ما زال المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون يعلقون على سيطرة حركة “طالبان” على مقاليد الحكم في أفغانستان بشكل سريع، وانهيار القوات الأفغانية، في زمن قياسي وغير متوقع. حيث صرح في السابق، وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، أن اضطرار الولايات المتحدة لمغادرة أفغانستان بسرعة “كان ضربة كبيرة للغرب ولها، وسبب ذلك ناجم عن عدم إدراك الوضع هناك جيدًا”. وأضاف الوزير الفرنسي أن سيطرة حركة طالبان على البلاد خلال 15 يومًا بمثابة “مفاجأة”.

كذلك، وصف مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، انسحاب قوات الحلف من الأراضي الأفغانية بـ”الفوضوي”، وأن الانسحاب بهذه الطريقة من أفغانستان مثّل “ضربة شديدة للغرب”.

وكان آخر من علق على سيطرة طالبان على مقاليد الحكم في أفغانستان، هو الدبلوماسي الأمريكي، الأفغاني الأصل، زلماي خليل زاد، المبعوث الأميركي إلى أفغانستان. حيث تحدث “خليل زاد” عن كواليس الأحداث الأخيرة، في لقاء له مع مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، كاشفًا أنه مع اقتراب سقوط كابل، ضغط بنفسه بقوة على قادة طالبان كي لا تقتحم الحركة العاصمة كابل وتتحول المواجهة إلى حرب مدمرة، وفق وصفه.

وأضاف خليل زاد إن كثيرين توقعوا انهيار الوضع في غياب القوات الأميركية، إلا إنهم رجّحوا أن يستغرق الأمر سنوات عدّة. وقال: “لقد أجريت كثيرًا من المحادثات مع (الرئيس الأفغاني) أشرف غني… حيث كان يرى أن طالبان لن تكون قادرة على الانتصار عسكريًا. لقد كان “غني” يؤمن بذلك بحماس شديد وبقوة، إلى أن أحاط مقاتلو الحركة بكابل”.

 

حوار اللحظات الأخيرة

ووفق ما كشف عنه المسؤول الأمريكي، فإنه قد حدث لقاء بينه وبين رئيس وفد حركة طالبان، الملا عبد الغني برادار، في العاصمة القطرية الدوحة، خلال الأيام الأخيرة التي سبقت سيطرة الحركة على كابل. وأضاف “خليل زاد” أنه حاول الضغط على طالبان، حتى لا يؤدي هجومها المحتمل حينها على العاصمة كابل إلى صراع من شأنه أن يدمر العاصمة ويهدد حياة الملايين. حيث اعتقد “زاد” أن اندلاع معارك شوارع كان من الممكن أن يؤدي إلى كارثة، وأن هذا من شأنه أن يتعارض مع الاتفاقية التي عقدتها الولايات المتحدة الأمريكية مع طالبان.

وأضاف: “العنصر الثالث في الاتفاقية التي عقدناها مع طالبان والذي يعدّونه مقدسًا، ينص صراحة على المفاوضات بين طالبان والأفغان الآخرين؛ بما في ذلك الحكومة، من أجل حكومة إسلامية جديدة. واتفقنا على أنهم سيفعلون ذلك لمدة أسبوعين بحيث يبقون على أبواب كابل”.

وأردف: “ويأتي وفد من كابل ومنهم الرئيس السابق حامد كرزاي، وعبد الله عبد الله، والوزير محمد آصف رحيمي، والوزير محمد معصوم ستانيكزاي، وعدد قليل من الآخرين، بهدف تكوين الحكومة الجديدة الشاملة، ولكن ليس تقاسم السلطة بنسبة 50 – 50 في المائة، وهو ما كان اقتراحنا لهم في وقت ما. ووافقت طالبان على ذلك. لكن جدالهم كان حول من سيكون رقم واحد. أرادت طالبان أن يستبدلوا بالرئيس غني بأحد أعضائها، وكان غني يرفض الموافقة على ذلك”.

 

لقاء مع قائد القيادة المركزية الأمريكية

ومن ضمن ما كشفه زلماي هو أن الملا برادر التقى بالجنرال كينيث ماكينزي، قائد القيادة المركزية الأمريكية، برفقة خليل زاد. وتساءل حينها برادار عن الجهة التي ستتحمل مسؤولية أمن كابل بعد مغادرة الرئيس غني البلاد، فجاء الرد الأميركي من الجنرال ماكينزي، قائلًا: “لقد أوضحت لك مهمتي في أفغانستان”، يقصد أن القوات الأميركية موجودة فقط لإجلاء الأميركيين والفئات المستحقة الأخرى للإجلاء من البلاد.

وقال زلماي إن الملا برادر كان يحاول دفع الأميركيين لمطالبته بتحمل مسؤولية تأمين كابل للأسبوعين المتبقيين قبل انتهاء الانسحاب الأميركي، لكن ماكينزي لم يطلب ذلك، مضيفًا أن برادر وفريقه وافقوا على سحب قوتهم -التي كانت قد دخلت كابل- إلى أطراف العاصمة، وبدء مفاوضات تشكيل حكومة جديدة.

وبعد الزعم السابق لزلماي، أضاف أن طالبان أصرت على أن يكون لها الأفضلية في الحكومة المرتقبة، وأن يتم استبدال الرئيس أشرف غني، وقد وافق الجميع بمن فيهم غني على البدء بالمفاوضات. وأوضح أنه بعد ساعتين أو 3 ساعات من إعلان موافقة غني، بدأت التقارير تفيد بأنه اختفى وغادر البلاد.

 

أسوأ من الانسحاب السوفياتي

ومما يدل على اعتراف الولايات المتحدة بفشلها في أفغانستان هو أن زلماي، الذي هو المبعوث الأميركي إلى أفغانستان، حاول أن يُبعد عن نفسه أي مسؤولية عما حدث في البلاد خلال الأشهر الأخيرة، حيث قال: “يعتقد كثيرون أنني من هندس الانسحاب الأميركي (…) ربما هذا إطراء، ولكن عليّ القول إن لكل إدارة أميركية أسلوبها في التعامل. إدارة بايدن كانت ماضية في عمليات الانسحاب”.

وأضاف: “شعرت بخيبة أمل كبيرة من الطريقة التي غادرنا بها. لقد فعلنا شيئًا ضخمًا مع الأفغان مرة أخرى بعد الانسحاب السوفياتي… تخلينا عنها. لم يكن علينا أن نفعل ذلك. كان يجب أن نبذل قصارى جهدنا للاستجابة لتوق الشعوب إلى السلام، من خلال التقريب بين الأطراف والتشجيع على التوصل إلى اتفاق”.

وكما صُدم الرئيس الأمريكي، جو بايدن، من سرعة انهيار الجيش الأفغاني، وهو الذي أجاب قبل أسابيع من سيطرة طالبان على الحكم، عن سؤال كان نصه: “هل بات استيلاء حركة طالبان على أفغانستان أمرًا حتميًا؟”، قائلًا: “لا، ليس كذلك، لأن القوات الأفغانية تقدر بـ300 ألف جندي مجهزين جيدًا، ومجهزين بقدر تجهيز أي جيش في العالم وقوات جوية.. وجود نحو 75 ألفًا من عناصر طالبان لا يجعل الأمر حتمي..”، بدا “زلماي” مصدومًا كذلك. حيث صرح أن الاستثمار الأميركي في أفغانستان والجيش والدولة كان كبيرًا، وبأن سقوطها بهذا الشكل كان أمرًا صادمًا.

وبالتأكيد، فإن هذه هي رواية أحد أقرب المسؤولين للأحداث، لكن قد تكون رواية طالبان مختلفة في بعض الأجزاء.