سواء نفت المملكة العربية السعودية أو أكدت طلبها الوساطة من وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي بين الرياض وطهران فإن المواقف المعلنة أمام الكاميرات ربما تكون ستارا لمواقف مغايرة تعكسها الأحداث الأخيرة.

فالمملكة العربية السعودية محاطة بالعديد من الملفات الساخنة داخليا وخارجيا والمتشابكة في مجملها مع الدولة الإيرانية.

التشابك الداخلي مع إيران

تسعى المملكة العربية السعودية إلى تحقيق هدفين رئيسيين داخليا يربطهما تحقيق الأمن والهدوء الداخلي من أجل تمكين محمد بن سلمان من الوصول إلى كرسي العرش.

فهناك أزمة حقيقية تعاني منها المملكة في شرق البلاد وخاصة في منطقة العوامية ذات الأغلبية الشيعية والتي تشهد حالة من الفوضى تمثل صداعا في رأس الحكومة الملكية مما دفع بالقوات السعودية إلى الدخول في مواجهات واعتداءات على الأهالي وهو ما تسبب في سقوط عشرات القتلى والجرحى وسط تعتيم إعلامي مطبق، وهو الأمر الذي أثار حفيظة المنظمات الحقوقية الدولية كما جاء في بيان لمنظمة هيومن رايتس ووتش في 13 أغسطس 2017.

وأرجع بعض المحللين الهدف من زيارة مقتدى الصدر إلى المملكة مطلع أغسطس 2017 إلى محاولة السعودية فتح قنوات اتصال مع طهران للضغط على الشيعة وأنصارهم في المنطقة الشرقية للتوقف عن أعمال الشغب مع الأمن السعودي والتظاهرات التي تنتقد فيها المملكة وسياسات حكامها.

الهدف الثاني هو تجنب أي معوقات أمام محمد بن سلمان في طريق وصوله إلى كرسي العرش، فالمشهد يشير إلى تراجع كبير لبلاده بالتزامن مع اتساع رقعة الخلاف مع الدول المجاورة والتي دفعته إلى العمل على تطويق هذه الرقعة تجنبا لأي آثار أو ردود فعل تعيقه عن تحقيق حلمه.

ولذلك .. فالتقارب مع إيران يبدو أنه أحد الاستراتيجيات الجديدة التي أقرها ابن سلمان في خطته المعدة لخلافة والده، والتي تسير في جزء منها عكس التيار التقليدي المتعارف عليه سعوديًا، فالهدف الذي يسعى إلى تحقيقه من وراء هذا كله يتمحور في بلوغ حلم الخلافة حتى ولو كان ذلك عبر التخلي عن المعتقدات والثوابت القديمة، هذا بالإضافة إلى السير في ركاب أبناء زايد المعروف عنهم علاقتهم القوية بطهران وإن كان ما يثار في الإعلام عكس ذلك.

التشابك الخارجي مع إيران

أهداف أخرى تسعى إليها المملكة من تقاربها مع طهران في العراق في ظل تعاظم قوة الحشد الشعبي “الشيعي” خاصة بعد تحرير الموصل من تنظيم الدولة خلال الأشهر السابقة والذي كان لحلفاء طهران النصيب الأكبر من هذا الانتصار، وهو الأمر الذي يجعل السعودية مضطرة للتعاطي مع هذه التحولات.

علاوة على ذلك فإن القلق السعودي من خطر انتقال عناصر “تنظيم الدولة” إليها من خلال الحدود المفتوحة بين البلدين زاد من دوافع الرياض نحو التحرك صوب بغداد لفتح صفحة جديدة في العلاقات.

هدف آخر ربما يعكس حرص الرياض على التقارب مع طهران بعدما وقعت السعودية ضحية إملاءات بن زايد بالدخول في حرب ضد جماعة الحوثي وقوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح ، في اليمن الأمر الذي كبدها خسائر مادية وبشرية فادحة.

