العدسة – منصور عطية
تفوق 30 عامًا مضت.. هكذا وصف المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المشروعات القومية التي تم إنجازها في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي.
السفير بسام راضي، قال في تصريحات متلفزة، الاثنين: إن “حجم المشروعات القومية التي نُفذت في عهد الرئيس السيسي، يفوق ما تم خلال الـ30 عامًا الماضية”، مشيرًا إلى أن السيسي تفقد- في جولات ميدانية كثيرة طوال الفترة الماضية- العديد من المشروعات التنموية على أرض مصر، والتي “تغير خريطة الدولة”.
فأي خريطة تلك التي تغيرت بفضل تلك المشروعات القومية؟ وما الفائدة التي عادت على المصريين نتيجة تنفيذها، إذا كانت قد نُفذت بالفعل؟.
أحدث الإرهاصات
وربما لا يمكن الحديث عن المشروعات القومية التي تنفذها الدولة، دون النظر في أحدث مستجدات تلك المشروعات، خلال الشهرين الماضيين فقط.
ففي ديسمبر الماضي، بشرت الحكومة المصريين بالرخاء الذي سوف يعم؛ نتيجة بدء الضخ من حقل ظهر للغاز الطبيعي في البحر المتوسط، وكشف “حمدي عبد العزيز”، المتحدث باسم وزارة البترول، في تصريحات متلفزة، أنه تم ضخ 350 مليون قدم مكعب من حقل ظهر في اليوم الأول، حيث يتوقع أن تسجل المرحلة الأولى أكثر من مليار قدم مكعب، وتوفر 2 مليار دولار سنويًّا.
بطبيعة الحال، فإن الرقم لا يتمتع بضخامة توازي ما أثير بشأن محطة الضبعة للطاقة النووية، التي تم التوقيع الشهر الماضي على بدء العمل فيها، أثناء زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمصر.
السيسي وبوتين يشهدان توقيع اتفاق الضبعة
وكان لافتًا تناول بعض المسؤولين للأمر بأرقام محددة ودقيقة، لكنها ربما لا تستند لإحصاء علمي أو دراسات حقيقية، ومن بين ذلك، تصريحات هاتفية أدلى بها حسين الشافعي، رئيس المؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم، الذي قال إن مشروع الضبعة النووي “يحقق للخزانة المصرية ما يفوق 264 مليار دولار صافي ربح”، على حد قوله.
وفي نوفمبر، وافقت لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس النواب، على مشروع قانون قدمته الحكومة بشأن إنشاء أول وكالة فضاء مصرية.
ويهدف القانون، بحسب بعض ملامحه التي نشرتها تقارير إعلامية، إلى “نقل وتوطين وتطوير علوم وتكنولوجيا الفضاء، لامتلاك القدرات الذاتية لبناء وإطلاق الأقمار الصناعية من الأراضي المصرية”.
اللافت، أنه ووفقًا للمادة الرابعة من ملامح القانون سالفة الذكر، فإن موارد ومصادر تمويل الوكالة يتصدرها كل من: الاعتمادات التي تخصصها لها الدولة، والقروض والمنح التي تعقد لصالح الوكالة من خلال الأجهزة المعنية بالدولة.
سوابق في السراب
ولعل التشكيك في الجدوى الاقتصادية المنتظرة من المشروعات السابقة ليس ابتداعًا، لكنه مستقى من تجارب سابقة، تعزز التكهنات التي تقود إلى تلك النتيجة المحتملة، وهي أن ينضم المشروع الضخم إلى سابقيه، من مشروعات اتضح فيما بعد أنها وهمية.
فوفق إحصاءات رسمية، وفي عام 2016 بأكمله، تراجعت إيرادات قناة السويس 3.3 % إلى 5 مليار دولار، مقابل 5.175 مليار في 2015، رغم إنفاق أكثر من 8 مليارات جنيه على مشروع التفريعة الجديدة للقناة والحفل الأسطوري لافتتاحها، ووعود الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة القناة، أن تصل أرباح القناة الجديدة إلى 100 مليار دولار سنويًّا.
تفريعة قناة السويس
كما أظهرت البيانات الرسمية، انخفاض إيرادات مصر من القناة إلى 459.8 مليون دولار في أغسطس الماضي، من 470.6 مليون في أغسطس السابق له (2016).
