كشفت صحيفة الغارديان أن الرئيس السابق لجهاز الموساد، وكالة المخابرات الإسرائيلية، هدد المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا في سلسلة من الاجتماعات السرية حاول خلالها الضغط عليها للتخلي عن التحقيق في جرائم الحرب.

ذكرت ثلاثة مصادر أنه بعد الاجتماع المفاجئ مع رئيس جمهورية الكونغو الديموقراطية جوزيف كابيلا وبنسودا في نيويورك، والذي أُجبرت فيه بنسودا على لقاء رئيس الموساد يوسي كوهين، اتصل كوهين مرارا هاتفيا بالمدعية العامة وطلب عقد اجتماعات معها، ووفقا لشخصين مطلعين على الوضع، سألت بنسودا كوهين في إحدى المراحل عن كيفية حصوله على رقم هاتفها، فأجاب: “هل نسيت ما أفعله من أجل لقمة العيش؟”، في إشارة إلى أن الحصول على رقمها أمر هين باعتباره رئيس المخابرات الإسرائيلية.

وأوضحت المصادر أن رئيس المخابرات “حاول في البداية بناء علاقة” مع المدعية ولعب دور “الشرطي الصالح” في محاولة للتأثير عليها، وقالوا إن الهدف الأولي من هذه المحاولات على ما يبدو كان تجنيد بنسودا للتعاون مع إسرائيل.

ومع ذلك، مع مرور الوقت، تغيرت لهجة كوهين وبدأ في استخدام مجموعة من التكتيكات، بما في ذلك “التهديدات والضغوطات”، حسبما قال أحد الأشخاص المطلعين على الاجتماعات، ودفع هذا بنسودا إلى إبلاغ مجموعة صغيرة من كبار مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية بما يحدث.

في ديسمبر/كانون الأول 2019، أعلنت المدعية العامة أن لديها أسبابا لفتح تحقيق جنائي كامل في مزاعم ارتكاب جرائم حرب في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، ومع ذلك، فقد أوقفت بدء التحقيق، وقررت أولاً أن تطلب حكمًا من الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية لتأكيد أن المحكمة لها بالفعل ولاية قضائية على فلسطين.

وقالت مصادر متعددة إنه في هذه المرحلة، بينما نظر القضاة في القضية، صعّد كوهين محاولاته لإقناع بنسودا بعدم متابعة التحقيق في حال أعطاها القضاة الضوء الأخضر.

وقالت المصادر إنه بين أواخر عام 2019 وأوائل عام 2021، كانت هناك ثلاث لقاءات على الأقل بين كوهين وبنسودا، جميعها بمبادرة من رئيس المخابرات، وفي هذا الوقت بدأ سلوكه يثير قلق مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية بشكل متزايد.

وقال مصدر مطلع على روايات بنسودا عن اللقاءين الأخيرين مع كوهين إنه أثار تساؤلات حول أمنها وأمن عائلتها، بطريقة دفعتها إلى الاعتقاد بأنه كان يهددها.

وفي إحدى المناسبات، يقال إن كوهين عرض على بنسودا نسخًا من صور زوجها، والتي تم التقاطها سرًا عندما كان الزوجان يزوران لندن، ومن جهة أخرى، بحسب المصادر، هدد كوهين بنسودا بأن قرار فتح تحقيق كامل سيضر بمسيرتها المهنية.

وقالت أربعة مصادر مطلعة على الوضع إنه في نفس الوقت تقريبًا اكتشفت بنسودا ومسؤولون آخرون في المحكمة الجنائية الدولية أن المعلومات كانت متداولة بين القنوات الدبلوماسية المتعلقة بزوجها، الذي كان يعمل مستشارًا للشؤون الدولية.

بين عامي 2019 و2020، كان الموساد يسعى بنشاط للحصول على معلومات مساومة بشأن المدعية العامة وأفراد عائلتها، وبالفعل تمكن الموساد من الحصول على مستندات ضد زوج بنسودا.

ومن غير الواضح من الذي أجرى العملية، أو على وجه التحديد ما يُزعم أنه قاله في التسجيلات، لكن أحد الاحتمالات هو أنه تم استهدافه من قبل وكالة الاستخبارات أو من قبل جهات خاصة في دولة أخرى أرادت التأثير على المحكمة الجنائية الدولية، والاحتمال الآخر هو أن المعلومات ملفقة.

ولكن بمجرد أن أصبحت هذه المواد في حوزة إسرائيل، استخدمها دبلوماسيوها في محاولة فاشلة لتقويض بنسودا ومنعها من المضي قدمًا في فتح تحقيق ضد إسرائيل، لكن وفقا لمصادر متعددة، فشلت إسرائيل في إقناع حلفائها بأهمية هذه المادة.

ووصفت ثلاثة مصادر مطلعة على المعلومات التي شاركتها إسرائيل على المستوى الدبلوماسي الجهود بأنها جزء من “حملة تشهير” فاشلة ضد بنسودا، وقال أحد المصادر: “لقد طاردوا فاتو”، لكن لم يكن لذلك “أي تأثير” على عملها كمدعية عامة للمحكمة.

وكانت الجهود الدبلوماسية جزءًا من جهد منسق بذلته حكومتا نتنياهو ودونالد ترامب في الولايات المتحدة لممارسة الضغط العام والخاص على المدعية العامة وموظفيها.

بين عامي 2019 و2020، وفي قرار غير مسبوق، فرضت إدارة ترامب قيودًا على التأشيرة وعقوبات على فاتو بنسودا، وجاءت هذه الخطوة ردا على سعي بنسودا لإجراء تحقيق منفصل في جرائم الحرب في أفغانستان، التي يُزعم أن حركة طالبان وأفراد عسكريين أفغان وأمريكيين ارتكبوها.

ومع ذلك، ربط مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، حزمة العقوبات بالقضية الفلسطينية، وقال: “من الواضح أن المحكمة الجنائية الدولية تضع إسرائيل في مرمى النيران فقط لأغراض سياسية بحتة”، وبعد أشهر، اتهم بنسودا، دون تقديم أي دليل، بـ “التورط في أعمال فساد لمصلحتها الشخصية”.

في فبراير/شباط 2021، أصدرت الدائرة التمهيدية بالمحكمة الجنائية الدولية حكمًا يؤكد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي الشهر التالي، أعلنت بنسودا عن فتح تحقيق جنائي ضد إسرائيل.

وأكملت بنسودة فترة ولايتها البالغة تسع سنوات في المحكمة الجنائية الدولية بعد ثلاثة أشهر من هذا القرار، تاركة الأمر لخليفتها كريم خان لتولي التحقيق. ولم يكتسب تحقيق المحكمة الجنائية الدولية إلحاحًا متجددًا إلا بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول والحرب التي تلت ذلك على غزة، وبلغت ذروتها في الطلب الذي تقدم به خان الأسبوع الماضي لإصدار أوامر اعتقال.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا