العدسة – ياسين وجدي:

خسائر متنوعة ضربت الكيان الصهيوني في العدوان على قطاع غزة المحاصر بالأساس ، لعبت فيها المقاومة الدور الأبرز بعد تكاتف شعبي لافت .

“العدسة” رصد الخسائر التي لحقت بالاحتلال ، من زوايا عدة، والتي أظهرت أن الخسارة كانت موجعة ومفاجئة.

خسائر اقتصادية !

بحسب تقديرات صهيونية غير رسمية ، شهد عام 2018 حتى اللحظة 6 جولات تصعيدية، تكبدت فيها دولة الاحتلال مجموع خسائر مالية تقدر بـ 600 مليون شيكل، منهم  120 مليون شيكل في جولة التصعيد الأخيرة التي استمرت نحو 40 ساعة.

 

 

التقديرات تشير إلى أن تكلفة ذلك التصعيد الأخير بلغت 110 -120 مليون شيكل، بما في ذلك صواريخ القبة الحديدية، وطلعات الطائرات الجوية، ونشاطات سلاح البحرية وتجنيد الاحتياط وحركة القوات، خاصة أن سلاح الجو الصهيوني استهدف أكثر من 160 هدفًا، وفقا لتصريحات المتحدث باسم جيش الاحتلال، وبالتالي فإن الحديث يدور عن إنفاق الملايين.

وتصل تكلفة ساعة الطيران  لطائرة حربية من طراز F15 إلى 170 ألف شيكل، ومن طراز F16 إلى 100 ألف شيكل، وساعة الطيران للمروحيات الجوية المقاتلة إلى 50 ألفًا، والطائرات غير المأهولة التي شاركت بكثافة وعلى مدار الساعة في الجولة الأخيرة إلى 20 ألف شيكل.

القبة الحديدية كذلك أحد مصادر الاستنزاف الاقتصادي الذي جرى ، حيث اعترضت القبة الحديدية 100 قذيفة صاروخية فقط؛ وفقا لمزاعم سلاح الجو، وكانت تطلق صاروخَيْن اثنَيْن من نوع “تامير” على كل صاروخ يتم إطلاقه من غزة من أجل النجاح في اعتراضه، وكما هو معروف فإن تكلفة الصاروخ تصل إلى 100 ألف شيكل ، وهو يعني خسائر باهظة في المحصلة، فضلا عن الخسائر الاقتصادية المتوقعة نتيجة الأضرار التي لحقت بالمستوطنين والمتعلقات العامة والخاصة.

زلزال سياسي  !

ولم تكن غزة سبب في الخسائر الاقتصادية للكيان الصهيوني فحسب ، بل طال صمودها وعمليات مقاومتها الجانب السياسي ، وحدث ما يشبه الزلزال السياسي في دولة الاحتلال.

 

 

وزير الحرب الصهيوني  أفيجدور ليبرمان ، ومن بعده وزيرة الهجرة والاندماج الصهيونية صوفا لاندفير، تقدما باستقالتيهما من حكومة الاحتلال على خلفية خلاف مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ، حول اتفاق وقف إطلاق النار بين الاحتلال والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وكان ليبرمان أكثر دقة في وصف ما جرى من هزيمة حيث برر استقالته بخضوع حكومته لحركة حماس والسماح بدخول الأموال إلى القطاع!.

رئيس المعسكر الصهيوني المعارض آفي غاباي، عزز من مكاسب المقاومة مؤكدا أن حركة حماس هي من قررت موعد استقالة وزير الحرب الصهيوني أفيجدور ليبرمان ، وعلى نتنياهو الاستقالة أيضا ، لإجراء انتخابات مبكرة .

وزيرة الخارجية الصهيونية السابقة تسيبي ليفني، اعترفت بالهزيمة مؤكدة كذلك أن حكومة نتنياهو ضعيفة وتتهاوى وحماس هي من ضحكت في هذه الجولة وهذا شيء مؤلم بحسب تعبيرها ، فيما لخصت عضوة الكنيست عن حزب “العمل” المعارض، ميراف ميخالي المشهد السياسي بقولها :” قبل عامين، قال ليبرمان إنه سيقتل هنيه خلال 48 ساعة، فبقي هنيه ورحل ليبرمان نفسه” ، مؤكدة أهمية استقالة نتنياهو نفسه.

وفي هذا السياق فمن المتوقع أن يذهب المشهد الحكومي بعد استقالة ليبرمان إلى الارتباك وبعض الخلل في ضوء انسحاب كتلة ليبرمان من الائتلاف، واشتراط نفتالي بينت بقاءه في الحكومة بإعطائه وزارة الحرب خلفًا لليبرمان، وهو ما يرجح إمكانية الذهاب لانتخابات مبكرة للكنيست نهاية فبراير المقبل ، لينقلب السحر على الساحر.

حركة “حماس”، في المقابل وصفت استقالة ليبرمان بأنه انتصار سياسي لغزة، وهزيمة له أمام “المقاومة الفلسطينية”، وهو ما أكده المتحدث باسم سرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي أبو حمزة موضحا أن المقاومة قادرة على إفقاد المستوى السياسي والعسكري للعدو الصهيوني مستقبله في أي جولة قادمة ، بعدما لم تكتف بردع العدو عسكرياً بل أربكت حساباته السياسية، ما أدى ألى “مجزرة سياسية” بحسب وصفه بين قادة الاحتلال التي أساسها العجز في مواجهة غزة.

وفي هذا الإطار أظهر استطلاع للرأي داخل كيان الاحتلال أجرته قناة (كان) العبرية أن حركة حماس كانت هي المنتصرة في الجولة الأخيرة من العدوان على غزة، وأن وزير الحرب المستقيل ليبرمان كان فاشلاً ، فيما أكد 65% من المستطلعين أن سياسة نتنياهو تجاه غزة كانت سيئة جدًّا،  وأشار  57 % من المستطلعين إلى أن إدارة ليبرمان لوزارة الحرب كانت سيئة فيما يرى 49% أن حماس هي المنتصرة في جولة الحرب الأخيرة على غزة.

بعد آخر في الخسارة ، وهو أن الخضوع للمطالبات المصرية بالتهدئة الفورية ، للاستعداد للدخول في جولة مفاوضات ، يعني بحسب مراقبين ، حال حدوثها ، فقد الكيان الصهيوني لأوراق تفاوض قوية على الطاولة.

فشل عسكري !

وبحسب مراقبين ، فإن الفشل العسكري الصهيوني غير مسبوق هذه المرة .

 

ويدلل المراقبون أن المقاومة استطاعت تقديم عرض عسكري متفوق هذه المرة ، من خلال اكتشاف كتائب القسام وحدة “إسرائيلية” رفيعة المستوى في خانيونس، وقتل قائدها البارز وإصابة ضابط آخر، وقيادة عملية عسكرية انتهت بإعلان دولة الاحتلال تثبيت إطلاق النار.

يأتي هذا بالتزامن مع التنسيق العالي الذي قامت به المقاومة باقتدار، عبر غرفة عملياتها المشتركة في معركة الرد خلال يومين وقوة نارية كبيرة (أكثر من 450 صاروخا)، كما نجحت في توجيه ضربات نوعية، تمثلت في استهداف الباص، وتدمير منزل في عسقلان لتقتل مستوطنين وتصيب أكثر من 100 آخرين.

 

 

ونجحت المقاومة الفلسطينية في تثبيت قاعدة جديدة في المشهد ، تنطلق من المبادرة إذا لزم الأمر ، مفادها بحسب المراقبين أن من “يرتكب الحماقات يجب عليه أن يتحمل النتائج”، وهو ما أكده محلل الشئون العبرية في كتائب القسام في مقال له قائلا :” إن المستقبل يُخفي في جعبته ما لا يمكن تخمينه، وما لم يظن المحتل يوماً أن يراه في أسوأ أحلامه”.

ولم تستخدم المقاومة الفلسطينية في هذه الجولة سوى سلاح “الصواريخ” خلال هذه الجولة القصيرة، فلم تستخدم أيا من أسلحتها الأخرى مثل الكوماندوز البحري، وسلاح طائرات الأبابيل، وسلاح الأنفاق الهجومية، وغيرها من الأسلحة، وهو ما يعزز التقدم المسلح للمقاومة وفق مراقبين.

 

وفي معسكر العدو ، ذهب محللون عسكريون صهاينة ، إلى تأكيد الفشل الصهيوني غير المسبوق، وجهوزية المقاومة للمواجهة في أي وقت خاصة بعد الافتتاح ببداية غير تقليدية من خلال صاروخ الكورنيت الذي يعني أن مستوى الردع الصهيوني فقد آثاره تماما، كما أشاروا إلى أن أداء القبة الحديدية أقل كفاءة من حرب 2014 على غزة” فيما وصف رئيس الوزراء الصهيوني السابق، إيهود أولمرت، ما حدث في المواجهات العسكرية بقوله :” إن الفلسطينيين لقنونا درسا، وأقاموا لنا مدرسة”، لتنتهي هذه الجولة عسكريا بنجاح منقطع النظير لصالح المقاومة الفلسطينية وسط توقعات برد عسكري صهيوني قد يكتب فشلا جديدا لدولة الاحتلال وفق البعض.