيا، أو الضغط على الرئيس السوري بشار الأسد، وبالتالي فهو لا يريد أن يورّط أمريكا في حرب أخرى تمتدّ إلى ما لانهاية، فهدفه هو إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية وضمان ألا يُحمَّل هو المسؤولية – كما حُمِّل الرئيس باراك أوباما قبله مسؤولية الانسحاب قبل الأوان من العراق وصعود الدولة الإسلامية.

وأضاف أنَّ واقع الحال أن خوف ترامب من التعرّض لما تعرّض إليه أوباما قد يُبقيه في سوريا لفترة أطول مما يشاء، فغالب الظن أن القوات الأمريكية باقية في سوريا في المستقبل العاجل أو القريب، أقلّه إلى حين إجراء الانتخابات النصفية المُزمعة ونهاية العام 2018، ولاسيما أنَّ هذا الخيار يحظَى بتأييد مستشاريه العسكريين والصقرين جون بولتون ومايك بومبيو اللذين هما من غلاة المتشدّدين تجاه إيران، ولديهما رؤية أوسع حيال العملية العسكرية الأمريكية في سورية، مؤكدًا أنّ الهجوم الكيميائي المروّع الذي شنّه نظام الأسد على المدنيين نهاية الأسبوع الفائت، هو الأمر الوحيد الذي يضمن ربما عدم الانسحاب المبكر من سوريا، أو يوقف الحديث عنه على الأقل، ولاسيما إذا ما تبنّى ترامب خيار الرد العسكري القوي، وهذا مُحتمل، وبالتالي يُرجَّح في هذه المرحلة أن يوقف ترامب حديثه عن التراجع أو الانسحاب من سوريا، لبعض الوقت على الأقل، وهذا ما سينصحه به بولتون وبومبيو على الأرجح، فمع أن ترامب لا يريد ذلك، إلا أنَّ احتمال توسيع الدور الأمريكي في سوريا مطروحٌ دائماً للردّ على أي تطورات مفاجئة قد تفرزها عملية عسكرية أمريكية.

حضور بلا جدوى!

من جانبه قال نديم شحادة، مدير مركز فارس للدراسات الشرق أوسطية في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية في جامعة تافتس، وزميل باحث لدى تشاتام هاوس: إن الولايات المتحدة خرجت فعليًا من سوريا منذ فترة؛ فقد كانت غائبة في محادثات الأستانا وسوتشي حول سوريا، ومؤخرًا في المفاوضات التي أُجريت في أنقرة؛ حيث كانت تجري عملية تقرير مستقبل سوريا بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والإيراني حسن روحاني والروسي فلاديمير بوتين، وصحيح أن الوجود المادي للولايات المتحدة في المنطقة فاقع وكبير، إلا أن أهميّته ضئيلة، وبينما يتزامن هذا الأسبوع مع ذكرى تدمير تمثال صدام حسين قبل خمسة عشر عامًا، لاتزال الولايات المتحدة مصابة بشلل إزاء الدروس التي استقتها من غزو العراق/ كما لايزال الرئيس السوري بشار الأسد يتولّى زمام السلطة، تمامًا كما فعل صدام بين 1991 و2003، وسيواصل قتل شعبه في دوما ومناطق أخرى، سيستمر الوضع على هذا المنوال طالما أننا نعتقد أنّ إطاحة الأنظمة الديكتاتورية هي التي تسبّب الفوضى، وليس حقيقة احتكار هذه الأنظمة للسلطة طيلة عقود. لذا، فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا ليس ما إذا كانت القوات الأمريكية ستكون لاتزال متواجدة في سوريا بحلول نهاية العام 2018، بل ما إذا كان الوجود الأمريكي سيُحدث أي فرق يُعتد به”.

حسابات معقدة

أندرو جي. تابلر  زميل “مارتن جي. غروس” في برنامج معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى حول السياسة العربية في واشنطن العاصمة من زواية اخري أكد أنه من المرجّح إلى حدّ كبير أن تكون القوات الأمريكية لاتزال موجودة في سوريا بحلول نهاية العام 2018، فلم يتمّ تدمير الدولة الإسلامية حتى الآن، وبالتالي تبقى مهمة تدمير التنظيم مستمرة، وفي حين سئِم الأمريكيون من الحروب الطويلة والمُكلفة في الشرق الأوسط وغيره من المناطق- ويُحتمل أن يستمر هذا المنحى- إلا أنّ الوجود الأمريكي بعد العام 2018 يعتمد على مدى استعداد دول الشرق الأوسط لتحمّل أعباء الاستقرار وإعادة إعمار سوريا.

وأضاف تابلر أنه علاوةً على ذلك، تلعب الدول المجاورة، التي تتواجد قواتها (الخاصة وغيرها) أساسًا في سوريا، دورًا رئيسًا في محاربة الجماعات المتطرفة في مناطق مختلفة من سوريا، وتسعى إلى إرساء الاستقرار في تلك المناطق من خلال عملية سياسية للمّ شعث سوريا المتبعثرة في كيان واحد من جديد، بيد أن الدول الخليجية العربية الغنية، على غرار السعودية والإمارات العربية المتحدة، تضطلع أيضًا بدور مهم يتمثّل في توفير الدعم والتمويل الضروريين لإرساء الاستقرار وإعادة إعمار المناطق غير الخاضعة إلى سيطرة نظام الأسد، وهذا لن يساهم في ضمان هزيمة الدولة الإسلامية وحسب، بل سيضمن أن يكون نفوذ إيران المتنامي في سوريا والمنطقة مقيّدًا ومتراجعًا. وتملك واشنطن، عبر عملها مع حلفائها الإقليميين، القدرة لمساعدتهم على تحقيق أهداف مشتركة في سوريا والمنطقة ككل.