كتبه – أحمد عبدالعزيز
باتت السعودية تحت حكم محمد بن سلمان غير قادرة إخفاء فضائحها وجرائمها من فرط كثرتها، وكان آخر هذه الجرائم التي فشلت في إخفائها، هي قيام مرتزقة “بلاك ووتر” بتعذيب الأمراء ورجال الأعمال الموقوفين حاليا في فندق “ريتز كارليتون” بالرياض بتهم الفساد واختلاس المال العام.
القضية فجرتها صحيفة “دايلي ميل” البريطانية، عندما نقلت عن مصادر سعودية قريبة من القضية، قولها إن الأمراء ورجال الأعمال المحتجزين يتم الاعتداء عليهم وضربهم وتعذيبهم بعدما طال أمد التفاوض بين ولي العهد محمد بن سلمان وبينهم بهدف الاستيلاء على أموالهم.
وقالت الصحيفة إن شركة “بلاك ووتر” سيئة السمعة، والتي كان لها دور كبير في تدمير العراق، هي التي تشرف على عمليات التعذيب، تحت عين وبصر محمد بن سلمان، الذي تجنب أن تتم الاستجوابات بواسطة الضباط السعوديين الذين كانوا يؤدون التحية قبل أيام للأمراء المحتجزين.
وبالرغم من محاولة العديد من الأطراف السعودية نفي هذه الاتهامات، والقول بأنها تصدر عن “أعداء المملكة” وأن الغرض منها تقويض عملية الإصلاح الشاملة التي يقوم بها بن سلمان بهدف استعادة أموال البلاد، إلا أن هناك العديد من الدلائل التي تؤكد صحة هذه الاتهامات، بل ربما تكشف أن هذه الاتهامات ربما هي مجرد غيض من فيض مما يشهده أمراء آل سعود.
مصدر بالديوان الملكي
قضية تعرض الأمراء للضرب والتعذيب، لم تكن جديدة، فقد سبق الديلي الميل التي فجرت القضية مؤخرا، تصريحات للصحفي البريطاني دفيد هيرست قبل أسبوعين، كشف من خلالها أن بعض كبار الشخصيات من أمراء ووزراء حاليين وسابقين من المعتقلين ضمن حملة التوقيفات الأخيرة في السعودية، تعرضوا للضرب والتعذيب بشكل سيء خلال اعتقالهم واستجوابهم لاحقا، مما أدى إلى نقل بعضهم للعلاج في المستشفى.
وأكد في مقال له بموقع “ميدل إيست آي”، نقلا عن مصادر داخل الديوان الملكي، أن بعض الشخصيات وليس جمعيها، عوملت دون غيرها بوحشية شديدة وتكبدت جراحا في مختلف أنحاء البدن تحت وطأة ألوان من التعذيب التقليدي، إلا أن وجوههم لم تصب بجراح حتى لا تظهر عليهم بعد أن يظهروا للعلن لاحقا أي علامات تدل على التعذيب والامتهان الذي تعرضوا له.
الوليد بن طلال
مرتزقة بلاك ووتر
كانت أكبر حجة دفع بها السعوديون تهم الاعتداء على الأمراء وتعذيبهم، هي القول بأن السعودية لا تتعامل شركة بلاك ووتر ولا يوجد أي حضور لها داخل الأراضي السعودية، بينما الواقع يكشف غير ذلك.
فالعلاقة بين السعودية والشركة سيئة السمعة قديمة، وبالتحديد العلاقة بينها وبين محمد بن سلمان، الذي فُضحت بعض تفاصيل خطته قبل أشهر ولكن أحدا لم يلتفت لها.
فقد كشف المغرد السعودي الشهير “مجتهد” قبل أكثر من عام من الآن، أن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، يتمتع بعلاقة ممتازة مع “إريك برنس” رئيس شركة بلاك ووتر الأمنية الأمريكية، وقد استخدمها لاستجلاب المرتزقة لأغراض أمنية في الإمارات، وكذا في تدخلات الإمارات في اليمن، لافتا إلى أن بن زايد تمكن من ربط برنس بولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وأشار إلى أن بن زايد، أقنع بن سلمان بالاستعانة بمجندي الشركة لمعاونته في صراعه على السلطة مع غريمه الذي كان لا يزال في منصبه في ذلك الوقت، محمد بن نايف.
وكانت الحجة في ذلك، أن الأجهزة الأمنية الداخلية جميعها تحت سيطرة محمد بن نايف، وحتى لو تمت الإطاحة به، فسيظل ولاء هؤلاء الجنود لابن نايف وهو ما قد يعرقل عملية كسب محمد بن سلمان للمعركة.
