العدسة – ربى الطاهر
على الرغم مما أطلق عليه بأنه السم الأبيض.. فإننا لا يمكننا الاستغناء عنه فمكوناته تحتوى على عناصر ومواد غذائية لا غنى عنها مطلقا، فهو مهم لموزانة المياه داخل الجسم، بالإضافة إلى أنه يساعد عملية التمثيل الغذائي داخل الخلايا، وهذا يعنى أن الملح من المواد الضرورية لبقاء الكائنات الحية على قيد الحياة… ولكن يبقى أن يكون استخدام تلك البلورات البيضاء الصغيرة بحذر شديد جدا فهى رغم إفادتها إلا أن الإكثار منها قد يستبب في كوارث صحية.
ويتكون الملح بشكل أساسي من كلوريد الصوديوم (NaCl – Sodium chloride)، والذى يستخدم غالبا لإضافة النكهة للعديد من الأطعمة، أو لحفظها، إلى جانب وجوده كمكون طبيعي في العديد من تلك الأطعمة.. فما هو الصوديوم ؟ وما أهميته ؟ وما هى الكمية المسموح بتناولها منه ؟
الصوديوم وأهميته
ويلعب الصوديوم دورا مهما بالنسبة للجسم حيث يتداخل عمله مع عمل العديد من المعادن الأخرى كالبوتاسيوم لتنظيم عدة عمليات حيوية مهمة فهو المسئول عن تنظيم توازن السوائل في الجسم وتوازن الحمض والقاعدة فيه، كما أنه يساعد في نقل الإشارات العصبية وتقلص العضلات، كما يقوم بتنظيم عمل الجهاز الهضمي، إضافة إلى كونه يحفظ حرارة الجسم ويقيه من ضربات الشمس.
ولكن رغم ما ذكرناه لابد من اتباع كميات محددة في تناوله
فلابد ألا يتجاوزمعدل الاستهلاك اليومي من الصوديوم ما بين 3 :7 جرامات (في اليوم)، فالملعقة الواحدة من ملح الطعام تحتوي على ما يقرب من2 جم من الصوديوم.
ويتخلص الجسم عادة من بعض الصوديوم المخزون بالجسم يوميا عن طريق البول والعرق وتصل هذه النسب إلى ما يقارب 20 :30 جم يوميا، ولكن يتم تعويضها عن طريق تناول السوائل والأغذية المختلفة التي تحتوي على الصوديوم.
ويختلف الأمر كثيرا في المناطق ذات المناخ المعتدل حيث الحاجة إلى إضافة الصوديوم قليلة، أما بالنسبة لسكان المناطق الاستوائية فقد يزيدون من تناول الملح في غذائهم نظرا لما قد يتعرضون له من ضربات الشمس فتحميهم تلك الكميات الزائدة من هذا الضرر جراء خسارة كميات من الصوديوم بسبب التعرق الزائد.
أما المصابون بالأمراض المزمنة مثل” السكري، وأمراض القلب، وضغط مرتفع، وأمراض الكلى” فالكمية المسموح بها لا تزيد عن 1500ملجم
أهم مصادر الصوديوم
ويتوفر الصوديم في العديد من الأطعمة وليس ملح الطعام فقط ولكنه أعلاها كما يوجد أيضا في ” الأغذية المصنعة، الأجبان، البيض، الجوز، الخبز والحبوب، اللحوم والأسماك وكذلك المدخنة منها، المخللات (المكبوسة) أو المعلبة، كما أنه يتركز بنسبة عالية في الأغذية المعلبة، الزيتون، المياه التي تعرضت إلى عملية التليين (Water Softening)”
كما يوجد الصوديوم أيضا في بعض الأدوية وبنسب عالية جدا وهو ما كان من المهم لفت الانتباه إليه وليس في الطعام فقط ومن هذه الأدوية Certain” antacids ” الأدوية المضادة للحموضة، و”Laxatives” بعض أنواع الملينات والمسهلات، Nonsteroidal anti-inflammatory drugs –NSAID”” وهي الأنواع المضادة للالتهابات والعدوى”.
