العدسة – ياسين وجدي:
كثر الحديث عن اقتراب ربيع عربي جديد ، يطيح بالشتاء العربي القارس الذي أجهض أحلام الشباب مع انطلاقة هبات الربيع الأول منذ العام 2011 ، وبات الحديث عن ملامح ما بعد الربيع العربي رائجة في شكل أحلام وتعهدات بين غرف الساسة وحديث الخبراء والمراقبين .
“العدسة” استشرف ملامح الدول ما بعد الربيع المرتقب في سياق هذا التقرير، والتي قامت على صعود بارز للشباب والنساء ، تحت أهداف ثلاث هي العيش الكريم والتغيير والعدالة الانتقالية.
“خبز أفضل”!
الخبز الأفضل والعيش الكريم ، يأتيان في مفردات ومضامين كثير من الطامحين للتغيير واستكمال الربيع العربي الذي هتف أبنائه في بروفة لم تكتمل في مطلع العام الجاري :” يا مواطن يا مقموع زاد الفقر وزاد الجوع”.
وبحسب تقدير موقف حديث بعنوان : “الخيارات الاقتصادية الصعبة لدول الربيع العربي” فإنه مع موجات الربيع العربي ظهر ثمة حديث جاد عن ضرورة تبني مشروع للتنمية يقضي على عمق الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها دول الربيع العربي، وهو ما يتطالب الآن بعد ضربات الثورة المضادة الاعتماد على الذات للعودة لنقطة بدايات عام 2011 وما تبعها ، والتقدم نحو مشروع تنموي يعبر عن ثورات الربيع العربي ويقضي على المشكلات الاقتصادية.
ويطرح الباحث الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي في تقدير الموقف خارطة واضحة للمستقبل في حال نجاح الربيع العربي في العودة ، تقوم على التخلى عن المنهج الإصلاحي وتبني منهج ثوري، يعمل على مصادرة الأموال المنهوبة والمشبوهة، والتخلص من رأس المالية المتوحشة والطفيلية، وبناء مؤسسات حقيقية تعمل على تحقيق التنمية، ودور قوي للدولة لمعالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، دون محاربة لمبدأ سيادة القانون أو انجرار للدولة القديمة ، مع البعد عن الإفراط في الوعود الاقتصادية، والطموحات الكبيرة، بالتزامن مع وضع الإمكانيات المتاحة في طرفها الصحيح بمعادلة التنمية وبناء حوار مع القوى الإقليمية والدولية لتساند حق دول الربيع العربي الجديد في إجراءاته الاستثنائية لاسترداد ثرواتها.
إنه فيما يبدو “ربيع الخبز العربي”، كما يقول مراقبون ، خاصة أن زهاء 70 مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر المدقع، في حين زادت معدلات الفقر في العامين الأخيرين بنسبة 60 في المئة، ويرى الكاتب والأكاديمي الأردني موسى برهومة في جريدة الحياة اللندنية أن انتفاضات الخبز العربي التي انطلقت مطلع 2018 في تونس والسودان، قد تتكرر لموجة ثالثة ورابعة في مصر، وربما في فلسطين والأردن والجزائر، مؤكدا أن عنوان المواجهات المقبلة، إن تواصل التعامي والإنكار، سيكون لقمة العيش، وهو ما توقعته دراسة صادرة عن المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية بالقاهرة ، ما يعزز التوجه نحو تصدر الملف المعيشي والتنمية.
البعد التنموي حاضر بقوة كذلك في مشاريع إعادة الاعمار في سوريا واليمن وليبيا ، التي يسعى كثير للمساهمة فيه للتخلص من آثار الحرب التي كبدت اليمن 100 مليار دولار كفاتورة مطلوبة للإعمار، فيما تشير التقييمات الأخيرة إلى أن التكلفة المقدرة لإعادة بناء سوريا تصل لإجمالي ما يقرب من 400 مليار دولار، ويتوقع أن يصل المبلغ إلى تريليون دولار، فيما تتجاوز تكلفة اعمار ليبيا وفق البعض ما يصل إلى 480 مليار دولار.
التغيير أولا !
باتت شعارات التغيير ، صاحبة الصدارة في أوراق أبناء الربيع العربي الأول ، وحظيت في الفترات الماضية بدراسات كثيرة ومبادرات متعددة ، وهو ما يعزز المناخ الإيجابي في الحياة السياسية فيما بعد الربيع العربي المتوقع وفق مراقبين.
وفي دراسة حديثة للخبير الاستراتيجي الدكتور محسن صالح فإن في حال استكمال الربيع العربي ، فإنه لابد من الاستفادة من خبرة الثورات في التغيير، وفي بناء التحالفات، وفي إنهاء منظومات “الدولة العميقة”، وفي بناء أنظمة سياسية جديدة قادرة على التعامل مع مختلف التحديات، وهو ما يتوقع معه بحسب الدراسة تقديم رؤية تغييرية عملية وحقيقية في ضوء مشروع وحدوي عربي إسلامي تحرري، يخرج من الانغلاق القـُطْري، لتنسيق الجهود فيما بينها وذلك عبر تقديم رموز قيادية تملك القدرة على حشد الجماهير، وعلى أخذ القرارات الحاسمة ودفع أثمانها.