فيما ظل الحرس الوطني، الجانب البديل الذي كان يمكن أن يلجأ إليه بن سلمان في صراعه، تحت سيطرته متعب بن عبدالله، وحتى لو أطيح بمتعب من منصبه كما حدث، فإنه من الصعب دفع الضباط والجنود الذين كانوا يأتمرون بأمره بالأمس، إلى أن يجبروه على ما يبتغيه بن سلمان اليوم.
ولم يكن هناك سوى القوات السعودية المسلحة، ولكن إشراكها في الصراع الداخلي السعودي كان سيصبح بمثابة مغامرة غير محسوبة من قبل ولي العهد، الذي قد يفشل في السيطرة على الجيش في مرحلة لاحقة إذا ما سمح له بالتدخل في الشأن السياسي، لذا لم يكن أمامه سوى الاستعانة بشركة أمنية خاصة تساعده في جريمته.
بلاك ووتر
اليمن نقطة تعاون
بدأت العلاقة بين بن سلمان وبلاك ووتر عندما استعان بهم في الصراع الدائر في اليمن، بعدما بدأ يشعر أن الجنود والضباط السعوديين لا يؤمنون بعدالة القضية السعودية وأنهم يخوضون حربا لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
حيث كشفت بعض التقارير الصحفية أن بن سلمان استعان بمئات المقاتلين الكولومبيين ونشرهم في اليمن للقتال إلى جانب الجيش السعودي، حيث يحصل كل مقاتل على قرابة 10 آلاف دولار شهريا.
وفي هذا الإطار زعمت وكالة أنباء فارس الإيرانية شبه الرسمية، أن قوات بلاك ووتر العاملة في اليمن إلى جانب صفوف الجيش السعودي وقوات التحالف العربي الذي تقوده المملكة، انسحبت في وقت سابق من تعز جراء الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها في المعدات والأرواح.
مرتزقة فى اليمن
تصريحات ميشيل عون
إبان أزمة احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في السعودية، من قبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، خرج الرئيس اللبناني ميشيل عون، ليؤكد أن الحريري وضع تحت الإقامة الجبرية مطالبا المجتمع الدولي بالتحرك لإنقاذه.
وفي معرض حديثه عن هذه الأزمة، قال عون لوفد من وسائل الإعلام، أن لدى السلطات اللبنانية معلومات غير مؤكدة على أن من يحرس الحريري هو مقاتلي بلاك ووتر وليس الأمن السعودي، معتبرا أن السعودية تخالف بهذا الإجراء معاهدة فيينا والأعراف الدبلوماسية التي تنص على عدم تقييد حرية أي رئيس حكومة في العالم.
وعاد عون ليؤكد نفس وجهة نظره تلك عبر مجموعة تغريدات على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، إلا أنه عاد وحذف التغريدة التي ذكر فيها الجزئية الخاصة بمرتزقة بلاك ووتر.
سعد الحريري
المستشار” حبيب العادلي
وبعدما تبينت العلاقة الوثيقة بين محمد بن سلمان وبلاك ووتر، نأتي إلى نقطة جديدة، تؤكد تغير النهج السعودي الرسمي في التعامل مع القضايا الداخلية، نتيجة تغير الشخصيات التي تعتمد عليها السلطة في الملفات الأمنية.
وهنا يجب الحديث عما كشفته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، عدما قالت قبل أيام، أن حبيب العادلي، وزير الداخلية المصري السابق، والذي اشتهر بارتكابه العديد من الجرائم ضد المصريين في السجون والأقسام، والمتهم بقتل المتظاهرين في الميادين إبان ثورة 25 يناير، والهارب من حكم بالحبس، يقيم حاليا في السعودية، ويعمل مستشارا لمحمد بن سلمان.
وقالت الصحيفة إن العادلي أوكل إليه الإشراف على ملف توقيف الأمراء واستجوابهم، أو بمعنى أصح إجبارهم على التنازل عن ممتلكاتهم لولي العهد تمهيدا للاستيلاء عليها.
لذا ليس من المستبعد عندما يكون شخص بهذا التاريخ الأسود والخبرة الطويلة في التعذيب واستخدام وسائل العنف، مستشارا للسلطة السعودية، أن تمارس السلطة هذه الجرائم بدم بارد معتقدة أنها الوسيلة الأنجع لتحقيق غرضها، خاصة إذا كان غرضها يأتي اغتصابا.
