توصل أعضاء اللجنة الدستورية المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي الوطني إلى اتفاق بشأن الاستحقاق الدستوري في ليبيا، حيث وافقت اللجنة على إجراء استفتاء على الدستور قبل الانتخابات العامة في 24 ديسمبر المقبل، جاء ذلك خلال اجتماع اللجنة الدستورية بمدينة الغردقة المصرية، وهو الاتفاق الذي رحبت به وزارة الخارجية المصرية.

وجاء في البيان ” تتطلع مصر لاستضافة الجولة الثالثة والأخيرة للمسار الدستوري في فبراير المقبل بحضور المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا لوضع خارطة الطريق لكل من الاستفتاء والانتخابات”.
ليبيا... حضور "الإخوان" في الحكم يفخخ "حوار جنيف" | اندبندنت عربية

كما رحبت الأمم المتحدة باجتماع اللجنة الدستورية بشأن الاستحقاق الدستوري في ليبيا، حيث “تشيد البعثة بقرار الوفدين عقد لقاءتِهِما في إطار خارطة الطريق التي اتفق عليها ملتقى الحوار السياسي الليبي وتعهدهُما بالتشاور مع المفوضية العُليا للانتخابات”.

وكان الفرقاء الليبيين قد أقروا الثلاثاء آلية لاختيار أعضاء السلطة التنفيذية الجديدة التي ستحّضر للانتخابات العامة المقرر إجراؤها نهاية عام 2021، فيما علقت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة ستيفاني ويليامز قائلة إن “أمام الليبيين الآن فرصة حقيقية لتجاوز خلافاتهم وانقساماتهم، واختيار حكومة مؤقتة لإعادة توحيد مؤسساتهم”.

وقد صرحت ستيفاني وليامز بأنه قد تمت الموافقة على هذه الآلية بموافقة 63 ٪ من الأعضاء الـ 75 في ملتقى الحوار، حيث يعمل كل إقليم على اختيار مرشحه بنسبة 70٪ على الأقل، فإن لم يتم ذلك يصبح لازمًا اللجوء إلى خيار القوائم المكونة من 4 أشخاص لكل قائمة، مع تحديد المنصب الذي يترشح إليه، سواء في رئاسة المجلس الرئاسي أو عضويته أو رئاسة الحكومة.

ويشترط في القائمة المترشحة أن تحظى بتزكية 17 عضوًا، 3 من الجنوب، و6 من الشرق، و8 من الغرب، وتجدر الإشارة إلى أنه قد تم تخفيض نسبة العتبة الانتخابية من 75 ٪ إلى 60 ٪ من الأصوات لفوز أي قائمة بالجولة الأولى، وإذا تعذر الحصول على هذه النسبة، تتنافس القوائم في جولة ثانية للحصول على 50 ٪ + 1.

على صعيد آخر، من المنتظر أن تستأنف الجمعة مفاوضات بوزنيقة في المغرب لتعيين المناصب السيادية في الدولة، وتشمل رئاسة مصرف ليبيا المركزي والنائب العام ورئيس المحكمة العليا وديوان المحاسبة وجهاز مكافحة الفساد وجهاز الرقابة الإدارية ورئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات.

  • حفتر وفرص الحسم العسكري

ومع استمرار انخراط الفرقاء الليبيين في عدة حوارات داخلية وإقليمية ودولية من أجل حل الأزمة الراهنة في البلاد، يخشى كثيرون من عرقلة الجنرال المتمرد خليفة حفتر وميليشياته مسار الحل السياسي عبر اللجوء إلى التصعيد العسكري، فتاريخ حفتر يؤكد أنه يسعى دائما إلى إعادة إنتاج دائرة الدم والحرب في ليبيا، فمنذ أقل من شهر وفي خضم تحركات سياسية ودبلوماسية مكثفة، دعا حفتر قواته إلى حمل السلاح مجددا لطرد “المحتل التركي”، على حد قوله.
كيف فاجئ خليفة حفتر الجميع وزحف على طرابلس؟

الجدير بالذكر أن تلك التصريحات جاءت بعد 5 أيام من لقائه عباس كامل، رئيس المخابرات العامة المصرية، في مدينة بنغازي الليبية، وكان حفتر قد التقى اليوم وفدا من مشايخ وأعيان قبيلة ورفلة، كما استقبل صباح اليوم أيضاً رئيس الاستخبارات الإيطالية الجنرال جنارو فيكيوني، وبحثا خلال اللقاء سبل تعزيز العلاقات بين البلدين والتعاون في عدة ملفات على رأسها مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية.

