العدسة _ جلال إدريس

حالة من الصدمة وخيبة الأمل سيطرت على مؤيدي النظام المصري من نواب وأحزاب وقوى سياسية، عقب إصدار وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي عن حالة حقوق الإنسان في العالم لعام 2017، والذي رصد أوضاع حوالي 200 دولة من بينهم مصر، وانتقد بشدة أوضاع حقوق الإنسان في عهد الجنرال “عبد الفتاح السيسي”.

سياسيون وبرلمانيون مؤيدون للسلطة أبدوا اعتراضهم الشديد على “التقرير” واعتبروه نوعًا من أنواع الابتزاز لمصر، فيما صدق معارضون على كل ما جاء في  التقرير، واعتبروا أن واقع حقوق الإنسان في مصر، أشد قبحا وسوءا مما ورد في التقرير.

“العدسة” ومن خلال التقرير التالي، تسلط الضوء على التقرير وأبرز النقاط التي جاءت فيه، وتبعات التقرير على العلاقة بين الإدارة الأمريكية ونظام عبد الفتاح السيسي.

أبرز ما ورد في التقرير

رصد التقرير الذي نشرته وزارة الخارجية الأمريكية على موقعها الرسمي ما وصفه بالقتل خارج إطار القانون وحالات الاختفاء القسري ومحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، والتعذيب والقيود المفروضة على حرية التعبير تتضمن الصحافة والإنترنت، في عهد السيسي.

كما رصد التقرير عدم إجراء التحقيق الشامل في قضايا انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك معظم حوادث العنف من قبل قوات الأمن، ساهمت في خلق بيئة من الإفلات من العقاب، على حد تعبير التقرير.

وتحدث التقرير عن الهجمات التي نفذتها الجماعات الإرهابية على أهداف حكومية ومدنية وأمنية في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك أماكن العبادة ووسائل النقل العام وراح ضحيتها المئات من الشهداء، فضلا عن التباطؤ في محاكمة الضباط المتهمين في قضايا التعذيب،على حد قوله.

مصر تلتزم الصمت

في مقابل تلك الانتقادات الحادة من الإدارة الأمريكية، التزمت القاهرة حتى اللحظة بالصمت التام حيال التقرير، فلم تخرج الخارجية المصرية ببيانات ترد فيه على تقرير الخارجية الأمريكية، ولم تعقب على كل الاتهامات والانتقادات التي وردت بالتقرير.

وفي أغلب الأحيان تشكك “حكومة السيسي”  في تلك الاتهامات وتعتبرها محاولة لتشويه سمعة البلاد، وتقول بشكل مستمر إنها لا تمارس أي انتهاك لحقوق الإنسان، ولا لحرية التعبير، وإن كل هذه الأمور تتم وفق القانون وبناء على قرارات النيابة العامة أو بناء على أحكام قضائية.

فيما تصدى نواب وسياسيون ومنظمات حقوقية مؤيدون للسلطة في مصر إلى التقرير، واتهموه بالتجني على مصر والادعاء باتهامات باطلة لا أساس لها.

عصام خليل، رئيس حزب المصريين الأحرار، اعتبر أن التقرير يتضمن مغالطات واعتبره منحازا لجماعة الإخوان المسلمين وادعى أنه يشبه اللغة التي كانت مستخدمة أثناء إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وكان من المتوقع أن تتغير هذه اللهجة إبان حكم دونالد ترامب –الرئيس الحالي.

واعتبر خليل في بيان له، أن محتوى التقرير غير مهني، معربًا عن خيبة أمله فى استمرار اعتماد واضعي التقرير على تقارير إعلامية وصحفية، واستمرار استخدام ذات اللغة العدائية ضد الدولة المصرية ومؤسساتها، مؤكدا أن حزبه سيفند التقرير وسيرد عليه.

فيما أكد السفير حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن تلك التقارير شبه روتينية ولم تستند إلى أدلة واقعية، وإنما تستند إلى مصادر مشبوهة ومواقفها معروفة تجاه سجل حقوق الإنسان في مصر.

الخوف على المساعدات الأمريكية

ويرى مراقبون أن حكومة السيسي تخشى وبقوة من أن تؤثر تلك الانتقادات على العلاقة بينها وبين الإدارة الأمريكية،  وهو ما قد يهدد المساعدات الأمريكية التي تقدم سنويا لمصر.

وتقدم الولايات المتحدة مساعدات سنوية لمصر تقدر بنحو 1.5 مليار دولار، بينها 1.3 مليار مساعدات عسكرية، وذلك منذ توقيع مصر معاهدة السلام مع “إسرائيل” عام 1979.

والعام الماضي أوقفت واشنطن مساعدات لمصر بقيمة 100 مليون دولار، وعلّقت مساعدات أخرى بقيمة 195 مليون دولار؛ بسبب تردي السجل الحقوقي وتراجع الديمقراطية في البلاد.

وتواجه القاهرة انتقادات محلية ودولية حادة بسبب سياساتها القمعية ضد معارضي السلطة، وسعيها المستمر لتكميم الأفواه عبر الاعتقال التعسفي أو تلفيق القضايا أو القتل خارج إطار القانون، وقد حلّت ثالثة من حيث عدد الصحفيين المسجونين فيها خلال 2017.

وعقب فوز السيسي بولاية ثانية في مارس الماضي، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن  عبد الفتاح السيسي وضع بلاده في أسوأ أزماتها الحقوقية، وطالبته بمحاولة تعديل الأمور وترك إرث حسن في فترته الجديدة، التي يفترض أنها الأخيرة بحكم الدستور الحالي.

الكيمياء تحمي السيسي

ورغم أن تقرير الخارجية الأمريكية انتقد بشدة ملف حقوق الإنسان في مصر، إلا أن مراقبين لا يتوقعون أن تتأثر علاقة النظام المصري بالإدارة الأمريكية، خصوصا وأن هذا التقرير لا يعد الأول من نوعه؛ حيث سبق وأن أصدرت الخارجية الأمريكية أكثر من تقرير ينتقد ملف حقوق الإنسان في مصر خلال رئاسة ترامب.

ويرجع مراقبون عدم تأثر العلاقات المصرية الأمريكية بتلك الانتقادات إلى “الكيماء” بين ترامب والسيسي، والتي قد تحدث عنها ترامب في تصريحات سابقة، وهو التوافق الذي اعتمدت عليه مصر في علاقته مع أمريكا منذ وصول ترامب للحكم.

ويتوافق السيسي مع ترامب في عدة نقاط أبرزها العداء الكبير لتيارات الإسلام السياسي، وكذلك يتفقان في عمليات الحرب على الإرهاب، كما يتفقان على تنفيذ اتفاقية “صفقة القرن” التي يسعى “ترامب” لتحقيقها خلال العام الجاري، بمساعدة أنظمة ودول عربية كمصر والإمارات والأردن والسعودية.

ولتلك الأسباب تثق “حكومة السيسي” أن انتقادات الإداراة الأمريكية، قد لا تتخطى حد الانتقادات فقط، ولن تصل إلى حد فرض عقوبات، رغم تمادي النظام المصري في تجاوزاته الواسعة ضد حقوق الإنسان في مصر.