حبيب العادلي
تعذيب بإشراف ولي العهد
أما الحديث عن أن التعذيب يتم تحت إشراف ولي العهد، فقد أكدت “الديلي ميل” أن ولي العهد يجري بعض التحقيقات بنفسه عندما يكون الأمر كبير، ويطرح بنفسه الأسئلة، ويتحدث مع المحتجزين بطريقة لطيفة، ثم يترك الغرفة ليدخل المرتزقة، ليبدأ الضرب والتعذيب والتعليق من الأرجل.
صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، أكدت هي الأخرى، أن بن سلمان بات ضيفا دائما على فندق ريتز كارلتون الذي يحتجز فيه الأمراء ورجال الأعمال.
وقالت قبل أيام في تقرير لها، إن الرجل يتوجه بشكل يومي إلى الفندق، ويقضي ساعات طوال داخله.
فإن كان الأمر يجري بحيادية كما تزعم السلطات السعودية، وأنه يتم بمعرفة النيابة العامة، فما هو مبرر وجود بن سلمان الدائم في مقر الاحتجاز؟ بالطبع يبدو الأمر غير منطقي بالمرة، ويؤكد فكرة أنها عملية اختطاف واسعة النطاق تقودها الدولة للاستيلاء على فدية لإطلاق هؤلاء الرهائن، وفي عمليات الاختطاف، كل شيء جائز عند اللصوص.
بن سلمان
عبدالعزيز بن فهد
ومن أشد مظاهر التعذيب، هو حرمان بعض المحتجزين من الرعاية الطبية اللازمة، خاصة وأن بعضهم يعاني من أمراض عدة تستدعي وجود رعاية طبية دائمة وملاحظة مستمرة، على طريقة الإمبراطور الروماني “كاليجولا” الذي كان يستمتع بتعذيب أحبابه والقريبين منه.
وهذه نقطة أثارتها صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، التي قالت إن المحتجزين يتعرضون لظروف قد تعرض حياتهم للخطر، ومن مظاهر ذلك، حرمان 17 من المحتجزين من الرعاية الطبية التي يحتاجونها وبشدة.
وبالرغم من محاولة النظام السعودي للإيحاء بأنه يقدم أعلى رعاية ممكنة للمحتجزين وأنه يعاملهم بشكل آدمي، إلا أن تاريخه في هذه المسألة، وخاصة ممارسة محمد بن سلمان بالتحديد، تكشف إلى أنه لن يتورع إلى استخدام نقطة الرعاية الطبية كوسيلة ضغط حينا، وكوسيلة للانتقام حينا آخر.
وهو ما ظهر في قضية عبدالعزيز بن فهد، نجل الملك فهد الذي قام محمد بن سلمان باختطافه من منزله وإلقائه في سجن خاص داخل أحد الجزر المواجهة لشواطئ جدة دون مراعاة لوضعه الصحي، حيث يعاني من اختلالات عقلية بالإضافة إلى الضغط والسكر والقلب بسبب الوزن الزائد.
وعقب عملية الاحتجاز، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مناشدات لإطلاق سراح عبدالعزيز بن فهد، حيث أكدت جل هذه المناشدات أن الرجل لا يتلقى العلاج اللازم، وهو ما تسبب في تدهور كبير بحالته الصحية، وأن والدته توجهت إلى الملك أكثر من مرة للقائه ومناشدته بإطلاق سراح نجلها وإنقاذه من الموت نتيجة الإهمال، إلا أن أحدا لم يستمع للأم المكلومة.
عبدالعزيز بن فهد
اللافت، أن قيام محمد بن سلمان باحتجاز عبدالعزيز بن فهد، جاء بهدف إرضاء محمد بن زايد، حيث خرج بن فهد قبل عملية احتجازه بأيام وتهجم عليه قبل وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما جعل بن زايد يستشيط غضبا، فما كان من ولي العهد السعودي إلى الإسراع بمعاقبة ابن اعمه عبدالعزيز بن فهد طلبا لرضا بن زايد، الذي يرى محللون أنه المخطط الفعلي والحقيقي لكل التحركات الانفعالية لولي العهد السعودي.
فإن كان محمد بن سلمان من السهل عليه أن ينكل بعبدالعزيز بن فهد لمجرد استرضاء محمد بن زايد، فبالتأكيد من الأسهل عليه استخدام نفس الأساليب إذا كانت هذه المرة ستعود عليه بمئات الملايين من الدولارات.
اضف تعليقا