جلال إدريس

مع انتظار تركيا إعلان فوز رئيس جديد للبلاد، كأول رئيس يتمتع بالصلاحيات الدستورية الجديدة، بعد دخول البلاد عمليًّا مرحلة النظام الرئاسي بدلًا من البرلماني، تتوجه الأنظار إلى تلك الصلاحيات الجديدة التي سيتمتع بها الرئيس الجديد، وشكل الحياة السياسية في تركيا الجديدة.

ووفقًا لمراقبين، فإن تلك الانتخابات التركية الحالية تعد الأهم في تاريخ البلاد، لكونها نهاية فعلية للنظام البرلماني وبداية للتطبيق الفعلي للنظام الرئاسي الذي أُقِرّ في الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي وافق عليها الشعب التركي في 16 إبريل عام 2017 بنسبة 52%.

ومن اليوم فصاعدًا ستصبح الصلاحيات الجديدة لرئيس “تركيا” مختلفة تمامًا عما سبق، حيث ظل الرئيس التركي ورئيس الوزراء يتقاسمان الصلاحيات التنفيذية على مدار عقود طويلة من تاريخ الجمهورية التركية، إلا أن هذا الأمر كان سببًا رئيسيًّا في الصراع والتنافر بين المنصبين، ما أثر على الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد في أكثر من مرحلة تاريخية.

(العدسة) ومن خلال التقرير التالي يرصد بالتفصيل أبرز التغيرات السياسية التي ستطرأ على تركيا مع إعلان فوز الرئيس الجديد للبلاد.

وداعًا للحكومات الائتلافية

مع إعلان فوز الرئيس الجديد لتركيا، ستودع تركيا “الحكومات الائتلافية” التي كانت مفروضة عليها طوال السنوات الماضية، وتحديدًا منذ إعلان الجمهورية التركية حتى اليوم، حيث تعاقبت على البلاد 65 حكومة، 36 حكومة منها لم تكمل عامًا واحدًا في السلطة، وبعضها استمر ثلاثة أشهر فقط، وكانت الحكومات الائتلافية هي الطابع الغالب على الحياة السياسية في تركيا، منذ الستينيات وحتى أواخر التسعينيات.

وكان نظام الحكم في تركيا قبل تعديلات الدستور في أبريل الماضي “برلمانيا”، يفرض على رئيس الجمهورية تشكيل حكومة ائتلافية، إذا لم يحصل أي من الأحزاب السياسية المنتخبة في البرلمان على أغلبية برلمانية، غير أن الحكومات الائتلافية التي تعاقبت على تركيا أدت إلى عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في كثير من الفترات كما تتسبب في إحجام المستثمرين عن استثمار أموالهم في البلاد.

غير أن الرئيس الجديد لتركيا -بعد الانتخابات الحالية- سيكون من حقه تشكيل الحكومة ورئاستها وإلغاء منصب رئيس الوزراء، وهو ما سيعطي البلاد مزيدًا من الاستقرار السياسي والاقتصادي.

بداية الفصل الحقيقي بين السلطات

ستشهد تركيا بعد الانتخابات الحالية فصلًا تامًّا بين السلطات “التشريعية والتنفيذذية” إذ كانت الحكومات في السابق تتشكل من حزب الأغلبية المنتخب، وبالتالي قد يكون هناك نائب بالبرلمان ووزير بالحكومة، وهو ما كان يتسبب في تداخل واضح بين السلطات التشريعية والسلطات التنفيذية في البلاد.

غير أن الوضع بات مختلفًا تمامًا بعد التعديلات الدستورية الأخيرة، إذ أصبح تشكيل الحكومة واختيار الوزارء، من مهام رئيس الجمهورية، ولا يفرض عليه اختيارات بعينها، كما أن النظام الجديد يمنع أعضاء البرلمان من أن يتقلدوا مناصب وزارية، كما أنه سيكون للرئيس التركي الجديد إمكانية اتخاذ قرار إعلان حالة الطوارئ في عدد من مناطق أو كل أنحاء البلاد لمدة 6 أشهر، على أن يتم نشر القرار في الجريدة الرسمية وتقديمه إلى البرلمان ليتم اعتماده.

ويمكن للرئيس أن يسن قوانين معينة بمراسيم تتعلق بقضايا تنفيذية، تاركًا تنظيم الحقوق والواجبات الأساسية للسلطة التشريعية، إذ لا يمكن إصدار مرسوم رئاسي حول هذا الموضوع.