وتفيد عدة تقارير أن كل الدول الداعمة – باستثناء الإمارات – للجنرال المتقاعد خليفة حفتر وميلشياتيه ترفض الانخراط في أي أعمال مسلحة جديدة، أو بالأحرى يمكن القول إنها بدأت القبول بالانخراط في حوار سياسي مع الحكومة الشرعية في طرابلس، والتي كانت تعتبرها هذه الدول في الأمس القريب إرهابية أو متطرفة.

ففي تصريح للمتحدث باسم الخارجية الفرنسية يوم 28 ديسمبر 2020، شدد على أنه “لا حل عسكري في ليبيا. الأولوية لتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار”.

ومصر من جانبها تبدو أقرب إلى الإيمان بالحل السياسي، فقد استقبلت لأول مرة منذ 6 سنوات وفدا من حكومة الوفاق الليبية، حيث وعد المتحدث باسم الخارجية المصرية محمد القبلاوي الجانب الليبي بإعادة عمل السفارة من داخل طرابلس في أقرب الآجال، كما تم الاتفاق على ضرورة وضع حلول عاجلة لاستئناف الرحلات الجوية الليبية للقاهرة.

موسكو من جهتها بدأت تميل إلى القبول بالحل السياسي رغم استمرار وجود مرتزقة “فاغنر” الروسيين والمقربين من الكرملين على الأراضي الليبية. فقد استقبل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في الثلاثين من ديسمبر 2020، نظيره الليبي محمد سيالة، في أول زيارة لمسؤول من الحكومة الشرعية إلى روسيا، منذ نحو عام، وقد خلالها لافروف مساعيه “لتثبيت وقف إطلاق النار في ليبيا رغم بعض الخروقات”.

أما الإمارات فتبقى الدولة الوحيدة من معسكر داعمي اللواء المتقاعد خليفة حفتر التي لم يتواصل معها أو يزورها أي مسؤول ليبي من طرف الحكومة الشرعية، مما يثير التساؤلات حول استمرار المساعي الإمارتية لتأليب الأوضاع وإشعال فتيل الحرب مرة أخرى على الأراضي الليبية.

  • ديناصورات ليبيا

وفي لقاء أمس الخميس مع صحيفة الغارديان البريطانية، أشارت ستيفاني ويليامز في معرض حديثها عن الطبقة السياسية الليبية أنهم ديناصورات ويستفيدون من بقاء الأوضاع على ما هي عليه الآن، حيث صرحت أن “أعدادهم ليست كبيرة عدديًا، لكن هناك دائرة تحب استمرار الوضع الراهن، إنهم يرون أي تغيير من خلال سلطة تنفيذية مؤقتة أو انتخابات الوطنية على أنه نهاية لسيطرتهم على خزائن وموارد الدولة، حيث إن هذه الخطوات ستضع حداً لنظام المحسوبية الذي طوروه بمهارة في السنوات الأخيرة”.

وأضافت “تشكل الانتخابات تهديدًا مباشرًا لوضعهم الراهن، وسيقاتلون للدفاع عن وضعهم الراهن، وأعتقد أن هؤلاء الذين يحاولون منع تشكيل هيئة تنفيذية موحدة توافقية هم نفس القوى السياسية التي ستحاول تعطيل الانتخابات”.