نقص الصوديوم
وبعد توضيح أهمية الصوديوم وحتمية تواجده بالأطعمة التى نتناولها قد يتخوف بعض من لا يقبلون على الأطعمة المالحة أو من هم ممنوعون من ملح الطعام من نقصان الصوديوم وهو ما قد يترتب عليه بعض المشاكل الصحية.. ولكن هذه التخوفات غير حقيقية حيث إن الصوديوم موجود في معظم الأطعمة وهو مادة تمتص جيدا ولذا فمن النادر حدوث نقص فيه.
والكلي هي المسئولة عن تحديد كمية الصوديوم المطلوبة في الجسم كما انها تنظم توازنه مع الماء، وتحدث هذه العملية من خلال إفراز الغدة الكظرية (Adernal gland) لبعض الهرمونات المختلفة التى تقوم بتلك المهمة، وكذلك الغدة النخامية (Hypophysis) ، ويعتبر مستوى الصوديوم في الحدود الطبيعية إذا كانت نسبته تتراوح ما بين 135- 145 meq/dl.
أما إذا نقص مستوى الصوديوم عن أقل من 135 meq/dl، فهنا تظهر مشكلة نقص الصوديوم وغالبا ما تهبط إلى هذا المستوى بسبب فرط الماء في الجسم، نتيجة لتناول كميات كبيرة من الماء، ولا يحدث ذلك عن طريق الشرب فقط ولكن قد يحدث بسبب التسريب في الوريد (Intravenous Infusion)، أو كنتيجة لبعض الحالات المرضية مثل أمراض الجهاز العصبي المركزي، وأمراض الرئة، وكذلك أمراض الكبد أو الكلى أو فشل القلب الاحتقاني، أو قصور الغدة الدرقية، ولكن يبقى أن هذه الحالات من النادر حدوثها وأن أغلب الحالات المرضية قد تحدث بسبب زيادة نسبة الصوديوم وهو ما يؤدي إلى مشاكل صحية متعددة.
أضرار الملح
وبما أن الرصيد السموح به للفرد من استهلاك الصوديوم لا يتجاوز 2000 ملجم فإن أى زيادة عن هذه النسبة قد تاتي بما لا يحمد عقباه من تعطيل لوظائف الجسم المختلفة ومنع امتصاص بعض المواد، وكذلك الكثير من الأعراض المرضية وأهمها:
ارتفاع ضغط الدم
ولعل ارتفاع ضغط الدم هي أول مشكلة وأشهرها تصيب من يتناول الملح بكميات كبيرة، وقد يرجع السبب في ذلك إلى أن زيادة نسبة الصوديوم في الدم تحدث خللا في نسب وتوازن المعادن وبالتالي يؤدى هذا إلى احتباس الماء في الجسم ومن ثم زيادة حجم الدم وزيادة الضغط معه، ومن أهم التأثيرات الخطيرة على الصحة التى تنتج عن ذلك، تلك الأمراض المتعلقة بزيادة الضغط ومنها أمراض القلب والسكتات والجلطات القلبية والدماغية أيضا.
مشاكل في الكلى
وتعتبر الكلي من أهم أجهزة الجسم التى تقوم أصغر الشعيرات فيها بدور هام جدا في تنقية الفضلات الموجودة بالجسم، وكذلك تصفية الدم من المعادن الفائضة والتى من بينها نسب الصوديوم الزائدة عن حاجة الجسم، إلا أن زيادة كميات الملح والصوديوم يحمل الكلي المزيد من الأعباء وهو ما يجعلها مع الوقت تتعرض لتكون الحصوات، بالإضافة إلى أن ارتفاع ضغط الدم الذى يحدث بسبب ارتفاع نسب الصوديوم أيضا وهو ما يؤدى بدوره إلى هلاك شرايين الكلي الدقيقة مما يؤثر سلبا على كفاءتها.