وفي حال أصدر البرلمان والرئيس قوانين أو مراسيم بشأن نفس الموضوع، يصبح القرار الرئاسي باطلًا، كما يمكن للبرلمان جلب المراسيم الرئاسية أمام المحكمة الدستورية لمراجعتها.

الرقابة والميزانية في يد الرئيس

ستنتهي في تركيا صورة الرئيس الشكلي، الذي لا يتمتع بصلاحيات داخلية، وتقتصر مهامة على على العلاقات الخارجية وفقط، حيث سيتمتع الرئيس الجديد بصلاحية وضع ميزانية الدولة على أن يصادق عليها البرلمان، وإذا تم رفضها يتم اعتماد ميزانية السنة السابقة.

وكان وضع الميزانية والمصادقة عليها من صلاحيات البرلمان فقط.

وفي مجال الرقابة، سيفقد البرلمان حق التدقيق في الوزراء، لكنه يقوم بمراقبة أداء السلطة التنفيذية من خلال التحقيقات البرلمانية والمناقشات العامة والتحقيقات المكتوبة، على أن يجيب نواب الرئيس والوزراء في غضون 15 يومًا.

ضوابط جديدة لمحاكمة رئيس البلاد

ومع إعلان نتائج الانتخابات التركية سيتيح النظام الجديد في تركيا محاكمة رئيس الجمهورية بأغلبية ثلثي أعضاء البرلمان، وإذا ثبتت إدانته فسيتم إقالته.

وكانت من المشاكل التي يعانيها نظام الحكم القائم في تركيا قبل تعديلات أبريل 2018، عدم إمكانية محاسبة رئيس الجمهورية، حيث إن المادة (105) من الدستور التركي تنص على أنه لا يجوز الطعن لدى القضاء –بما في ذلك المحكمة الدستورية العليا- على القرارات التي يتخذها رئيس الجمهورية منفردًا، بينما يتحمل رئيس الوزراء المسؤولية عن القرارات التي تحمل توقيع رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية معًا.

كذلك تنص المادة على أنه لا يجوز محاكمة رئيس الجمهورية إلا بتهمة “خيانة الوطن” ويلزم تقديم طلب بمحاكمة الرئيس يوقع عليه ثلث أعضاء البرلمان على الأقل، ويتم قبول الطلب في حال صوت لصالحه 75% من الأعضاء.

إلا أن التعديلات الدستورية الأخيرة نصت على أنه يجوز طلب فتح تحقيق بحق رئيس الجمهورية بشبهة ارتكابه أية جريمة من أي نوع بشرط توقيع (50%+1) من أعضاء البرلمان، ويتم قبول الطلب حال صوت لصالحه ثلاثة أخماس الأعضاء (360 عضوًا).

دمج وزارات واستحداث نواب للرئيس

عقب فوز الرئيس الجديد سيطرأ على المناصب المختلفة في الجمهورية التركية انخفاض كبير، مقابل سرعة في تقديم الخدمات والحلول، وزيادة في الإنتاج والتوفير في الوقت.

وبحسب النظام الجديد سينخفض عدد الوزارات من 26 إلى 16، بعد دمج بعض الوزارات مع بعضها من أجل إحداث مزيد من التنسيق الفعّال.

ووفق هذا، سيتم دمج وزارة الأسرة والسياسات الاجتماعية مع وزارة العمل والضمان الاجتماعي، تحت مسمى “وزارة العمل والخدمات الاجتماعية والأسرة”؛ لتقديم الخدمات اللازمة للأسر التركية.

كما سيتم دمج وزارة العلوم والصناعة والتكنولوجيا مع وزارة التنمية، ليصبح اسم الوزارة الجديدة “وزارة الصناعة والتكنولوجيا”.

وستعمل هذه الوزارة على جعل تركيا رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، من خلال إنتاج علامات تجارية عالمية مرموقة ذات تكنولوجيا عالية ورائدة في التقنيات الذكية.

ودمج وزارة الجمارك والتجارة مع وزارة الاقتصاد تحت مسمى “وزارة التجارة”، ومن ضمن أهدافها زيادة عائدات الصادرات إلى 500 مليار دولار، وجعل إسطنبول “مركزًا ماليًّا عالميًّا”.

وزارة الغذاء والزراعة والثروة الحيوانية سيتم دمجها كذلك مع وزارة الغابات وشؤون المياه، لتصبح تحت مسمى “وزارة الزراعة والغابات”، لتتولى مهام حماية الغابات والحفاظ على الرقعة الزراعية.

وزارتا الخارجية والاتحاد الأوروبي، سيتم دمجهما تحت مسمى “وزارة الخارجية”، لتلعب الوزارة بمسماها الجديد دورًا أكثر تأثيرًا في السياسات الخارجية والتطورات الدولية.

ووفقًا للنظام الجديد، فسيكون هناك نواب للرئيس لم يحدد عددهم القانون، وتعيين أعضاء مجلس الوزراء من قبل الرئيس.

كما سيعين الرئيس الرؤساء التنفيذيين رفيعي المستوى للمؤسسات العامة ورؤساء الجامعات، وبحسب التعديلات الدستورية تجري الانتخابات البرلمانية والرئاسية بشكل متزامن كل 5 سنوات.

الحد من الانقلابات العسكرية

يشير تاريخ الحكومات الائتلافية في تركيا إلى أن مرحلة سبعينيات القرن العشرين المنصرم عرفت حكومات ائتلافية عديدة، لكنها غالبًا كانت تنتهي بتدخل الجيش التركي، وسيطرته على مقاليد الحكم، غير أن هذا الوضع يفترض تغييره ووضع حد له بعد أن يصبح نظام الحكم في تركيا رئاسيًّا.

ولعل من أشهر تلك الحالات الانقلاب العسكري الذي حصل في 12 سبتمبر 1980، بقيادة كنعان إيفريل، وأنهى الحكومة الائتلافية، برئاسة سليمان ديميرل، في ذلك الوقت.

وبعد هذا الانقلاب، أجريت أول انتخابات تشريعية في العام 1983، وأفضت إلى قيام حكومة أغلبية، شكلها حزب الوطن الأم منفردًا، لكن الحكومات الائتلافية عادت للحياة السياسية أكثر من مرة، بعد ذلك، حيث انتقلت تركيا إلى عهد الائتلافات بعد انتخابات عام 1991، وشكل “حزب الطريق القويم” بزعامة، سليمان ديميرل، ائتلافًا مع حزب الشعب الديمقراطي الاشتراكي بزعامة أردال إينونو.

أما بعد انتخابات 1995، فقد تشكل ائتلاف حكومي بين حزب الرفاه، بزعامة نجم الدين أربكان، وحزب الطريق القويم، بزعامة تانسو تشيلر، لكنه لم يدم طويلًا، حيث أنهي التحالف بانقلاب عسكري “ناعم” في 28 فبراير/شباط 1997، ثم شكل حزب اليسار الديمقراطي بزعامة بولنت أجاويد حكومة ائتلافية مع حزب العمل القومي وحزب الوطن الأم.

وعادت تركيا إلى حكومة الحزب الواحد، إثر وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة في 2002، وفوزه في انتخابات 2007 و2011، قبل أن يفقد غالبيته في الانتخابات الأخيرة، ويفتح الباب أمام عودة الخيار الائتلافي مرة أخرى.

ويشهد تاريخ الحكومات الائتلافية على اتسامها بعدم الاستقرار والجمود السياسي وفشل معظمها في تمرير إصلاحات أو قوانين مهمة، لذلك تم تغييرها في النظام الجديد.

استحداث لجان جديدة

سيشهد النظام الجديد في تركيا إنشاء 9 لجان جديدة، هذه اللجان هي: لجنة سياسات الإدارة المحلية، ولجنة السياسات الاجتماعية، ولجنة سياسات الصحة والغذاء، ولجنة سياسات الثقافة والفن، ولجنة سياسات القانون، ولجنة سياسات الأمن والخارجية، ولجنة سياسات الاقتصاد، ولجنة سياسات التربية والتعليم، ولجنة سياسات العلوم والتكنولوجيا والحداثة.

وسيتضمن النظام الجديد أيضًا إنشاء 4 مكاتب جديدة ستعمل مباشرة مع رئيس الجمهورية، وهذه المكاتب هي: مكتب الموارد البشرية، ومكتب الاستثمار، ومكتب التمويل، ومكتب التحول الرقمي.

وهذه المكاتب ستكون بمثابة وحدات تلعب دورًا رئيسيًّا في استخدام الموارد البشرية بشكل مثمر ومؤثر، وفي تيسير حياة المجتمع، وزيادة جودة الخدمات من خلال التحول الرقمي، وفي جعل تركيا دولة جاذبة في مجال الاستثمار، وفي تطوير الأدوات المالية الجديدة.