العاصمة الإدارية الجديدة، “مفخرة” السيسي ونظامه، التي أكد أن ميزانية الدولة لا تتحمل إنشاءها، تبدو في مقدمة ما يمكن أن يضمه كشف حساب الرئيس.
هذه العاصمة لم ير المصريون منها سوى الافتتاح الصاخب لفندق الماسة كابيتال، التابع للقوات المسلحة، بالتزامن مع ذكرى انتصارات حرب أكتوبر قبل شهر.
احتفال أسطوري بافتتاح فندق الماسة كابيتال
اللافت، أن هذا الافتتاح حاول النظام به التغطية على “عورات” المشروع، ففي فبراير الماضي، انسحبت شركة صينية من المشروع؛ بسبب تعذر التوصل إلى اتفاق مع الحكومة بشأن سعر بناء المنشآت الحكومية في العاصمة، لتلحق بشركة “كابيتال سيتي بارتنرز” الإماراتية.
ويظل المؤتمر الاقتصادي الذي انعقد في مارس 2015 بشرم الشيخ، هو النموذج الصارخ على المشروعات الوهمية، حيث أعلنت الحكومة رسميًّا عن 37 مشروعًا بقيمة 40 مليار دولار، بينما روجت صحف السلطة أن المؤتمر سيحقق مكاسب لمصر، تقدر بـ 182 مليار دولار.
المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ
إلا أن نفس الصحف عادت بعدها بنحو شهرين ونصف، للحديث عن 9 أسباب أدت إلى فشل تنفيذ مشروعات المؤتمر الاقتصادي.
وعلى مدار أكثر من عامين، احتفل الإعلام المصري بمشروع استصلاح المليون ونصف المليون فدان، لكن المفاجأة كانت في إعلان توقف المشروع أواخر 2016، لعدم توافر المياه الكافية له، رغم الدراسات المتعمقة من قبل الحكومة.
تقارير إعلامية، نقلت على لسان الدكتور سامح صقر، رئيس قطاع المياه الجوفية في وزارة الري، أن المياه الجوفية المتاحة في مصر كلها، لا تكفي إلا لزراعة 26 % فقط من إجمالي المشروع، أي ما يقرب من 390 ألف فدان، الأمر الذي انعكس على انسحاب بعض المستثمرين المشاركين في المشروع.
المحصلة.. “معندناش”!
الحديث عن المشروعات القومية الضخمة يتناقض مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها مصر؛ نظرًا لما تحتاجه من تمويل تضطلع بجزء منه خزينة الدولة المرهقة بالأساس.
فبحسب بيانات بنك كريدي سويس، المتخصص في تقدير الثروات، فإن مصر وُصفت بـ”الدولة الأكثر تدميرًا للطبقة المتوسطة” على مستوى العالم، منذ بداية الألفية وحتى 2016.
وفي أبريل الماضي، كشفت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، عن أن معدل التضخم في البلاد سجل أعلى مستوى له، منذ الحرب العالمية الثانية، مرتفعًا لأكثر من 32%، وهو ما يعادل 3 أضعاف المعدل الذي كان عليه قبيل ثورة 25 يناير 2011.
وفي سبتمبر، أعلن البنك المركزي ارتفاع حجم الدين الخارجي، بنهاية العام المالي المنتهي في يونيو 2017، بمقدار 23.2 مليار دولار، بمعدل 41.6%، بعد أن زاد في نهاية يونيو 2016، بمقدار 7.7 مليار دولار، بمعدل 16%، ليصل إلى 55.8 مليار دولار.
أما الدين العام المحلي، فقد وصل لأرقام قياسية، وفق بيانات البنك، حيث ارتفع مسجلًا 3.16 تريليون جنيه، بنسبة 91.1% من الناتج المحلي الإجمالي، بنهاية يونيو الماضي، بعد أن كان 2.61 تريليون جنيه، بنهاية يونيو 2016.
فماذا تحقق إذن للمصريين بفضل المشروعات القومية التي نفذها وينفذها السيسي؟.
الإجابة لن تأتي من صفوف معارضي النظام، أو حتى مروجي إجازاته، بل من السيسي نفسه، الذي انعكست الأزمة على تصريحاته في مؤتمر صحفي عالمي، بجوار نظيره الفرنسي “إيمانويل ماكرون” أكتوبر الماضي، ورباعيته الشهيرة: “معندناش تعليم جيد.. معندناش علاج جيد.. معندناش توظيف.. معندناش إسكان”.
اضف تعليقا