كما جددت ستيفاني دعوتها إلى حتمية تنفيذ بند إخراج الميلشيات المسلحة الأجنبية من ليبيا الموقع عليه في أكتوبر الماضي بين أطراف النزاع، وأضافت أن الموعد النهائي المقرر لانسحاب القوات كان قرارًا ليبيًا سياديًا، تم اتخاذه من قبل الضباط العامين الذين يتبعون تسلسل قيادتهم وقادتهم الأعلى الذين وقعوا على اتفاق وقف إطلاق النار. مؤكدة “أنه إذا بقي المرتزقة على الأراضي الليبية، فإنهم ينكرون إرادة الشعب الليبي”.

وأشارت إلى أنه يوجد في ليبيا ما يربو على نحو 20 ألف عنصر أجنبي، وأن هذا الرقم ليس تخمينًا جامحًا، ولكنه يستند إلى أدلة قاطعة.

ويأتي حديث ستيفاني للجارديان على هامش فاعليات منتدى الحوار السياسي الليبي، الذي دافعت عن شرعيته بقولها “منتدى الحوار شهد وجود فئات لم تدخل في عملية السلام منذ الثورة، إنه حوار ليبي حقًا، وهذا ما كان عليه الحال منذ أول لقاء له في تونس. إنه حيوي للغاية. لقد أسفر عن الكثير من النتائج الجيدة، ليس أقلها قرار إجراء الانتخابات الوطنية في 24 ديسمبر “.

  • وجه جديد للأمم المتحدة

ومن المنتظر أن تغادر ستيفاني ويليامز منصبها مطلع فبراير المقبل ليحل محلها “يان كوبيش” كمبعوث الامم المتحدة الخاص إلى ليبيا، وكوبيش هو وزير خارجية سلوفاكيا السابق، وكان على رأس بعثات سابقة للأمم المتحدة في أفغانستان والعراق، كما شغل منصب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان.

وتباينت الآراء بخصوص تعيين كوبيش، فبينما رحبت كل من تركيا وإيطاليا بتلك الخطوة، اعتبر محمد صوان، رئيس حزب العدالة والبناء الليبي، أن الدفع بتسليم كوبيتش مهامه في ليبيا في هذا التوقيت الحساس الذي توشك فيه ويليامز على إنهاء المرحلة الأخيرة لمسار الحوار “أمر مثير للاستغراب والتساؤل”، كما حذر في تصريحات لتلفزيون ليبي، من أنه “قد ينسف مسار التسوية برمته، ويعود بنا إلى نقطة الصفر”.

أما عضو اللجنة الاستشارية بملتقى الحوار السياسي، السيدة اليعقوبي، فقد قالت ان تعين كوبيش جاء نتيجة ضغوط دولية تمارسها بعض الأطراف على الأمم المتحدة، مؤكده بضرورة قطع الطريق أمام تلك الضغوط، والاستمرار في العمل مع المبعوثة الحالية حتى انتهاء الحوار السياسي.

ومن المنتظر أن تواجه كوبيش تحديات عديدة على مختلف الأصعدة، ويعد أبرز تلك التحديات تثبيت وقف إطلاق النار الهش والعمل على إخراج المرتزقة الأجانب من البلاد، علاوة على الاستمرار في الحوار السياسي الليبي.

ومن المفترض أن تستمر ستيفاني في عملها حتى آخر يناير، حسب تصريح ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، وأضاف أنه “يفخر بدور اللجنة الاستشارية لمنتدى الحوار السياسي الليبي لمناقشاتها الفعالة خلال اجتماعها في جنيف في الفترة من 13 إلى 16 يناير، ممتدحا بشكل خاص “الدور الحاسم الذي لعبته ممثلات النساء وأعضاء الجنوب للتوصل إلى توافق حول آليه موصى بها لاختيار السلطة التنفيذية، وفق خارطة الطريق التي أقرتها تونس في نوفمبر الماضي”

يذكر أن ستيفاني ويليامز كانت قد تولت منصب المبعوث الخاص للأمم المتحدة بالإنابة في مارس الماضي خلفاً لغسان سلامة الذي استقال لظروف صحية