حيث تواجه المملكة منفردة أزمة حقيقية في صراعها ضد الحوثيين، في مقابل تحقيق الإمارات حليفها في الحرب نجاحات عدة في مخططها الرامي إلى السيطرة على الجزء الجنوبي وما به من مواني ومرافئ بحرية ومضائق استراتيجية، وهو ما دفع بعض المعارضين إلى تفسير سبب زيادة أعداد الحجيج الإيرانيين هذا العام إلى مساعي ابن سلمان للخروج من المأزق الحوثي في اليمن.

السياق الزمني

منذ مطلع العام الجاري ووفق السياق الزمني فإن تغيرات طرأت على مواقف المملكة من الشيعة وبدأت في إعادة النظر فيما كانت تتبناه من مواقف سابقة ضد طهران وحلفائها.

ففي فبراير الماضي زار وزير الخارجية السعودية عادل الجبير بغداد في زيارة هي الأولى من نوعها لوزير خارجية سعودية منذ 14 عاما.

بعدها قام رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بزيارة مماثلة إلى الرياض في 19 يونيو الماضي التقى خلالها العاهل السعودي وبعض كبار الديوان الملكي السعودي.

تبعها وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي المعروف بقربه من طهران وعلاقته القوية بالحشد الشعبي الشيعي بزيارة في 17 يوليو الماضي إلى المملكة.

وفي 20 يوليو الماضي توجه رئيس أركان الجيش السعودي الفريق أول ركن عبد الرحمن بن صالح، إلى بغداد في زيارة رسمية قيل أنها لبحث تأمين الحدود بين البلدين.

ثم جاءت الزيارة المثيرة للجدل لزعيم التيار الصدري الشيعي العراقي مقتدى الصدر، في 30 يوليو الماضي، لتثير الكثير من التساؤلات، حيث كان باستقباله في مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان، الذي كان يعمل سفيرًا للمملكة في العراق سابقًا.

علاقة جديدة يسعى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتدشينها مع طهران من خلال وسطاء عراقيين ممالين لإيران، وهو ما يجسد حفاوة الاستقبال للصدر والأعرجي المحسوبين على النظام الملالي، إضافة إلى اللقاء الذي جمع بين وزيري الخارجية السعودي عادل الجبير والإيراني محمد جواد ظريف، على هامش مشاركة الوزيرين في اجتماع منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول، مطلع شهر أغسطس 2017.

تصريحات الأعرج

جاءت تصريحات وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي بالإعلان عن طلب سعودي بتوسط العراق بين الرياض وطهران ليؤكد مساعي السعودية للتقارب مع إيران.

وأكد الأعرجي أن إيران تلقت هذا الطلب بشكل إيجابي، وأن السعودية وعدت بالتجاوب مع الشروط الإيرانية.

التصريحات العراقية جاءت بعد ساعات مما أثير بشأن تقدم الخارجية السعودية بطلب للسفارة العراقية في الرياض لإقامة قنصلية لها في مدينة النجف ذات القدسية الشيعية.

إزدواجية التعامل

تمارس السعودية ازدواجية سياسية في التعامل مع إيران، ففي الوقت الذي توجه سهام نقدها لقطر وتدفع دولاً أخرى لتبني وجهة نظرها لقطع العلاقات مع جارتها بدعوى التقارب مع إيران ها هي تفتح الباب على مصراعيه أمام الموالين لإيران.

وفي الوقت الذي تعرقل فيه سفر القطريين لأداء فريضة الحج تقدم الخدمات كافة لتيسير دخول الإيرانيين لبلادها رغم الاتهامات التي وجهت لهم من قبل طهران العام الماضي، وبدلاً من أن تتهم إيران بتسييس الحج وتدويل الشعيرة وهي التي طالبت بها مرارًا وتكرارًا، توجه الاتهامات للدوحة بحذو إيران في هذه المسألة.