العدسة – معتز أشرف  

عام من الصراع الداخلي، ظهر في الأفق الإعلامي والدولي، على غير العادة، على يد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، منذ دخوله إلى البيت الأبيض، في 20 يناير 2017، والذي توقع محللون سياسيون في أمريكا وخارجها أنه لن يجرؤ على تحدي مؤسسات الدولة إلى ما لا نهاية، وراهنوا على أن خطاب تنصيبه ربما يشهد تراجعا عن بعض وعوده الانتخابية، ولكن فشلت هذه التوقعات عمليا، حيث جاءت قراراته الداخلية بمثابة تفخيخ لأمريكا، خسرته أشياء كثيرة، رصدها أحدث استطلاع للرأي أجراه معهد “جالوب” الأمريكي، حيث حصل على أدنى نسبة تأييد في تاريخ الرئاسة الأمريكية، وفقًا لصحيفة “الإندبندنت” البريطانية.

مذبحة ليل السبت

في قرار مفاجئ في مايو 2017، كانت الصدمة الأقوى، حيث أقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية (إف بي آي) جيمس كومي، الذي كان يقود تحقيقات متعلقة بصلات محتملة بين فريق حملة “ترامب” وروسيا، إلا أن المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر أرجع القرار إلى أن “الرئيس قبل توصية المدعي العام ونائب المدعي العام، بما يتعلق بإقالة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية”.

وكان “كومي” (56 عاما) الذي عينه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في هذا المنصب، أكد في 20 مارس من العام الماضي، أنه يحقق في احتمال “التنسيق” بين مقربين من الذي وروسيا قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ما جعل من قرار إقالته محط شكوك الديمقراطيين وآخرين في البيت الأبيض، وصلت إلى اتهام الذي بمحاولة إضعاف التحقيق الذي يجريه (إف.بي.آي) بخصوص التدخل الروسي في الانتخابات، حتى شبه بعض الديمقراطيين تحرك الذي “بمذبحة ليل السبت” عام 1973، التي أقال فيها الرئيس ريتشارد نيكسون، مدعيا خاصا مستقلا يحقق في فضيحة ووترجيت.

زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر قال إنه تحدث إلى الذي وأبلغه أنه “يرتكب خطأ كبيرا للغاية” بإقالة “كومي”، مضيفا أن الرئيس لم “يقدم ردا في حقيقة الأمر”، مضيفا أن تحقيقا مستقلا في دور موسكو في الانتخابات “هو السبيل الوحيد الآن لاستعادة ثقة الشعب الأميركي”، خاصة وأن وكالات المخابرات الأمريكية خلصت في تقرير لها إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان قد أصدر توجيهات للتأثير على انتخابات 2016، لتصب في مصلحة “ترامب”.

موجة الغضب جاءت كذلك لـ”ترامب” من أقرب أنصاره، حيث قال السناتور ريتشارد بير الرئيس الجمهوري للجنة المخابرات بمجلس الشيوخ، والتي تشرف على تحقيق للمجلس في التدخل الروسي في الانتخابات، إنه منزعج من توقيت إقالة كومي، وأضاف: “أعتقد أن إقالته خسارة للمكتب وللأمة”.

إعصار من الفئة الخامسة

سجل لقاء نجل الرئيس الأمريكى بمحامية روسية على صلة بحكومة موسكو، أزمة مدوية لم تكن مجرد سحابة عابرة في سماء رئاسة “ترامب”، حيث قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية إن البيت الأبيض غرق في حالة من الفوضى، بعد أيام من  الكشف المتفاقم -بشكل غير مسبوق- عن اجتماع بين نجل الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب الابن، ومحامية وصفت بأنها تمثل الحكومة الروسية، حيث بدأ الرئيس الذي يستشيط غضبا من أعدائه، بينما ينظر كبار المساعدين لبعضهم البعض بريبة، حسبما قال كبار مسئولى البيت الأبيض ومستشارين من الخارج.

وأوضحت الصحيفة أن الذي الذي كان مختفيا عن الرأى العام منذ العودة من المشاركة في قمة العشرين، يشعر بالغضب من أن سحابة روسية لا تزال تحوم فوق رئاسته، وغاضب لأن ابنه الأكبر، والذى يحمل اسمه، قد أصبح محاصرا بها، حسبما قال أشخاص تحدثوا مع الرئيس هذا الأسبوع.

وكان الكشف عن أن نجل الذي التقى بمحامية روسية، معتقدا أنه سيحصل على معلومات مشوهة عن هيلارى كلينتون، كجزء من مساعي الكرملين لتعزيز ترشح والده للرئاسة، قد أدى إلى انتكاسة أجندة الإدارة المتعثرة، وأحدث قلقا في فريق القيادة العليا بحسب مراقبين.

وحتى أنصار دونالد ترامب الابن، الذين يعتقدون أنه لا يواجه أي تداعيات قانونية يعترفون سرا أن القصة تمثل كارثة في العلاقات العامة له وللبيت الأبيض أيضا، وقال أحد الحلفاء إنه إعصار من الفئة الخامسة، في دلالة على فداحة الأمر.

وكان نجل دونالد ترامب، نشر أربع صفحات من رسائل إلكترونية على “تويتر”، تتضمن كيفية الإعداد للقاء مع المحامية روسية عرضت تقديم معلومات مؤذية لهيلاري كلينتون جمعتها الحكومة الروسية، ويتبين من هذه الرسائل أن الابن الأكبر للرئيس الأمريكي عبر على الفور عن اهتمامه بالأمر، وكتب للوسيط الذي عرض عليه ترتيب لقاء مع المحامية ناتاليا فيزيلنيتسكايا: “إذا كان ما تقوله صحيحا فالفكرة تروق لى كثيرا، وخصوصا إذا تم الأمر خلال هذا الصيف”.