هذه الرؤية يتفق معها رفيق عبد السلام وزير خارجية تونس الأسبق مؤكدا أن المنطقة العربية بصدد تحول كبير، وثورات الربيع العربي هزت واقع الجمود وحركت المياه العربية الآسنة، ولكن كما أن مشاريع التعويق التي واجهت وتواجه ثورات الربيع العربي أخذت طابعا إقليميا ودوليا ، لا يمكن مواجهتها إلا بمشروع مضاد من جنسها، أي بنسج تحالفات إقليمية ودولية واسعة تأخذ بعين الاعتبار ما هو أهم على المهم.
وأوضح أن مشكلة الربيع العربي الأولى هي عدم التردد وحسم الأمور والخيارات سواء باتجاه عقد تسوية مع النظام القديم الماسك بأدوات السلطة على نحو ما فعل نيلسون منديلا في جنوب أفريقيا، أو الذهاب في خيار الثورة إلى نهايته وإقحام الشعب في المعركة على نحو ما جرى في أغلب الثورات الجذرية في عصرنا الحديث في ظل تحرك الثورات العربية دون غطاء أو حماية حقيقية.
صعود للشباب وللمرأة !
ومن ملامح الربيع العربي المرتقب صعود بارز للشباب العربي وللمرأة العربية كفاعليين رئيسين في المشهد العام وفق دراسات وإحصائيات ومراقبين.
وبالتزامن مع مؤشرات صعود المرأة العربية في أوساط أبناء الربيع العربي وقياداتها للحراك والنضال في مواقع مختلفة ، فقد توقعت لجنة المرأة التابعة للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “اسكوا” صعود بارز للمرأة في المنطقة العربية وإقرار التمكين لها ، ووفق دورتها التي انعقدت في العام 2017 ، فإن التوصيات كثيرة في العديد من الاستراتيجيات والخطط الوطنية بإلزام خطط التنمية المستدامة لعام 2030 بالانسجام مع ذلك .
الشباب فارس الرهان في الفترة المقبلة تحت واقع الإحباط الذي يلاحقهم في كل مكان، وبحسب دراسة علمية نشرت مؤخرا فإن الناشطين الشباب الذين شاركوا في الثورات في ثلاث من دول الربيع العربي، وهي مصر وتونس وليبيا، يشعرون بالإحباط من الوضع السياسي القائم في بلادهم في الوقت الحالي.
وبحسب مراقبين فإن الإحباط الذي أصاب الشباب العربي كان قائدا لموجة الربيع العربي الأول وينتظر أن يقودهم للموجة الجديدة لتحقيق طموحاتهم في الحرية الرفاه والصعود بهم إلى صدارة المشهد ، خاصة أن تعداد الشباب العربي (الذين تتراوح أعمارهم بين 15-29) يبلغ (105) ملايين، وينمو بسرعة، ولكن البطالة والفقر والتهميش تنمو بشكل أسرع، حيث يصل معدل البطالة بين الشباب إلى (30%)، بما يعادل أكثر من ضعف المعدل العالمي البالغ (14%)، بينما يفشل ما يقرب من نصف النساء العربيات الشابات في العثور على فرص عمل مقابل المعدل العالمي البالغ ( 16%)، هذا ما قد يحفزهم على الانتقام والتمرد على هذا الوضع مرة أخرى.
عدالة انتقالية
يرجح كثير من المراقبين أن تكون العدالة الانتقالية أحد معالم الفترة التالية للربيع العربي المرتقب بعد تأخر تحقيق العدالة الانتقالية في دول الربيع العربي، وسط اتهامات لمجلس الأمن الدولي.
وأكدت ندوة، نظمها مركز بروكنغز، بالعاصمة القطرية الدوحة، مؤخرا أن العدالة الانتقالية لازالت مُمكنة في ليبيا، ولكنها مؤجلة بسوريا ومصر، وشهدت نجاحا في تونس، وأن “التسييس مهيمن على رؤية مجلس الأمن الدولي لقضايا انتهاكات حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية في دول الربيع العربي”.
وشهدت تونس أجواء تمهيدية حفت بالكثير من المعوقات في الفترات الماضية وصولا إلى عقد جلسات الدوائر الجنائية بعد جهد مثمن من هيئة الحقيقة والكرامة ، وانتصرت لأبرز مطالب ثورات الربيع العربي.
ووفق تقرير للمركز الدولي للعدالة الانتقالية ، فإنه في خضم التطورات الكبيرة والمتسارعة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ بداية العام 2011 وحتى اليوم، رفعت الشعوب مطلب العدالة في التظاهرات السلمية الواسعة التي لجأت إليها من أجل إسقاط أنظمتها وحكامها، مؤكدا أن العدالة الانتقالية تشكل في فترات التحول ركناً أساسياً في عملية بناء الدولة وإرساء الديمقراطية وسيادة القانون.
ويحدد المركز أبرز صفات العدالة الانتقالية المرتقبة ، وفي مقدمتها محاسبة المسؤولين الكبار عن انتهاكات حقوق الانسان مع احترام المعايير الدولية للمحاكمات العادلة، وعدم استعمال الطرق والوسائل التي كانت تستعملها الأنظمة في السابق من أجل محاكمة المسؤولين عن الانتهاكات.
اضف تعليقا