مشاكل القلب
تترابط أعضاء الجسم فيما بينها بشكل قد يجعل مرض واحد يؤثر على العديد من الأجهزة المختلفة، ولعل الأمراض التى تنتج عن زيادة الصوديوم أو الملح هي خير دليل على ذلك فارتفاع ضغط الدم هوالمسئول بالتبعية عن احتمالات الإصابة بأمراض القلب والشرايين، كما انه قد يؤدي إلى تضخم وزيادة في حجم القلب ويزيد ذلك من الأعباء الكبيرة جدا التى يحتملها القلب، وهو ما يجعل القلب أكثر عرضة للجلطات والسكتات المفاجئة وعلى أقل تقدير فهو يضعفه.
مشاكل الجهاز الهضمي
أثبتت الدراسات الحديثة الارتباط الوثيق بين تناول الملح بكميات كبيرة وبين الإصابة بسرطانات المعدة، كما أثبتت الأبحاث كذلك تأثر الجهاز الهضمي سلبا مع زيادة تناول الصوديوم فقد يزيد من حدوث حرقة المعدة، وقد يقف وراء تكًون القرحة، ومن الأهمية كذلك الالتفات إلى ما يقوم به من دور أساسي في توازن القاعدة والحمض بالجسم، وكذلك إفرازات الجهاز الهضمي.
الجفاف
ويقوم الصوديوم الزائد بسحب المياه من داخل الخلايا بحسب الخاصية الاسموزية وبالتالي يؤدى إلى جفافها، مما يزيد الشعور بالعطش وينبه المخ إلى حاجة الجسم لتناول السوائل التي تعيد الأمور إلى التوازن مرة أخرى.
احتباس الماء في الجسم
وقد تكون من أشهر العلامات التى تنبئ بزيادة نسبة الأملاح بالجسم هي احتباس السوائل في الجسم وخاصة إذا كانت المرأة في فترة الحمل، أو في حالة الإصابة ببعض الأمراض وخاصة أمراض الكلى، وهو ما يكون بمثابة جرس إنذار للتنبيه على أنه يجب فورا التقليل من تناول الاملاح لتخليص الخلايا من تجمع السوائل بها.
خلل في توازن المعادن والهرمونات
وربما يصل الأمر في حالة زيادة نسبة الصوديوم في الدم ببعض الأحيان إلى حدوث خلل في توازن المعادن والهرمونات بالجسم وهو ما يؤثر سلبا على العديد من العمليات الحيوية في الجسم وخاصة تلك التي تعتمد على تنظيم كهرباء الجسم، والتى ترتبط بشكل أساسي بعمل الأعصاب، وقد يكون ذلك هو المسئول عن زيادة الشعور بالدوخة والاكتئاب وحدوث التشويش، كما قد يؤثر أيضا على العضلات ويتسبب في تكرار الشعور بشد العضل.
هشاشة العظام
وترتبط زيادة الأملاح أو الصوديوم في الجسم بالتأثير على المعادن بشكل عام وعلى الكالسيوم بشكل خاص فيمنع امتصاصه في الجسم بشكل جيد والاستفاده منه، وبالتالى يؤثر ذلك على كثافة العظم ونموه، وخاصة في الحالات الأكثر عرضة للإصابة بهشاشة العظام مثل النساء ما بعد سن اليأس.
وقد أعدت منظمة الصحة العالمية WHO تقريرا عن التغذية وضغط الدم أشارت فيه إلى أن كمية الصوديوم المتناولة في مناطق مختلفة من الوطن العربي تصل حسب التقديرات إلى أكثر من 5 جرام لكل شخص يوميا، وهي أعلى كثيرا من الكمية الموصى بها، إذ إنها تتراوح ما بين 7.2 جم في لبنان، إلى 19 جم في الأردن وكذلك في معظم البلدان، ويساهم الخبز وحدة بتوفير 20% من الكمية الموصى بتناولها من الملح.
وأخيرا أوصت منظمة الصحة العالمية بتناول ما لا يزيد من الصوديوم عن 2 ملجم أي ما يعادل 5 جم يوميا للأفراد ممن هم أعلى من 16 سنة، وذلك من أجل التقليل من خطر الإصابة بضغط الدم وأمراض القلب الوعائية والتاجية والسكتات.
اضف تعليقا