 تغييرات جذرية

البيت الأبيض شكل أزمة داخلية كبيرة لـ”ترامب”، بعد توليه منصبه، دفعته إلى تغييرات جذرية لفريقه الرئاسى داخل البيت الأبيض، وهو ما أثار الكثير من التكهنات والجدل بشأن الاختيارات الجديدة التى شملت ثلاثة من كبار موظفي البيت الأبيض، التي شملت مناصب مدير الاتصالات والمتحدث الإعلامى، وأخيرا مدير موظفي البيت الأبيض، حيث قام الرئيس الأمريكي بتعيين “أنتوني سكاراموتشي” مديرا للإعلام في البيت الأبيض، في محاولة منه لتنظيم فريق عمله الرئاسى الذي يواجه أزمات متلاحقة، وهو ما أثار احتجاج المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر، ليقدم استقالته في اليوم نفسه، غير أن الذي سرعان ما قام بتعيين سارة ساندرز، خلفا لسبايسر.

ولم تقف التغييرات عند ذلك الحد، ففي قرار كشف تزايد التوتر بين أعضاء فريق البيت الأبيض، قام الذي بإقالة كبير موظفي البيت الأبيض، راينس بريباس، بعد يوم من قيام سكاراموتشي لبريباس بتسريب معلومات للصحفيين، وهو ما اعتبرته صحيفة “واشنطن بوست” أنه يسلط الضوء على حدة الصراع بين موظفي الجناح الغربى بالبيت الأبيض.

الصراع المؤسسي، داخل الإدارة الأمريكية، ظهر في أزمة قطر، بحسب عمرو عبد العاطي، الباحث المتخصص في الشؤون الأمريكية، في مجلة السياسية الدولية، والذي أوضح أن موقف الإدارة الأمريكية من أزمة قطر، في الخامس من يونيو الماضي، يكشف عن ملامح الانقسام والصراع داخل الإدارة الأمريكية، منذ اليوم الأول لحلف دونالد ترامب اليمين الدستورية، في العشرين من يناير 2017، حيث شهد الموقف الأمريكي من الأزمة تناقضات حادة بين رؤية الرئيس الأمريكي لإدارة تلك الأزمة من جهة، ووزيري الخارجية ريكس تيلرسون، والدفاع جيمس ماتيس، من جهة أخرى.

الانقسام داخل الإدارة الأمريكية، يرجع بحسب الباحث، إلى رفض “ترامب” للمؤسسات الأمريكية، حيث يرى “ترامب” أن المؤسسات الأمريكية (السياسية والاقتصادية) هي السبب في كثير من الأزمات السياسية والاقتصادية التي شهدتها الولايات المتحدة خلال العقد الماضي، ولهذا، أعطى دورا متزايدا لمستشاريه والمقربين منه في عملية صنع القرار الداخلي والخارجي على حد سواء، مقابل تهميش دور التنفيذيين والخبراء داخل المؤسسات المنوط بها صياغة السياسات الأمريكية، بجانب  حرص الرئيس “ترامب” على إعلان مواقفه الشخصية تجاه التطورات الدولية، بدون التنسيق بين المؤسسات والوكالات الأمريكية المنوط بها تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية.

ومن الأسباب التي أدت إلى الانقسام، تراجع دور وزارة الخارجية الأمريكية، حيث لا يؤمن “ترامب” بأهمية دور وزير الخارجية الأمريكي في إدارة الأزمات الدولية، وقد تجلى ذلك في عدم حضوره كثيرا من الاجتماعات مع الوفود الأجنبية التي تزور البيت الأبيض، مقابل الحضور المكثف والمستمر لمستشاري الرئيس والمقربين منه، بالإضافة إلى معارضة الرئيس كثيرا من تسميات “تيلرسون” لمناصب عدة شاغرة بوزارة الخارجية، علاوة على اقتراح “ترامب” في موازنة العام المالي 2018، بخفض المخصصات المالية للوزارة، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) بنسبة 28%، كل ذلك من شأنه الحد من تأثير الوزارة في الأزمات الدولية.

أوباما كير

وعلى عكس الترتيب الذي أورده “ترامب” لأولوياته، في شهر يونيو ٢٠١٦، اختار “ترامب” أن يبدأ بتحقيق وعده بإلغاء مشروع أوباما للتأمين الصحي، والذي بدأ أوباما في تطبيقه عام ٢٠١٠، وقد شغلت هذه القضية الرأي العام الأمريكي، حتى فشل الجمهوريون في مجلس الشيوخ في إلغاء أجزاء من نظام “أوباما كير”، ولم يتمكن  الرئيس دونالد ترامب من تحقيق حلمه في إصلاح نظام الرعاية الصحية الذي يحمل اسم سلفه، حيث رفضت مسودة القانون من 51 عضوا في مجلس الشيوخ مقابل 49، بعد أن دخلت عضوتان جمهوريتان في المجلس، هما سوزان كولينز، وليزا موركوفسكي، ضد مشروع القانون!.

الأزمات الداخلية كثيرة، وبحسب الباحث سعيد عكاشة بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية والسياسية، فإن لـ”ترامب” قناعة خاصة به تترجم حكمة سياسية أقدم، وهي ” أن كل سياسة خارجية هي سياسة داخلية أولا وأخيرا ” ، بمعني أن سياسته الداخلية هي التي ستحدد سياسته الخارجية وليس هناك فصل فيما بينهما ولو على الصعيد الافتراضي حتى لو أثرت على شعبيته المتدهوة بصورة غير مسبوقة.